الترشيشي لـ«الشرق» نأمل أن تضم الحكومة الجديدة وزير زراعة متخصص
خسائر فادحة سيواجهها القطاع الزراعي.. والسبب الإنحباس المطري
كتبت ريتا شمعون
كشفت الحرب الأخيرة في لبنان عن هشاشة عميقة في القطاع الزراعي، بسبب بعض الخيارات السياسية ، ونموذج إقتصادي غير منتج، حيث يستورد لبنان نحو 80% من السعرات الحرارية، بينما لم تتجاوز مخصصات الحكومات المتعاقبة للزراعة 0,5 من إجمالي النفقات.
وقد أدّت الإعتداءات الإسرائيلية على لبنان الى تدمير كبير بالأخص في مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، والأضرار شملت تعطيل سلاسل التوريد، تدمير الأسواق وفقدان فرص الدخل للمجتمعات المحلية، بالإضافة الى فقدان آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية والأشجارخصوصا أشجار الزيتون.
وعلى الرغم من هذا الواقع الصعب، أظهر المزارعون والتعاونيات والمجتمعات المحلية نهجا تضامنيا كبيرا خلال الحرب ، على سبيل المثال، فضّل بعض المزارعين تقديم محاصيلهم الى مراكز الإيواء بحيث يستفيد منها النازحون في القرى والمناطق اللبنانية.
وفي ما يكرر العدو الإسرائيلي إعتداءاته على الأراضي اللبنانية، وكان آخرها جرف بساتين الحمضيات في بلدة الناقورة على مقربة من مقرّ قوات «اليونيفل» وسرق شجرات الزيتون المعمرة من جنوب لبنان .
يبقى السؤال الأبرز، كيف يمكن أن تسهم التطورات الإيجابية من إنتخاب الرئيس جوزف عون، وتشكيل حكومة جديدة في معالجة المشاكل الزراعية لا سيما على صعيد تصدير المنتجات الزراعية والتعويض عن الخسائر الناتجة عن الأضرار التي لحقت بالقطاع الزراعي منذ بداية الإعتداءات الإسرائيلية على لبنان في تشرين الأول من العام 2023 التي تجاوزت مليار دولار وفقا لتقرير صادر عن البنك الدولي.
رئيس تجمع مزارعي وفلاحي البقاع إبراهيم الترشيشي، بدأ حديثه لجريدة «الشرق» بالخطر الذي يلوح بالأفق، بسبب إنحباس الأمطار،موضحا الإنعكاسات السلبية وتداعيات إنحباس المطر والكارثة التي تنتظر الموسم الزراعي هذا العام، مشيرا الى ان منطقة البقاع تعاني من نقص مطرد للمياه، حيث ان معدلات الهطول في تناقص مستمر، تجاوز 225ملم، متخوفا من التحول التدريجي في مناخ لبنان ليصبح صحراويا جافا، الأمر الذي بات يهدد المزروعات التي تتطلب ريّاً ، مؤكدا ان الزراعة هي الأكثر تأثرا بالتغيير المناخي حيث أنها ستشهد إرتفاعا في كلفة الإنتاج ما يفقدها القدرة على المنافسة.
ويسأل: ماذا لو أزهرت الأشجار وتكاد تكون جاهزة لتثمر عمّا قريب، مضيفا: هذا الربيع المبكر، يبعث المزارعين الى القلق ويضعهم في حالة من الترقب وإنتظار ما ستؤول اليه الأحوال الجوية في الأيام المقبلة، إذ يتخوفون من موجة صقيع وجليد من شأنها أن تقضي على مزروعاتهم.
ويتابع الترشيشي، مع حلول فصل الشتاء ، تقلل الأشجار من عملية التمثيل الغذائي، مما يحافظ على الطاقة ويجهزها لحالة السكون، مشيرا الى ان إرتفاع درجات الحرارة يعطل فترة سكونها الطبيعية التي يمكن ان يؤدي الى تقصير عمرها.
ويصنّف الترشيشي، كأكثر الزراعات المتضررة من الإنحباس المطري، القمح والبصل والبقوليات، والمحاصيل البعلية التي تعتمد على مياه الأمطار، مؤكدا ان المزارعين لا يستطيعون تكبد تكاليف سحب المياه من الآبار للري، وعلى كثيرين منهم زراعة حقولهم مجددا وهذه كلفة إضافية تثقل كاهلهم، فيما يلجأ عشرات المزارعين الى الري من الآبار الجوفية قد يصل عمق بعضها الى 400 متر.لافتا الى ان مياه الآبار، تستخدم في الري، وأحيانا للشرب، مؤكدا ان تاخر الأمطار يؤثر بشكل مباشر على مصادر المياه الجوفية، إذ يعتمد تجدد هذه المصادر بشكل رئيسي على هطول الأمطار خلال فصل الشتاء، ومع إنخفاض كميات الهطول، يتراجع منسوب المياه الجوفية، ما يؤدي الى نقص ملحوظ في المياه.
ويؤكد الترشيشي، أن غياب المطر والثلوج ، يزيد من إنتشار فأر الحقل، الذي يعمل على قضم أوراق القمح في طور النمو، حيث يتكاثر فأر الحقل في مناخ دافىْ ودرجة حرارة كالتي نشهدها اليوم من 18 الى 25 درجة مئوية.
أما بالنسبة الى التطورات السياسية والميدانية في سوريا، فإن التأثير الأكبر قد يكون إقتصاديا، فبعد إقفال المعابر خلال الحرب اللبنانية، ومن ثم سقوط نظام الأسد، تبدّل المشهد، وفقا للترشيشي، مؤكدا ان الإستقرار في سوريا يدفع باتجاه تحسين حركة تصدير البضائع اللبنانية عبر سوريا نحو العراق والأردن ومنها نحو دول الخليج.
أمام هذا المعطى، تدفقت الواردات الى سوريا، الأمر الإيجابي ، سمحت القيادة السورية الجديدة برفع كمية تصديرالموز اللبناني، فيما لا تزال رسوم عبور الشاحنات اللبنانية مرتفعة على الرغم من زيارة الرئيس نجيب ميقاتي الى سوريا ولقائه بالقيادة الجديدة، فضلا عن إستمرار عمليات التهريب من سوريا الى لبنان التي تجري بشكل علني وفي وضح النهار خصوصا في بلدة شدرا الشمالية فحالة الإزدحام وتراكم الشاحنات يوميا على مسافة تزيد عن كيلومتر من مدخل البلدة الى وسطها، يكاد يستحيل منعه، كما تشهد المعابر غير الشرعية أحيانا إشتباكات مسلحة بين الجيش اللبناني وعصابات التهريب» الشرسة».
واضاف في هذا السياق، أن عمليات التهريب ناشطة لمختلف أنواع السلع، رغم محاولات قمع هذه الظاهرة من قبل القوى الأمنية مشكورة، من جيش لبناني وامن عام وامن دولة،لافتا الى ان السلع السورية والتركية تغرق الأسواق اللبنانية وتؤثر في محاصيل زراعية لبنانية.
هذا الواقع القاسي، يقول الترشيشي، لا يمنعنا من أن نرى في إنتخاب العماد جوزف عون رئيسا للجمهورية اللبنانية مؤشرا إيجابيا ونقطة تحول أساسية بحياة اللبنانيين ، وأمل ان تعكس هذه الإيجابية على مسار تشكيل الحكومة والإتيان بوزير للزراعة متخصص يعرف المشاكل الزراعية ومسبباتها، ويعرف الحلول، لا سيما إعادة فتح الأسواق السعودية أمام المنتجات اللبنانية قائلاً: نستبشر خيرا في هذا العهد الذي يأتي مصحوبا بدعم عربي ، ونتمنى أن يتوّج برفع الحظر عن خط التصدير البرّي الذي أقفل منذ 27\4\ 2022 ، مما يتيح للقوافل الزراعية العودة الى الأسواق الخليجية، مشددا على أن تكون العلاقة بين لبنان وسوريا قائمة على التعاون الإقتصادي المتبادل، ومعالجة مسألة فرض الضرائب على الشاحنات اللبنانية التي تعبر الأراضي السورية.
وختم الترشيشي، متوجها الى الرئيس جوزف عون، نحن على ثقة أنكم لن تبخلوا على تقديم المساعدة للمزراعين الذين ينتظرون منكم الكثير، وتعزيز العلاقات الإقتصادية مع الدول العربية والخليجية،طالبا من الرئيس عون أن يكون للدولة ومؤسساتها إرادة في إنجاز ملف التعويضات للمزارعين عن الأضرار التي أصابتهم جراء الحرب في لبنان خصوصا في البقاع والجنوب ، بالإضافة الى تفعيل دور مؤسسة «إيدال» ودعم صغار المزارعين عبرتجديد القروض الزراعية من «شركة كفالات أو البنك المركزي، وبنك التسليف الزراعي» للنهوض بالقطاع الزراعي.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.