“الحزب” مُطالبٌ بموقف تاريخيّ: فهل يُسلّم سلاحه؟
بقلم د. فادي الأحمر
«اساس ميديا»
لقد أصبح مؤكّداً أنّ الرسالة الأميركيّة التي حملتها نائبة المبعوث الأميركي للشرق الأوسط مورغن أورتاغوس لم تختلف عن الرسالة التي حملتها في زيارتها الأولى التي سبقت تشكيل الحكومة بيوم واحد، أو التي تبعها تشكيل الحكومة بعد يوم واحد. حينئذٍ كانت الرسالة واضحة وعلنيّة. قالتها الدبلوماسيّة الأميركيّة من القصر الجمهوريّ في تصريح مكتوب جاء فيه: “لا لإشراك “الحزب” في الحكومة. ويجب نزع سلاحه وحلّ تنظيمه العسكريّ”. حينها اعتبر البعض التصريح غير دبلوماسيّ. ربّما. ولكنّه كشف عن القرار الأميركيّ النهائيّ.
في زيارتها الثانية، أكّدت أورتاغوس مجدّداً الأمر ذاته: “بالطبع نحن دائماً نطرح نزع سلاح “الحزب”، لكن ليس “الحزب” فقط، بل جميع الميليشيات في البلد”. وأضافت في حديثها لقناة LBCI: “نحن نستمرّ بالضغط على هذه الحكومة لتطبيق كامل لوقف الأعمال العدائية. وهذا يشمل نزع سلاح “الحزب” وباقي الميليشيات”. وردّاً على السؤال: هل كانت تطالب بروزنامة لنزع سلاح “الحزب”؟ أجابت: “في أسرع وقت ممكن”. وأكّدت أنّ الإدارة الأميركيّة جاهزة لتقديم الدعم للقوّات المسلّحة اللبنانيّة للقيام بمهامّها، وفي مقدَّمها نزع سلاح “الحزب”. وتوجّهت إلى الحكومة والسياسيين بالقول: “إذا أردتم الاستمرار في الشراكة مع الولايات المتحدة، فعليكم التزام شروط ومعايير معيّنة”.
يُظهر كلام أورتاغوس بشكل واضح أنّ المطلوب نزع سلاح “الحزب”، وليس إيجاد تدبير له على الطريقة اللبنانيّة في إطار “استراتيجية أمن وطنيّ”، كما جاء في البيان الوزاري وفي خطاب القسم، يبدو أنّها بديل عن عنوان “الاستراتيجية الدفاعيّة” التي نوقشت في عدّة جلسات حوار، وكانت غير جدّية ومضيعة للوقت. يُظهر أيضاً أنّ الفرصة، فرصة الدعم الدوليّ للبنان، لا تزال متوفّرة. ولكنّها لن تستمرّ إلى ما شاء الله. لذا الكرة اليوم في ملعب الحكومة، حكومة نوّاف سلام لا حكومة ما بعد الانتخابات النيابيّة المقبلة، وعليها القيام بـ “الفرض” (home work) الواجب عليها الآن.
قرارٌ لا مسار
بيد أنّ كلام رئيسَي الجمهوريّة والحكومة لا يشير إلى أنّهما بصدد الإعداد لطرح موضوع سلاح “الحزب” على الحكومة لمناقشته واتّخاذ قرار فيه. من جهته رئيس الجمهوريّة جوزف عون، خلال زيارته لباريس، طلب من نظيره الفرنسيّ إيمانويل ماكرون التفهّم في مسألة بسط سيادة الدولة بسبب حساسيّة الموضوع. الرئيس سلام في مقابلة تلفزيونيّة تكلّم عن “مسار”، من دون أن يحدّد مسافته وسرعة السير فيه. هذا ما دفع رئيس حزب القوّات اللبنانيّة سمير جعجع للقول في برنامج “بالأساس” على موقع “أساس”، إنّ “هذا غير جدّي”. فالمطلوب من الحكومة اليوم قرارٌ لا مسار.
طمر الرؤوس بالرّمل
إضافة إلى ذلك، تؤكّد مصادر أن ليس لدى أيّ طرف تصوّر لكيفيّة نزع سلاح “الحزب” وباقي الميليشيات، وهنا الطامة الكبرى. تؤكّد المصادر أنّ الحكومة لم تُناقش الموضوع مع قيادة “الحزب”. وثمّة مؤشّرات تدلّ على أنّها لا تجرؤ على ذلك. ولكن إلى متى؟ الاستمرار بسياسة طمر الرؤوس بالرمل لم تعُد تُجدي، وستفوّت فرصة على لبنان انتظرها عشرين عاماً، فرصة الدعم الإقليميّ والدوليّ، ليكون دولة فعليّة وقويّة، ويخرج من أزماته الاقتصاديّة والماليّة.
في عام 2005، بعد استشهاد رفيق الحريري، كان هناك اهتمام إقليمي ودولي بلبنان. ذاك الاهتمام حقّق خروج الجيش السوري. وكان ممكناً أن يساهم في تطبيق القرار 1559 الذي كان قد صدر في 4 أيلول 2004. بيد أنّ اللبنانيين فوّتوا عليهم الفرصة لأسباب لا مجال للعودة إليها الآن.
يعني تفويت الفرصة اليوم أنّ على لبنان واللبنانيين الانتظار عشرين سنة أخرى، وربّما أكثر. لذلك من المهمّ التقاط اللحظة، كما قال الدكتور سمير جعجع في مقابلته مع “أساس”.
مسؤوليّة “الحزب” التّاريخيّة
من جهته، تقع على “الحزب” مسؤولية وطنيّة كبرى وتاريخيّة. تؤكّد مصادر مقرّبة منه أنّ قيادته تعترف بالهزيمة وبتبدّل الواقع الجيوسياسيّ في لبنان والمنطقة لغير مصلحته. ولكنّ هذا لا يكفي. ليس الرهان على الوقت في مصلحة “الحزب” ولا لبنان. منذ سنوات تتوجّه العديد من القيادات الوطنيّة والسياسيّة إلى “الحزب” بالدعوة إلى العودة إلى لبنان والانخراط في مشروع الدولة. وهذا ما قاله الرئيس الفرنسيّ بشكل مباشر وواضح لرئيس كتلته النيابيّة محمد رعد في أيلول 2020. اليوم حان وقت هذه العودة لعدّة أسباب:
- لا يمكن لـ”الحزب” استعادة قوّته العسكريّة ولا الماليّة بعد الطوق الذي أُحكم عليه برّاً وبحراً وجوّاً.
- إسرائيل، من جهتها، مصمّمة على الاستمرار في ضربه وتدمير مخازن ذخيرته واستهداف قيادته بغطاء أميركيّ واضح.
- الرهان على ما سيؤول إليه الصراع الإيرانيّ – الأميركيّ لا يُجدي، إذا اندلعت الحرب أم لم تندلع، لأنّ الأذرع الإيرانيّة في المنطقة أصبحت خارج البحث بعد كلّ الضربات التي تلقّتها في غزّة ولبنان واليمن.
- “النكبة” التي تعرّض لها “الحزب”، بسبب “حرب الإسناد”، هي نكبة للطائفة الشيعيّة وللبنان.
لذلك المطلوب اليوم من “الحزب” موقف تاريخيّ لوقف سياسة الانتحار وتدمير لبنان. ويتطلّب هذا الموقف جرأة في القرار، كما فعلت قيادات الميليشيات في 1990. النقاشات التي كشف عنها الزميل قاسم قصير في مقاله في “أساس” بتاريخ 7 نيسان الجاري، نأمل أن تكون جدّية وهدفها العودة إلى الانخراط في مشروع الدولة كما أوصى الشيخ محمد مهدي شمس الدين.
د. فادي الأحمر
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.