السلطة في المفهوم التاريخي (2)

32

بقلم: الدكتور وليد عربيد

الشرق – من اجل رسم صورة اكثر تعقيدا وتفصيلا لنظام الحكم التسلطي المطلق، ومن اجل ادراك الحدود التي تحول دون التسلط على السلطة. فالحق ليس موجودا في اعطاء الأمر بدافع السيطرة وارادة السيطرة بدليل ان الحق موجود في كيان الانسان.

وبهذه الصفة يجب السعي في العالم العربي من الوجهة التاريخية إلى الابتعاد عن الطابع الوحشي في الصراع على السلطة و الى تعزيز الاتجاه اكثر واكثر نحو الطابع الحضاري.

ان تداول السلطة في الوطن العربي يجب ان يقوم على اساس تنافس سلمي، كما يؤشر الى ذلك المسار التاريخي الديموقراطي لانتقال السلطة؟ انطلاقا من كل ما تقدم يبقى السؤال عن السلطة من حيث هي قيمة، كما السؤال عن السلطة من حيث هي فعل تاريخي، اي فعل مرتبط بالتاريخ وفعل مشروط في التاريخ. فكثير من الناس تسعى إلى السلطة وتتصارع من أجلها، وهم محكومون بعوامل مختلفة ليس فقط للوصول اليها، بل من اجل تقرير مصيرهم عبر التاريخ.

ويعكس تاريخ السلطة في الوطن العربي، لاسيما وان لبنان دولة من دول تشغلها مجموعة من القضايا. فهناك انفصال في التاريخ العربي بين الفكرة والواقع في ما يخص السلطة وتداولها، فبقدر ما توصلنا اليه في شرح شفافية المعنى الحقيقي للسلطة من جانبها النظري، نراها في الرؤية التطبيقية تتخذ منحى آخر يؤدي اختلافها جذريا عن معناها الحقيقي وذلك بسبب حصر السلطة في يد العائلات والاقطاع والأسر التي تتحكم بالسلطة بطرق أخرى.

والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم كما في الأمس هو هل ان غلبة حكم الأسر والعائلات التي كانت تتولى السلطة وينتقل الحكم فيها الى الأبناء والأخوة والأقارب بات قضية دائمة لا مفر منها؟ تجدر الاشارة الى أن التاريخ الاسلامي عرف تجربة رائدة دامت حوالى ثلاثين سنة بتداول السلطة ليس عملا بالوراثة بل بالشورى وتم تطبيقه على اربعة خلفاء (الخلفاء الراشدين)، لكن هذه التجربة تراجعت ودخل العالم العربي مرحلة العائلات والتوريث السياسي، وهو المتبع في المجتمعات الانسانية جميعها تقريبا. لقد بقيت فكرة السلطة وتداولها عند العرب تصطدم بمناخ الجمود في صد فكرة تطوير السلطة نحو حكم العدالة، بينما قامت الدول الاوروبية بتطوير نفسها فالنظام الملكي اتجهت دول نحو الفصل بين الملك والحكم والدول الأخرى نحو نظم سياسية ديموقراطية تقوم على اختيار الحاكم على اساس الانتخابات الشعبية بالاضافة الى نظم سياسية يتناسب مع فكرة السلطة لدى الشعوب.

ان خريطة السلطة القائمة في الوطن العربي منذ نشوء الدول الحديثة تحافظ على وضعها من دون تغيير، كما هي الحال بالنسبة الى الدول التي استبدلت نظمها واتجهت نحو الجمهوريات، ولم يتغير التعاطي مع السلطة فتحولت من حكم العائلات الى حكم الأفراد الذين ربما يؤسسون حكماً عائلياً تحت شعارات فضفاضة من الديموقراطية الى القومية. لذلك، فإن تاريخ السلطة في العالم العربي أتخذ ملامح يحكم فيه ابطال الانقلابات العسكرية منذ استقلال الدول عن القوى المستعمرة، اذ ان هذه الانقلابات قد غيرت من طبيعة تركيبة الحكم والسلطة التي ادت الى تغييرات عميقة اجتماعية وسياسية وحتى اقتصادية. وبالرغم من ان مفهوم السلطة وتداولها في الدساتير العربية قد حدد القاعدة القانونية لمسيرة الحكم، لكن اغلب الدول التي شهدت انقلابات عسكرية في نظمها السياسية عدلت مواد الحكم فيها بما يخدم توجهات القوى المسيطرة على مقاليد الحكم. ويمكن النظر ايضا الى ان هناك دولا عربية لم تضع الى الآن دساتيرها من اجل تداول السلطة…

اللافت في الأمر وبرغم انه تجري انتخابات نيابية في كثير من الدول العربية او معظمها لكن ذلك لم ينتج قيام سلطة حقيقية في الدولة، وما زال دورها يقتصر على الرقابة وتقديم المشورة والرأي، وهذه الانتخابات في ظل حكم وراثي او استبدادي او في ظل النفوذ واحتكار السلطة بتعزيز الفردية والعسكرية بزينة برلمانية قادت الى استلاب السلطة وتداولها نحو التفرد بالحكم تحت عناوين عديدة ومنها الحزب القائد.

في نهاية المطاف، ان الحديث عن مستقبل السلطة وتداولها والمشكلات والمعوقات التي تمنع قيام ديموقراطية حقيقية تفسح المجال للمواطنين في اختيار حكامهم وممثليهم ومحاسبتهم اسوة بمعظم شعوب العالم ومجتمعاته. تطرح التساؤل، هل في مقدور الجماهير العربية التي تحركت مجددا في بعض الدول حاملة لواء الاحتجاجات الشعبية على نظم سياسية تفردت بالحكم لفترة طويلة من الزمن استعادة السلطة وتداولها؟

ان انظمة الحكم في العالم العربي، تقوم على مفهوم للسلطة لا يسمح باحداث تغيير جذري او اجراء اصلاحات في بنية الحكم. ولذلك فان السلطات العربية عاجزة عن الدخول في اصلاحات لأنظمة الحكم بسبب خوفها من فقدان السيطرة، فتلجأ الى اشكال من العلاقات داخل بلدانها، ما يؤدي الى صعود مجموعة من المثقفين يلتفون حول السلطة وفي مقدمهم رجال الأعمال.

في الخلاصة، لا بد من العودة الى قواعد الديموقراطية لبناء السلطة على طريق بناء الدولة التي تنظم العلاقات السلطوية وتبادل الحكم من خلال الانتخابات، فالدول العربية محكومة اليوم بالدخول في عملية اعادة النظر بكل انظمة الحكم للخروج من ابدية السيطرة الفردية او الأبوية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.