الحرب الإسرائيليّة مستمرّة… بوتيرة مختلفة

30

بقلم جوزفين ديب

«أساس ميديا»

الثلاثاء 18 شباط كان موعد انتهاء المهلة الممدّدة للانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان تطبيقاً لاتّفاق وقف إطلاق النار. ولكنّ هذا الانسحاب خضع لمفاوضات شرسة قامت بها الدولة اللبنانية ممثّلة برئيس الجمهورية جوزف عون الذي يرفض رفضاً قاطعاً أيّ تمديد ثانٍ للانسحاب.

في المقابل، مصادر لجنة الإشراف الأمنية قالت لـ”أساس” إنّ إسرائيل أصرّت على البقاء في الجنوب، تحديداً في خمسة مواقع هي عبارة عن تلال مطلّة على المستوطنات الإسرائيلية. وذلك تحت عنوان “ضمان أمن المستوطنات التي تستعدّ لاستقبال سكّانها بعد فرارهم منها منذ بداية الحرب”. وهذا كي تُطمئِن إسرائيل مستوطنيها إلى عدم قدرة “الحزب” على قصفهم بشكل مباشر بفعل استمرار وجود إسرائيل على هذه التلال.

عون: لبنان يرفض بقاء إسرائيل

ربّما الرسالة الأبرز التي أراد رئيس الجمهورية جوزف عون توجيهها أمام زوّاره في القصر، أنّه يرفض بقاء إسرائيل، وأنّ بقاءها في التلال لن يكون بفعل اتّفاق مع الدولة اللبنانية، وأنّ الدولة اللبنانية هي المسؤولة عن الدفاع عن الحدود اللبنانية، وأنّ الدولة اللبنانية تعمل لاستعادة الأسرى اللبنانيين من تل أبيب. هذه الثوابت التي أراد عون أن تصل إلى الداخل والخارج، أكّدها يوم أمس، أي قبل 24 ساعة من المهلة المحدّدة للانسحاب الكامل. وجاء هذا الكلام بعد جولة مفاوضات شرسة خاضها عون قبل هذا الانسحاب.

كيف خاض لبنان المعركة الدبلوماسيّة؟

في 27 كانون الثاني كان موعد انتهاء مهلة الستّين يوماً الذي نصّ عليه اتّفاق وقف إطلاق النار الذي وافق عليه لبنان مع إسرائيل بوساطة أميركية. وبناء عليه كان يفترض بالقوّات الإسرائيلية أن تنسحب من كلّ الأراضي الجنوبية. يومها أبلغت إسرائيل واشنطن بأنّها لا تريد الانسحاب بحجّة أنّ لبنان لا يطبّق شروط الاتّفاق، أي انسحاب “الحزب” من جنوب الليطاني وتسليم مراكزه وترسانته العسكرية إلى الجيش اللبناني. فكان يوم الأحد دامياً بعدما استهدفت القوات الإسرائيلية عشرات المواطنين اللبنانيين الذين توجّهوا إلى قراهم قبل انسحاب القوات الاسرائيلية منها. ويومها خاض رئيس الجمهورية مفاوضات مباشرة مع البيت الأبيض في واشنطن والإليزيه في باريس كي يمنع حصول أيّ تمديد، لكنّ المفاوضات أدّت إلى تمديد الاتّفاق إلى 18 شباط الحالي.

لبنان يواجه احتلالاً إسرائيليّاً مستمرّاً

منذ حوالي أسبوع، قالت مصادر مطّلعة على جهود رئيس الجمهورية في هذا الملفّ، إنّه بدأ اتّصالات مكثّفة مع واشنطن وباريس لحصول الانسحاب في التاريخ المحدّد، فووجِه مجدّداً برغبة إسرائيلية هذه المرّة بالبقاء في مواقع خمسة هي عبارة عن “تلال استراتيجية مطلّة على المستوطنات”. ولكن كيف تروي المصادر الدبلوماسية الفرنسية والأميركية مسار التفاوض الذي خاضته للوصول إلى حلّ رضائيّ بين الجميع؟

قالت مصادر دبلوماسية غربية لـ”أساس” إنّ إسرائيل وافقت هذه المرّة أيضاً على الانسحاب التدريجي من جنوب لبنان شرطَ البقاءِ في المواقع الخمسة لغاية 28 شباط تحت حُجّةِ الإشراف على عودةِ المستوطنين بسلام. هذه الإرادةُ الإسرائيلية وُوجِهت من أكثرَ من موقع: أوّلاً من رئيسِ الجمهورية جوزف عون، وثانياً من فرنسا على اعتبارِها عضواً في اللجنة الأمنيّة.

مصادرُ دبلوماسيّةٌ فرنسية قالت لـ”أساس” إنَّ باريس لعبت دوراً وسيطاً في المفاوضات، فاتّصل الرئيسُ الفرنسي إيمانويل ماكرون أكثرَ من مرّة بالرئيس جوزف عون وتواصَلَ مع الجانبِ الإسرائيلي وأَبلغه برفضِ عون القاطع لأيِّ إبقاءٍ على أيِّ موقِعٍ تحت الاحتلال الإسرائيلي.

اقتراح فرنسيّ للحلّ

قدَّمَت فرنسا في سياق وساطة تقوم بها اقتراحاً رسمياً جرى التفاوضُ عليه، وأعلنه وزيرُ الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو من باريس في ختام المؤتمر الدولي حول سوريا. ويقوم الاقتراحُ على انتشار جنودٍ من قوات “اليونيفيل”، بمن فيهم جنودٌ فرنسيون، في التلال الخمس، وذلك لإتاحة “انسحابٍ كاملٍ ونهائيّ” لإسرائيل من لبنان.

حصل الاقتراحُ الفرنسي على موافقةِ الأمينِ العامّ للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش. وأثناء إقناعِ الفرنسيين للإسرائيليين بأنّ هذا الحلَّ مناسِبٌ لتنفيذ الانسحابِ وتطبيقِ اتّفاق وقف إطلاق النار، قالت مصادر مقرّبة من القصر الجمهوري اللبناني لـ”أساس” إنّ موقف لبنانَ الرسمي يخوضه على أساس “أنّ بقاءَ الإسرائيلي يعني خرقاً من إسرائيل للقرار 1701، وبالتالي هذا يمنعُ أيَّ عمليّةِ محاسَبةٍ دوليّة للبنان على تطبيقِ أو عدمِ تطبيق القرار”.

في المقابل، قالت مصادر في بيروت إنّ الاقتراح الفرنسي رفضته تل أبيب، واستخدمت في رفضها هذا الحادثة التي تعرّضت لها الآليّة التابعة لليونيفيل على طريق المطار وإصابة عدد من العناصر، جرّاء الاعتداء عليهم من متظاهرين مناصرين لـ”الحزب”.

مقترح أميركيّ للحلّ

أمّا الوساطة الأميركية فارتكزت، بحسب مصادر دبلوماسية أميركية، على انتشار قوّات متعدّدة الجنسيّات في المواقع الخمسة، أو شركات أمنيّة خاصّة كما حصل في نتساريم في قطاع غزة. إلّا أنّ مصادر مقرّبة من القصر الجمهوري قالت إنّ هذا الاقتراح رفضه لبنان بشكل كامل.

يأتي الموقف الأميركي هذا بعد تعهّدٍ قدّمته الموفدة الأميركية إلى لبنان مورغان أورتاغوس بأنّ واشنطن تدعم الانسحاب الكامل لإسرائيل من جنوب لبنان. إلّا أنّ الجنرال الأميركي غاسبر جيفرز في بيانه بعد الاجتماع الأخير للجنة الإشراف يوم الجمعة، مهّد لانسحاب إسرائيلي كامل من المناطق السكنيّة، أي القرى، لكن مع بقاء القوات الإسرائيلية في المواقع الخمسة التي تعنيها أمنيّاً. فجاء كلام جيفرز بمنزلة موافقة أميركية على الرغبة الإسرائيلية.

ما هي المواقع الخمسة؟

يتمسّك الجيش الإسرائيلي ببقائه في خمسِ نِقاطٍ عسكريةٍ استراتيجية سُمِّيت بالنِقاط الحاكمة. ووفق مصادر أمنيّة لبنانية، هذه المواقع هي خمس تلالٍ تسمّى بالحاكمة.

1- تلّةُ العويضة الواقعة بين ميس الجبل وبليدا، والتي تقعُ في مرماها كُلُّ مستوطَنات الجليل.

2- تلّةُ الحمامص الموازية لبلدة الخيام الجنوبية، والتي ترتفع نحو 900 متر عن سطح البحر وتضمّ أماكنَ يمكنُ منها الدخولُ إلى فلسطينَ المُحتلّة.

3- جبل بلاط النُقطة الأكثر حساسيّةً بين النِقاط. وتقع في أطراف بلدة مروحين، في القطاع الغربي من جنوب لبنان. تكشف هذه التلّة مناطق واسعة من الجنوب اللبناني، وهي منطقة غير مأهولة بالسكّان تسمح لإسرائيل بأن تتحرّك بسهولة لتنفيذ أيّ اعتداء أو خرق في لبنان. تبعد 1 كلم عن الخطّ الأزرق بين راميا ومروحين، وتشرف على القطاعين الغربي والأوسط من الجهتين.

4- تلّة اللبّونة الكاشفة للقطاع الغربي، وتطلّ على مدينة صور ومُخيَّم البص للّاجئين الفلسطينيين.

5- تلّة العزّية التي تشرف على المستوطنات، وتحديداً المطلّة وكريات شمونة.

التّفاوض الأخير

في الساعات الأخيرة خاض لبنان مفاوضات ليست كلّ تفاصيلها معلنة لإحراز تقدّم في الملفّ الأمنيّ في لبنان. ولكنّ كلّ المعطيات الدبلوماسية والسياسية في لبنان تقول إنّ الساحة الجنوبية مقبلة على استمرار الاحتلال الإسرائيلي لبعض المواقع الحسّاسة من دون تحديد موعد نهائي للانسحاب منها. ومصادر غربية قالت لـ”أساس” إنّ إسرائيل لن توقف شنّ غاراتها على لبنان، جنوبه وعمقه، تحت عنوان ضرب ترسانة “الحزب”، ولن توقف الاغتيالات الأمنيّة التي كان آخرها قبل يومين في الجنوب وأمس في صيدا.

جوزفين ديب

 

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.