الحكومة بين «التمنّيات» و «القدرات»
كتب عوني الكعكي:
لبنان بلدٌ عجيب غريب، لا يشبه أي بلد من بلدان العالم… لذلك عندما يكون الزعيم أو المسؤول خارج الحكم، فإنه يَعِد بأشياء كثيرة، ويضع نظريات ومخططات عدة…
لكن كل ذلك من واقع التمنيات فقط… وأنا أعتقد أنّ هذا كله نابع من محبته لبلده، ورغبته بأن يكون بلده من أفضل بلدان العالم.
لكن هذا الزعيم أو المسؤول، عندما يتسلّم الحكم، يرى الأمور على حقيقتها، فتتبدّل المفاهيم عنده، وتخرج من دائرة التمنيات، لسبب بسيط هو أن واقع الأمور يختلف كثيراً عن التمنيات..
وفي هذا المجال، تذكرت قصة طريفة تشرح مسألة «نظرياً وعملياً».
يُحكى أنّ شاباً قال لوالدته: هناك رجلٌ ثريّ جداً يرغب «فيك» كما يرغب في «أختي»، في الوقت نفسه… وهو مستعد أن يعطينا مليوني دولار مقابل تنفيذ طلبه.
غضبت الوالدة من ابنها، وشكته لوالده الذي أنّب ابنه على ما قاله، وقال له عيب وعار أن تبيع شرفك.
بعد شهر على هذه الحادثة… سألت الأم ابنها: أين الرجل الثري؟ أجاب الابن: يا والدتي، الرجل حاضر وهو ينتظر موافقتك وموافقة أختي.
لكن الابن قابل أباه، وأعلمه أن الأم سألت عن الثري وطلبته…
قال الأب: يا بني… «نظرياً» أصبحنا أغنياء… و «عمليّاً» صار عندنا في البيت اثنتان «عاطلتان».
أما اليوم… فإنّ الجميع ينتظرون تشكيل الحكومة، ويتساءلون عن موعد «إطلاق سراحها».. وكثرت التساؤلات أكثر وأكثر، بعد فرار الرئيس السوري بشار الأسد الى موسكو، بعد الثورة على عهده المشؤوم… وبعد اغتيال واستشهاد قائد المقاومة السيّد حسن نصرالله ومعه عدد كبير من كبار قادة حزبه، وبعد إعلان وقف إطلاق النار بين العدو الإسرائيلي وبين لبنان.
لأجل هذا كله، ألحّ اللبنانيون على فخامة الرئيس والرئيس المكلف، للإسراع بتشكيل الحكومة العتيدة.
وأستطيع القول إنّ موجة «التمنيات» طغت بالتأكيد على موجة «القدرات والواقع».
كل فريق سياسي يطالب بعددٍ من المقاعد الوزارية، وبوزارات يظنّ أنها دسمة.
وَلأعطِ أمثلة على ما أقول:
أولاً: 13 نائباً تغييرياً، أحرزوا جميعهم فوزهم في الانتخابات الماضية، بواقع 70 ألف صوت، وهم يطالبون بمقعد وزاري أو بمقعدين إثنين.
ثانياً: «القوات اللبنانية» برئاسة الدكتور سمير جعجع، حصلت على 200 ألف صوت، وهي تطالب بعدّة مقاعد على أن تكون إحدى الوزارات التي ستعطى لممثليها سيادية.
ثالثاً: الثنائي الشيعي، حصل في الانتخابات على 700 ألف صوت، يطالب بالمالية ومعها كامل حصة «الشيعة» أي بـ5 مقاعد وزارية.
رابعاً: رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون فاز بـ99 صوتاً في المجلس النيابي. أما رئيس الحكومة المكلف القاضي نوّاف سلام فحصل على 84 صوتاً رشحوه لهذا المنصب.
من هنا، أقول وسط هذه الحقائق التي ذكرت، والمعطيات التي قدّمت: حبّذا لو قدّم لي أحد «كمبيوتراً» مزوّداً بذكاء اصطناعي لحلّ هذه المعضلة.
لذا أقول: يجب إعطاء الفرصة للرئيسين عون وسلام لتشكيل حكومة، هما أدرى بها وبكيفية إخراجها خدمة للبنان واللبنانيين.
إنها مهمة شاقة وصعبة… لكن أذكّر بأنّ تشكيل الحكومات السابقة، كان يتطلب سنوات وأشهراً كثيرة.
نحن نريد إنجاز التشكيل بسرعة… لكن من دون تسرّع، حتى لا تكون «الدعسة» ناقصة، لا سمح الله.
في الماضي، ورغم استغراق تشكيل الحكومات سنوات وعدة أشهر… إلاّ أنها ورغم المدّة الطويلة التي استنفدت صبر اللبنانيين، كانت هذه الحكومات فاشلة…
ويكفي أنها كانت من تأليف وتلحين صهر العهد الفاشل، الذي كان همّه الأول والأخير جمع المال… وهو الذي أهدر 65 مليار دولار على الكهرباء والنتيجة صفر كهرباء…
وحدّث عن القرض الذي قدّم إليه لتأمين معامل بقيمة مليار وخمسمائة مليون دولار. وكانت فضيحة السفينة التركية والسفينة الثانية المستأجرة، هاتان السفينتان اللتان كلفت 30 مليار دولار من احتياطي البنك المركزي لدعم البنزين وتقديمه لآل يمين الذين اشتروا شركة «الكورال» التي يملكها أحد السعوديين ولم يدفعوا المستحقات المتوجبة عليهم، ولا تزال القضية أمام القضاء حتى الآن.
aounikaaki@elshark.com
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.