الثّقة بعد التّشييع… وإلى التّعيينات!
بقلم ملاك عقيل
«أساس ميديا»
تقصّد رئيس مجلس النواب نبيه برّي تأخير تحديد موعد جلسات مناقشة البيان الوزاري لحكومة نوّاف سلام، إلى ما بعد 23 شباط، تاريخ تشييع الأمينَين العامَّين لـ”الحزب” السيّد حسن نصرالله والشيخ هاشم صفيّ الدين. إذ يجزم قريبون من الثنائي الشيعي بأنّ هذه “المحطّة ستحمل العديد من الرسائل إلى الداخل والخارج، تحديداً لجهة الحشد ومضمون كلمة الأمين العامّ لـ”الحزب” الشيخ نعيم قاسم، بما يعكس تثبيت “الحزب” بأنّه قوّةً داخلية لا يمكن تجاوزها، في ظلّ واقع احتلال حقيقيّ لم يكشِف “الحزب” بعد عن “استراتيجية” مقاومته”.
حتّى يوم أمس لم يكن “الحزب” قد أصدر موقفاً واضحاً من البيان الرئاسي الثلاثي حول تبنّي خيار “المقاومة الدبلوماسية” ضدّ الاحتلال الإسرائيلي الذي تُرجِم، بعد انقضاء مهلة الانسحاب في 18 شباط، بالتمركز في خمس تلال حدوديّة، ووضع عوازل إسمنتية فاصلة بين بعض البلدات، مكرّساً منطقة عازلة ممنوعة على الجيش والمدنيين.
بين “الثّقة” والتّشييع
في الواقع، بَرز توافق سياسي على تجنّب أيّ توتّرات سياسية قد تنعكس في خطابات بعض النواب خلال مناقشة البيان الوزاري، قبل إحياء يوم التشييع، ولذلك رسا القرار على “دفش” الثقة إلى الأسبوع المقبل. في هذا السياق، وبعدما تلقّى رئيس الجمهورية، كما رئيس الحكومة، دعوات إلى حضور التشييع، تفيد المعلومات بأنّه إذا حَضَرَ الرئيس نبيه برّي شخصيّاً، فسيكون ممثلاً لرئيسيّ الجمهورية والحكومة، وإلأ سيوفد الرؤساء الثلاثة ممثلين عنّهم إلى التشييع في المدينة الرياضية.
منذ لحظة نيل الثقة المضمونة في مجلس النواب، تفيد المعلومات بأنّ جهداً رسميّاً على المستوى الدبلوماسي والسياسي والإعلامي سيبدأ لمراكمة واقع ضاغط يقوم دفع الإسرائيلي إلى الانسحاب بشكل كلّيّ من لبنان. ضمن هذا السياق، جاء الاتّصال بين الرئيس عون ومستشار الأمن القومي الاميركي مايك والتز، حيث أكد رئيس الجمهورية على “ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي في النقاط المتبقية، والإسراع في إعادة الأسرى اللبنانيين في إسرائيل”.
تشير معلومات “أساس”، بناءً على تقديرات جهات رسمية، إلى احتمال حصول الانسحاب بعد نحو ستّة أشهر في ظلّ تباين أميركي – إسرائيلي في شأن ترتيبات “اليوم التالي”، والضغط من خلال لجنة المراقبة الخماسية، واستناداً إلى مسار من الاتّصالات الدولية المكثّفة، والرهان على عدّة استحقاقات دولية منها القمّة العربية الطارئة في القاهرة، واللجوء إلى مجلس الأمن عند الحاجة، وحراك رئيس الجمهورية جوزف عون خلال برنامج زياراته المكثّف للخارج.
لا خيار إلّا الدبلوماسيّة
ثمّة عقلٌ بارد، في هذا السياق، يَربط بين موافقة “الحزب” إبّان الحرب على اتّفاق وقف إطلاق النار بكلّ مندرجاته واطّلاعه، وفق معلومات موثوقة، على مضمون الاتّفاق الجانبيّ بين إسرائيل وواشنطن في شأن “حرّيّة الحركة” للإسرائيليين، وبين ملامح المرحلة المقبلة التي قد تغلّفها الواقعية الشديدة في ظلّ عدم وجود خيارات متاحة سوى خيار المواجهة بالقانون والدبلوماسية، لأنّ “الحزب”، بالمفهوم العسكري، لم يعد نفسه بعد دفعه “تكاليف” حرب الإسناد الباهظة جدّاً.
داخل الحكومة اليوم خمسة وزراء شيعة بينهم اثنان سمّاهما “الحزب”، وهما ركان ناصر الدين ومحمد حيدر، وافقوا جميعاً على بند البيان الوزاري في شأن “واجب الدولة في احتكار حمل السلاح”، الذي تمّ استنساخه من خطاب القسم.
هناك من يركّز على موقف الرئيس برّي من البيان الثلاثي، حيث تفيد المعلومات بأنّ رئيس مجلس النوّاب لم يكن فقط موافقاً على مضمون البيان، بل مشجّع لصدوره بهذه الصيغة، التي تتيح محاولة فرض المسار الدبلوماسي والسياسي وليس العسكري على الإسرائيلي، مع رهان أوّل على الضغط الأميركي – الترامبيّ على رئيس وزراء العدوّ بنيامين نتنياهو.
على الرغم من المناخ المتوتّر الذي فَرضه إبقاء العدوّ الإسرائيلي على خمسة مواقع حدودية محتلّة، والانتهاك الإسرائيلي المُستمرّ لمضمون الاتّفاق، وعدم حلّ أزمة استئناف هبوط الطائرات الإيرانية في مطار بيروت، والتداعيات السياسية للحشد الشيعي الأكبر في تاريخ الطائفة منذ نهاية الحرب الأهلية، تتحضّر الحكومة فور نيلها الثقة لأكبر ورشة تعيينات في تاريخ حكومات ما بعد الطائف. والطبق الدسم الأوّل هو تعيين قائد الجيش، إذ يحرص رئيس الجمهورية قبل بدء جولاته الخارجية على وجود قائد جيش بالأصالة في اليرزة.
حتّى الآن، لم تحصل أيّ جلسات نقاش بين رئيسَي الجمهورية والحكومة في سلّة التعيينات، وآليّتها، وبرنامج “تقسيطها” وفق الأولويّات، لكنّ المعلومات تؤكّد أنّه لن يكون لرئيس الجمهورية شركاء في اختيار قائد الجيش، والاسم في جيبه بحكم معرفته الوثيقة، وفق مطّلعين، بالضابط الأفضل الذي يستأهل قيادة هذه المرحلة في ظلّ واقع ميداني بالغ الحساسيّة. ومع اختيار وزير دفاع من جانب الرئيس عون، يدرك الأخير سلفاً بأنّه سيشكّل في تعاطيه مع قائد الجيش ختاماً لحقبة طويلة من الكباش بين “الوزير” و”القائد” وفق خلفيّات محض سياسية.
ملاك عقيل
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.