“السّلاح” على طاولة الحكومة قريباً!
بقلم كلير شكر
«اساس ميديا»
مهما ارتفعت أو انخفضت درجة المكابرة، أقلّه في العلن، فقد تكوّنت قناعة واضحة لدى القوى اللبنانية: لبنان دخل عصراً جديداً، بقواعد مختلفة عن تلك التي كانت سائدة منذ عقود. تتزاحم المؤشّرات والأدلّة، وتختلف، لكنّها تقود إلى خلاصة واحدة: عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، ولا بدّ من مقاربة جديدة تعالج القضايا الخلافية، وفي طليعتها “السلاح”.
بات واضحاً أنّ المجتمع الدولي يضع السلطة اللبنانية ومكوّناتها السياسية بين حدّين: معالجة أزمة سلاح “الحزب” وإنهاء الورشة الإصلاحية، بلا مواربة أو تذاكٍ… وإلّا فسيُترك لبنان لحال سبيله، معزولاً عن عالم الاستثمارات، فيما سيبقى جنوبه محروماً من ورشة إعادة الإعمار.
في الواقع، تتمايز المقاربة الدولية للملفّ اللبناني بين دولة وأخرى، وتحديداً بين باريس التي تفضّل الأسلوب الهادىء، الليّن، القائم على فكرة استيعاب الخصوصية اللبنانية واحتضان كلّ المكوّنات، وتحديداً الشيعة، من باب تطويق أيّ اصطدام مع أبناء هذه الطائفة والحؤول دون انفجار الوضع الداخلي، فيما واشنطن والرياض تميلان إلى سياسة الحسم على طريقة “الأبيض أو الأسود”، من باب الاستفادة من الظرف القائم، وتحديداً الضغط العسكري الذي تمارسه إسرائيل عبر استهدافاتها اليومية والخروقات التي تسجّلها بحقّ اتّفاق وقف إطلاق النار، لفرض التنازلات على “الحزب”.
مع ذلك، يقول دبلوماسيون غربيون إنّ الفرنسيين نجحوا في إقناع الإدارة الأميركية بالتخفيف من اندفاعها الهجومي، من دون أن تنسف الجوهر. وقد أظهر أسلوب المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس خلال زيارتها الأخيرة لبيروت أنّ واشنطن صارت أكثر براغماتيّة في ترك هامش أوسع للسلطة اللبنانية للتفاعل مع المطالب الدولية، ضمن مهل زمنية محدودة.
الجانب اللّبنانيّ يتفاعل إيجاباً
يؤكّدون أنّ هناك إصراراً دوليّاً على معالجة مسألتَي السلاح والإصلاحات البنيوية، لكنّ هذا لا يعني أنّ الجانب اللبناني لا يتفاعل بشكل إيجابي، وهو أمر يُسجَّل له في دوائر القرار الدولي. يقول هؤلاء إنّ مبادرة السلطة اللبنانية إلى إعلانها بشكل رسمي أنّ مسألة السلاح غير متروكة، وتوازي بأهمّيّتها الإصلاحات المطلوبة، هي خطوة تسعى لتقدير في الخارج لأنّها تعبّر عن رغبة السلطة اللبنانية في وضع هذا الملفّ الدقيق على بساط النقاش الفعليّ، بعدما كان من صنف “المحرّمات”.
يرى هؤلاء أنّ المرحلة الثانية تقتضي الانطلاق في مسارات حوار رسمي، لكن ليس على شاكلة طاولات الحوار الموسّعة التي عرفها لبنان في أكثر من محطّة لأنّها استعراضية أكثر منها عمليّة، وإنّما لا بدّ من حوارات ثنائية على أكثر من مستوى تفتح باب النقاش العميق في المستقبل والتحدّيات التي تواجه لبنان. ويشيرون إلى أنّ واشنطن تستفيد من الضغط العسكري الذي تمارسه إسرائيل لكي تبقي لبنان في وضع حرج، ولو أنّ المجتمع الدولي يتعاطى مع الضغط الإسرائيلي على أنّ اعتباراته الداخلية، الإسرائيلية، الأمنيّة والسياسية، تتجاوز الاعتبارات الخارجية.
لغة واحدة مقبولة
من المنظار اللبناني، تقول مصادر رسمية إنّ أورتاغوس تحدّثت بلغة واحدة أمام المسؤولين اللبنانيين، مقبولة، غير عدائيّة. وقد أعادت التركيز على مسألتَي السلاح والإصلاحات من باب الدفع باتّجاه تسريع وتيرة عمل السلطة. من هنا، يُسلَّط الضوء راهناً على مثلّث رئاسة الجمهورية – رئاسة البرلمان – “الحزب”، حيث تقوم علاقة تفاعليّة على أساس إقناع الرئيس نبيه برّي لـ”الحزب” بضرورة تسهيل مهمّة الرئاسة الأولى وإسقاط الرهانات الخاطئة.
تقول المصادر الرسمية إنّ هناك تقدّماً ملحوظاً في هذا الشأن، وقد تكون الترجمة من خلال حوار ثنائي بين رئيس الجمهورية جوزف عون و”الحزب”، في سياق عدّة مسارات لحوارات ثنائية، بهدف التوصّل إلى استراتيجية للأمن الوطني، شاملة سياسياً، أمنيّاً واقتصادياً، تعالج مسألة حصريّة السلاح وبسط الدولة سلطتها على كامل أراضيها… وكلّ ذلك ضمن مدى زمنيّ مقبول ومعقول يتجاوب مع المصلحة الوطنية وسلسلة الاستحقاقات التي تواجه البلد.
بالتوازي، تستعدّ الحكومة برئاسة نوّاف سلام لتولّي حصّتها من مقاربة هذا الملفّ، وذلك تحت وطأة الضغط الداخلي الذي مارسته بعض القوى السياسية، وتحديداً “القوات”، لكي تضع الحكومة يدها على هذا الملفّ.
على هذا الأساس، تقول المصادر الرسمية إنّ السلطة بمكوّناتها الثلاثة تقوم بعملها في هذا الشأن، كلٌّ ضمن مساره، فيتولّى رئيس الجمهورية الشقّ السياسي من خلال الحوارات الثنائية (ينتظر أن يكون له موقف خلال الساعات المقبلة في هذا الشأن)، فيما يفترض أن تتولّى الحكومة الشقّ التنفيذي. وتفيد المعلومات في هذا الشأن أنّ الحكومة تنتظر تقريراً يُعدّه الجيش عن كلّ الإجراءات التي اتّخذها جنوب الليطاني تنفيذاً لاتّفاق وقف إطلاق النار ليُبنى على الشيء مقتضاه.
في هذا السياق، عبّر النائب حسن فضل الله عن موقف “الحزب” من هذه التطوّرات في مؤتمر صحافي قال خلاله إنّ “مشكلة لبنان هي الاحتلال الإسرائيلي والاعتداء على سيادتنا، وهذه تحتاج إلى تضافر جهود المخلصين لمعالجتها، وأبدينا كلّ استعداد للحوار من أجل الاتّفاق على استراتيجية دفاع وطني لحماية السيادة، ونلاقي كلّ الدعوات الحريصة والصادقة في هذا المجال بيد ممدودة وعقل منفتح، ومن أولويّاتنا الحفاظ على لبنان محرّراً ومحميّاً وقويّاً، وحماية إنجازات مقاومته، وأن تكون لنا دولة قادرة وعادلة تحتكم إلى الدستور والقانون، وننجز فيها إصلاحات حقيقية بما يفيد البلد، ولا يكون قرارها مرتهناً لأيّ جهة خارجية، ولا يُسمح فيها لسفارة أجنبية أو لموظّفة أميركية بالتدخّل في تفاصيل عمل وزاراتها ومؤسّساتها، دولة نرفض كلّ محاولات المسّ بوحدة أراضيها وسلمها الأهليّ وعيشها الواحد”.
توازياً، تؤكّد مصادر دبلوماسية أنّ “الحزب” بات مقتنعاً بضرورة إيجاد صيغة لائقة تبرّر تسليم ما بقي من ترسانته لاعتبارات كثيرة، أهمّها:
- الحوار الأميركي – الإيراني الذي قد يأتي على حسابه.
- استحالة خوضه حرباً عسكرية ضدّ إسرائيل.
- سقوط قواعد الردع التي كرّسها في العقود الماضية.
لهذا ترى المصادر أنّ الكلام عن حوارات داخلية تضع ملفّ السلاح على طاولة البحث يتّسم بالجدّية، وخصوصاً من جهة “الحزب” الذي أبدى كلّ ليونة في التعامل مع الجيش جنوب الليطاني لجهة تسليم أسلحته، بشهادة الأميركيين قبل غيرهم. ولذلك سيتعاطى بانفتاح تامّ مع دعوات الحوار لإسقاط قاعدة نزع سلاحه بالقوّة واستبدالها بالقنوات الحواريّة ضمن مسار طويل يتيح له التفاوض للاحتفاط بمكتسباته السلطويّة.
كلير شكر
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.