الردّ الإيرانيّ: خامنئي يهدّد بتغيير العقيدة النووية؟

28

بقلم حسن فحص

«أساس ميديا»

كلّما اتّسع الفاصل الزمني عن الهجوم الإسرائيلي على إيران الذي نفّذته تل أبيب فجر السادس والعشرين من الشهر الماضي تشرين الأول، تسرّب المزيد من الاعترافات الإيرانية بحجم الأهداف التي ضربتها المقاتلات الإسرائيلية داخل الأراضي الإيرانية.

 بعد الاعتراف الإيراني الرسمي بداية بأنّ الهجوم الإسرائيلي استطاع تدمير بعض أنظمة الرادار التابعة لمنظومة الدفاع الجوّي في مواقع عسكرية في محافظة خوزستان وأدّى إلى سقوط أربعة قتلى في صفوف الجيش الإيراني من سلاح الإشارة، خرج الدبلوماسي الإيراني السابق والمقرّب من المؤسّسة العسكرية والقرار في إيران هادي أفقهي بحديث مع قناة “المنار” ليؤكّد ما سبق أن تحدّث عنه الناطق باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري من أنّ الضربة الإسرائيلية استطاعت تدمير “خلّاطات” خاصّة ومتطوّرة تستخدم في إنتاج وقود الصواريخ البالستية التي تشكّل عماد الترسانة الاستراتيجية العسكرية الإيرانية.

هذه التسريبات، أو الاعترافات، غير الرسمية، التي تسمح لمنظومة السلطة بالتملّص منها واعتبارها غير دقيقة، تكشف جانباً من الدوافع الإيرانية للتمسّك بحقّ الردّ على الهجوم الإسرائيلي، والتأكيد أنّ القوّة الجوفضائية التابعة لحرس الثورة بدأت بالإعداد للردّ على هذا الهجوم تحت مسمّى “الوعد الصادق 3”. ولكنّ هذه المرّة لن يكون الهجوم إيرانياً محضاً أو مقتصراً على الصواريخ التي تخرج من  الأراضي الإيرانية، بل من المحتمل إلى حدّ التأكيد أن يشارك جميع أطراف “محور المقاومة” في هذا الهجوم، أي الترجمة الأولى لمقولة وحدة الساحات.

تفعيل وحدة السّاحات

تطبيق أو تفعيل استراتيجية “وحدة الساحات”، التي جاء الحديث عنها واضحاً ومباشراً في آخر مواقف المرشد الأعلى للنظام السيّد علي خامنئي عندما أكّد أنّ إسرائيل ستتلقّى ضربة قاصمة جرّاء العدوان على إيران ومحور المقاومة، وهو ما يعني أنّ الردّ الإيراني سيكون مفتوحاً على مشاركة فاعلة لكلّ من حلفاء إيران في العراق واليمن ولبنان.

يضع هذا الخيار كلّ الساحات الموالية لإيران أو الداخلة في هذا المحور تحت الإشراف الإيراني المباشر، مع ما يعنيه من تولّي مؤسّسة حرس الثورة الإسلامية العسكرية مهمّة قيادة العمليات والتحكّم بمستوى التصعيد والاستخدام للقدرات العسكرية والصاروخية، بالإضافة إلى الإشراف على الخطط ووضع الأهداف من هذا التصعيد.

من هنا يمكن فهم الحديث عن لجوء إيران إلى استخدام الأراضي العراقية في أيّ هجوم قد تقوم به ضدّ إسرائيل، فمشاركة “محور المقاومة” تعني أنّ كلّ المواقع العسكرية والترسانة الصاروخية التي عملت طهران من خلال قوّة القدس في حرس الثورة على بنائها داخل الأراضي العراقية تحت عنوان رفع قدرات الحشد الشعبي ستكون جزءاً فاعلاً في عملية الردّ، وتحديداً في المناطق الحدودية المشتركة بين العراق وسوريا الخاضعة لسيطرة وإشراف هذه القوات وفصائلها على طرفَي الحدود.

الإصرار الإيراني، سواء من المرشد أو القيادات العسكرية لحرس الثورة، على ردّ مشترك لكلّ محور المقاومة، يكشف عن توجّه إيراني، وبالتحديد لدى القيادة العليا ومعها المنظومة العسكرية، لاستخدام إحدى أوراقها المصيرية، أو بالأحرى الورقة الاستراتيجية الأهمّ والأزرار التي تملكها على المستوى الإقليمي وفي مواجهة المخطّطات الأميركية والإسرائيلية. ويكشف مثل هذا القرار عن وجود قناعة لدى هذه القيادة بأنّ النظام ومشروعه الإقليمي يواجه تحدّياً مصيرياً ووجودياً، وأنّ التردّد في اتّخاذ خطوة حاسمة قد تكون نتائجه كارثية على مستقبل المشروع والدور الإيرانيَّين في الإقليم وعلى موقعه على الخريطة الدولية الذي يطمح إليه.

نقاش حول التّداعيات

لا شكّ أنّ القيادة الإيرانية بمختلف مستوياتها العسكرية والأمنيّة والسياسية، قد دخلت منذ فجر العملية أو الهجوم الإسرائيلي في نقاش جدّي حول تداعيات السكوت أو الردّ على الهجوم الإسرائيلي، وأنّ ثمن السكوت سيكون كبيراً وآثاره السلبية قد تمتدّ طويلاً ولن تقتصر مفاعيلها على التحدّيات المباشرة بل ستُدخل في دائرتها مستقبل النظام واستقراره وبقاءه، خاصة أنّ هذا السكوت سيعني خسارة إيران والنظام لعنصر الردع الذي حاول تثبيته خلال الأشهر الماضية في مواجهة الضربات الإسرائيلية التي استهدفت سيادته، سواء في القسم القنصلي في سوريا أو في اغتيال إسماعيل هنية في طهران.

تعتقد هذه القيادة أنّ ضرب الوجود الفاعل لحلفائها في لبنان وفلسطين واليمن والعراق وإخراجهم من المعادلة سيكونان عاملاً إضافياً يؤثّر سلباً على موقع إيران، خاصة إذا ما اقترنا بالسكوت عن الردّ، الذي يعني فقدانها أو تراجع قدراتها على المواجهة.

في أسوأ التقديرات سيفتح الطريق أمام تحالف دولي بقيادة أميركية وبرؤية إسرائيلية للتخلّص نهائياً من تأثير طهران ونظامها على المعادلات الإقليمية والدولية، وفتح الطريق أمام ترتيب المنطقة ومعادلاتها بالاتّجاه الذي يخدم أهدافهم. فإيران الضعيفة التي تقف على حافة الهاوية والفاقدة لأيّ دور أو ثقل إقليمي أو طموحات استراتيجية خارج حدودها تستقطب إجماعاً إقليمياً ودولياً في إطار الرؤية المعدّة للمنطقة.

خيار التّصعيد

من هنا، يبدو الذهاب إلى خيار الردّ، أو التصعيد العسكري، أو فتح الخيارات على جميع المستويات وبكلّ الاتّجاهات، الأرجح من الناحية الاستراتيجية لدى القيادة الإيرانية ومنظومة القرار في هذه المرحلة، خاصة أنّها لم تذهب إلى تفعيل كامل المحور الذي تقوده بكلّ قدراته وخططه القتالية والصاروخية.

إلى جانب خيار الردّ على هجوم إسرائيل، التي عملت قيادتها في الأسابيع الأخيرة على إحباط كلّ المساعي التي ذهبت إلى إمكانية عقد صفقة تتمّ مقايضة السكوت بجرّ الولايات المتحدة الأميركية للضغط على الحكومة الإسرائيلية لإعلان وقف إطلاق نار متزامن في لبنان وقطاع غزة، فإنّ خياراً آخر وضعته طهران بقوّة وجدّية على طاولة المناورة، وهو الخيار المتعلّق بالجانب النووي، وإمكانية أن تذهب إلى إدخال تعديل أو تغيير في عقيدتها النووية السلمية والانتقال إلى التصنيع الحربي الذي لا يفصلها عنه سوى أيّام حسب ما أكّد رئيس المجلس الاستراتيجي للسياسات الخارجية الإيراني مستشار المرشد الأعلى وزير الخارجية الأسبق كمال خرازي، والذي عزّزه ردّ المرشد على سؤال أحد الطلاب الجامعيين حول هذه العقيدة وإمكانية إصدار فتوى مختلفة عن فتوى التحريم بالقول: “سنقوم بكلّ شيء ضروري لمواجهة الأعداء”.

سيكون هذا الخيار بمنزلة الردّ الإيراني على أيّ محاولة استهداف للنظام واستقراره ودوره ونفوذه الإقليمي، أو أيّ محاولة للنيل من قدراته التي يملكها مباشرة أو عبر القوى المتحالفة معه تحت عنوان “محور المقاومة”، وبالتالي فإنّ المجتمع الدولي في حال قرّر الدفع باتجاه توجيه ضربة لإيران، سيكون أمام تحدّي التعامل مع إيران ذات القدرات النووية العسكرية هذه المرّة من أجل حماية نفسها وموقعها.

هذا ما قد يجعل الهجوم الإسرائيلي الذي حصل وأيّ عملية عسكرية أميركية إسرائيلية في المستقبل تسهمان في دفع إيران لاتخاذ الخطوة الحاسمة نحو التحوُّل إلى دولة نووية، بغضّ النظر عمّا يمكن أن تكون لذلك من تداعيات اقتصادية وسياسية وغيرها من إجراءات عقابية.

حسن فحص

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.