الإنتخابات البلديّة بين حلم التغيير وكابوس الضغوط

8

بقلم نادين شلهوب
لم تعد الإنتخابات البلديّة في بعض المناطق عنوانًا للمنافسة الديمقراطيّة الشريفة كما كنّا نحلم. بل تحوّلت إلى مسرحية رديئة الإخراج، حيث تُكتب الأدوار خلف الكواليس، ويُمنع أي وجه جديد من الصعود إلى الخشبة.
وبالتالي، هنا قد لا نتحدث عن انتخابات، بل عن إهانة صريحة لفكرة الديمقراطية، التي لا تتحقق بالشعارات، بل بضمان نزاهة المسار. أي معنى للإنتخابات إذا خيضت من دون منافسين؟ وأي شرعية يمكن أن يتمتع بها من يصل إلى الكرسيّ من دون اختبار حقيقي لإرادة الناخبين؟
إن البلدية، التي هي أقرب سلطة إلى المواطن، يجب أن تكون أول قلاع الشفافية والنزاهة، لا مرتعًا لتصفيّة الحسابات وتكريس السلطوية.
حينها تتحوّل الإنتخابات إلى مسرحية هزليّة، تحت عنوان “التزكية” تلك الظاهرة الغير صحيّة، التي تهدد روح الديمقراطيّة وتنسفها.
“التزكية”، حين تتحّول إلى أسلوب لفرض مرشّح من دون انتخابات فعليّة، تفقد العمليّة الديمقراطيّة جوهرها الحقيقيّ. فالتزكية، وإن كانت أحيانًا مبررة في حالات استثنائية ضيقة، تصبح ظاهرة خطيرة وغير سليمة عندما تتم نتيجة ضغوط أو صفقات خفيّة تمنع التنافس الحّر.
في الأصل، تعتبر الإنتخابات ساحة لعرض البرامج والأفكار واختيار الأفضل عبر إرادة الناخبين. أما حين يتّم الدفع نحو التزكيّة بالقوة أو بالخداع، فإن ذلك يحرم المجتمع من فرصة التغيير والتجديد، ويعزز ثقافة الإستسلام والولاءات الشخصيّة بدلاً من الكفاءة والجدارة.
وبخاصةٍ التزكيّة القسريّة، تنتج مجالس ضعيفة التمثيل، فاقدة للشرعيّة الشعبيّة، وتفتح الباب أمام مزيد من الفساد الإداري والمحسوبيّة. كما تبعث رسالة سلبيّة إلى الأجيال الجديدة، مفادها أن المناصب لا تُنال بالجهد والكفاءة، بل بالولاءات والضغوط.
من هنا، يجب أن تبقى الإنتخابات ساحة حقيقية للتنافس الشريف، وأن يكون للناخب الكلمة الفصل، لا أن تُحسم النتائج في الغرف المغلقة باسم “التزكيّة” الموجّهة بالتذاكيّ والنفاق على الناس والمجتمع.
أضرار التزكيّة على التنميّة المحليّة
حين يُفرض رئيس أو مجلس بلدي عن طريق التزكيّة وليس بالاختيار الحر، تصبح التنميّة المحليّة أولى الضحايا. فالمسؤول الذي يصل من دون منافسة لا يشعر بضغط الإنجاز أو ضرورة تلبية مطالب المواطنين، بما أنه لم يحظَ بثقتهم عبر صناديق الإقتراع. المشاريع تتباطأ، الأولويات تُحدد بالمحاباة لا بالمصلحة العامّة، وتغيب روح الابتكار والمحاسبة. بل إن المرشحين المفروضين، داخل المجالس من دون انتخاب، يؤدي إلى قرارات مرتجّلة، تفتقر إلى الرقابة والنقاش الجاد، مما ينعكس سلبًا على واقع الخدمات العامّة وجودة الحياة في البلديّات.
تأثير التزكيّة على ثقة المواطنين بالمؤسسات
التزكيّة المفروضة لا تضعف فقط العمليّة الإنتخابيّة، بل تضرب ثقة المواطن في كلّ مؤسسات الدولة. حين يرى المواطن أن المناصب تُحسم بعيدًا من إرادته، يشعر بأن صوته لا قيمة له، ممّا يولد الإحباط والعزوف عن المشاركة السياسيّة والاجتماعيّة. ويتحول الإحساس العام إلى قناعة خطيرة مفادها أن السلطة لا تُكتسب بالشرعية الشعبيّة بل بالنفوذ والضغوط. هذه القناعة إذا ترسخت، تهدد استقرار المجتمعات على المدى الطويل وتفتح المجال أمام انتشار الفساد واللامبالاة تجاه الشأن العام.
لما الخوف، ان كنتم متأكدّين من محبّة الناس وثقتهم بكم،
اذهبوا الى الإنتخابات، ودعوا هذه الثقة، تترجم في صناديق الإقتراع، التي هي عملّية حقّ لكلّ مواطن.
نادين شلهوب

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.