السّعوديّة تتمسّك بحلّ الدّولتين: الفلسطينيّون أبناء الأرض

13

بقلم د. فادي الأحمر

«اساس ميديا»

مرّة أخرى تثبت المملكة ريادتها في التمسّك بالثوابت العربيّة، وتحديداً ثوابت القضيّة الفلسطينيّة. ربّما أكثر من الفلسطينيين أنفسهم المنقسمين منذ عقود ولم تجمعهم “النكبة” الأخيرة. نكبة تهدّد بأن تؤدّي إلى نكبة أخطر. فالرئيس الأميركيّ دونالد ترامب يطرح “طرد” الفلسطينيين من غزّة وامتلاكها لتحويلها إلى “ريفييرا”، وإسرائيل تعمل على تطبيق نموذج حربها في غزّة على الضفّة الغربيّة.

في مقابلة مع القناة العبريّة 14، قال نتنياهو إنّ ترامب خرج “برؤية مختلفة تماماً وأفضل بكثير لإسرائيل، في مقاربة ثوريّة وخلّاقة”. وبحسب صحيفة جيروزاليم بوست قال إنّ “السعوديّين قادرون على إنشاء دولة فلسطينيّة في السعوديّة، فهم يملكون الكثير من الأراضيّ هناك”. بعد دقائق أصدرت وزارة الخارجيّة السعوديّة بياناً يرفض “العقليّة المتطرّفة” ويؤكّد رفض المملكة لـ”تهجير الشعب الفلسطينيّ من أرضه”.

تضمّن البيان السعوديّ أيضاً ردّاً على ترامب في إشارته إلى “التصريحات التي تستهدف صرف النظر عن الجرائم المتتالية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي تجاه الأشقّاء الفلسطينيين في غزة، بما في ذلك ما يتعرّضون له من تطهير عرقي”. وكانت الخارجيّة السعوديّة قد أصدرت بياناً ردّاً على إعلان ترامب في مؤتمره الصحافي مع نتنياهو في البيت الأبيض عزمه على نقل الفلسطينيين من قطاع غزّة وتحويله إلى “ريفييرا”. فهو يتعامل مع القطاع على أنّه عقار يريد شراءه وتحويله إلى “موقع جيّد للتنمية المستقبليّة”.

تاجر العقارات

في مقابلة أجراها معه “أساس” قال الصحافي المصري الكبير عبدالله السناوي إنّ “دونالد ترامب شبه أمّيّ في السياسة الخارجيّة”. فإضافة إلى طرد الفلسطينيين من القطاع وتحويله إلى “ريفييرا”، يريد ضمّ كندا لتصبح الولاية الـ 51، وضمّ باناما، وشراء غرينلاند من الدنمارك بالقوّة… والواقع أنّ ترامب جاهل بالتاريخ أيضاً. ولا عجب في ذلك. فتاجر العقارات لا وقت لديه لقراءة تاريخ الدول والمجتمعات. فهو يكرّس وقته لمتابعة سوق العقارات. هدفه اقتناص الفرص لتحقيق الأرباح وجمع الثروات. وهو يعتبر غزّة عقاراً. والفرصة سانحة لامتلاكه وبيعه إلى من يدفع من رجال الأعمال والدول. ففي تصريح من على متن الطائرة الرئاسيّة قال ترامب إنّه “ملتزم بشراء غزّة وامتلاكها، وربّما إعطاء أجزاء منها لدول أخرى في الشرق الأوسط”. وأضاف: “سأحوّل غزّة إلى موقع جيّد للتنمية المستقبليّة”.

مواطنون في غزّة

في كلّ تصريحاته يتكلّم ترامب عن “سكّان” غزّة وليس عن أبنائها. فهو يجهل أنّ الفلسطينيين فيها مواطنون. وغزّة هي أرضهم وأرض آبائهم وأجدادهم. فيها ولدوا وكبروا. ساحاتها هي ملاعب طفولتهم وفيها ذكرياتهم. في أحيائها أقاموا محترفاتهم وأبدعوا. في حقولها زرعوا أشجار الزيتون، وقطفوه وعصروه زيتاً. هناك يرقد أجدادهم منذ آلاف السنين، قبل تأسيس دولة إسرائيل، وحتى قبل تأسيس دولة الولايات المتّحدة الأميركيّة التي يريد ترامب جعلها عظيمة مرّة أخرى. وهو يجهل أنّ طرحه نقل أبناء غزّة من أرضهم وتوزيعهم على الدول، يُسقط آخر قيمة أخلاقيّة في السياسة الأميركيّة، ويُسقطها إلى الدَرَك الأسفل.

أشار بيان الخارجيّة السعوديّة إلى هذه النقطة. فقد جاء فيه أنّ “العقلية المتطرّفة المحتلّة لا تستوعب ما تعنيه الأرض الفلسطينية لشعب فلسطين الشقيق وارتباطه الوجدانيّ والتاريخيّ والقانونيّ بهذه الأرض”. وأضاف البيان: “الشعب الفلسطيني الشقيق صاحب حقّ في أرضه، وليسوا دخلاء عليها أو مهاجرين إليها يمكن طردهم متى شاء الاحتلال الإسرائيلي الغاشم”. لقد أصاب البيان في هذه النقطة بالذات. فاليهود هم المهاجرون إلى هذه الأرض، كما الأميركيون أنفسهم مهاجرون أو أبناء مهاجرين إلى الأرض الأميركيّة. بينما الفلسطينيون هم أبناء الأرض منذ آلاف السنين.

حرب إقليميّة!

إضافة إلى عدم أخلاقيّته السياسيّة والإنسانيّة، يشكّل طرح ترامب تهديداً بإشعال حرب إقليميّة، ليس بين إيران وإسرائيل كما كان متوقّعاً قبل توجيه إسرائيل ضربات قويّة إلى إيران وميليشياتها، إنّما بين مصر وإسرائيل.

الموقف المصري من طرح ترامب تهجير الفلسطينيين إلى مصر (والأردن) يؤكّد أنّ القاهرة لن ترضخ للضغوطات مهما كانت. والسبب أنّ تهجير الفلسطينيين إليها لا يعني فقط تصفية القضيّة الفلسطينيّة، وهذا ما ترفضه مصر، إنّما أيضاً خسارة سيناء. وهي خسارة جيوسياسيّة تهدّد بتحوّل استراتيجي في موقف مصر من السلام مع إسرائيل. سيناء لها رمزيّتها لدى المصريين. “هناك الشهداء والأبطال”، كما يقول عبدالله السناوي في مقابلته مع “أساس”. بعد بدء حرب غزّة طلبت واشنطن عبر وزير خارجيّتها أنتوني بلينكن استقبال الغزّيّين “مؤقّتاً”. فهدّدت القاهرة بـ “تعليق” اتفاقيّة كامب ديفيد. اليوم في مواجهة طرح ترامب يبدو أنّ القاهرة مستعدّة للخروج منها كلّياً. وهذا يعني، إذا ما حدث، تبدّلاً جيوستراتيجيّاً كبيراً، وتحوّل المنطقة من مسار التطبيع والسلام الشامل إلى خطر الحرب الإقليميّة.

قوّة الموقف السّعوديّ

يشكّل الموقف السعوديّ الثابت دعماً كبيراً لمصر (والأردن أيضاً)، وللقضية الفلسطينيّة، في مواجهة طرح ترامب، خاصّة أنّ السعوديّة تملك أوراقاً جيوسياسية كثيرة:

  • الإجماع العربيّ والدوليّ على حلّ الدولتين.
  • قوّتها الدبلوماسيّة في العالم التي من شأنها استنهاض المواقف الدوليّة الرافضة لطرح ترامب.
  • إيقاف التطبيع مع إسرائيل الذي يريد ترامب استكماله. ولن يكتمل بدون السعوديّة التي أكّدت في أكثر من مناسبة أنّها تشترط حلّ الدولتين للتطبيع. وقد أكّد بيان المملكة الأخير أنّ “السلام الدائم لن يتحقّق إلّا بالعودة إلى منطق العقل، والقبول بمبدأ التعايش السلمي من خلال حلّ الدولتين”.
  • إمساكها بورقة الطاقة وأسعارها في العالم، خاصّة بعد إبرام اتفاقيّة “أوبك بلاس” مع روسيا.
  • تجميد تطوير الشراكة مع الولايات المتّحدة الأميركيّة التي يتطلّع إليها ترامب للحصول على المليارات.

عقليّة “تاجر العقارات” لا تصلح لإدارة شؤون الدول، فكيف في إدارة السياسات الخارجيّة لدولة عظمى؟ العالم كلّه أمام أربع سنوات خطيرة. وما شهدناه حتّى الساعة من إطلاق حروب تجاريّة وطرح مشاريع ضم ّ أو شراء أراضٍ ودول ونقل شعوب ليس سوى إرهاصاتها.

د. فادي الأحمر

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.