“إيكونوميست”: ترامب الجديد انقلاب على 80 عاماً

6

بقلم إيمان شمص

«أساس ميديا»

في عام 2015، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنّه سيقلب 80 عاماً من السياسة الخارجية الأميركية رأساً على عقب. لكنّ الواقع أنّ أميركا، القوّة العظمى في التعامل مع العالم، على وشك أن تنقلب رأساً على عقب، بحسب مجلّة إيكونوميست البريطانية.

 المجلّة التي خصّصت عددها الأخير لمقالات متعدّدة حول “عقيدة ترامب” ووضعت على غلافها صورة مركّبة له تظهره يسير بغرور على كوكب الأرض، كتبت في افتتاحية العدد:

“على الرغم من اتّهام الكثيرين له بالتهريج والعزلة، فإنّه حتى قبل تولّيه منصبه في العشرين من كانون الثاني، أظهر المدى الذي يمكن أن تحقّقه ولايته الثانية. فهو ساعد في تحقيق وقف إطلاق النار وصفقة الإفراج عن الرهائن في غزة. كسر المحرّمات، وهدّد بالسيطرة على غرينلاند، بما تحتويه من معادن وموقع استراتيجي في القطب الشمالي. وبالتالي لن تكون ولاية ترامب الثانية أكثر اضطراباً من ولايته الأولى فحسب، بل ستغيّر أيضاً رؤية السياسة الخارجية التي هيمنت على أميركا منذ الحرب العالمية الثانية.

ترامب سيتخلّى عن “القيم” الأميركيّة التّاريخيّة

على مدى عقود، زعم القادة الأميركيون أنّ قوّتهم تأتي مع مسؤوليّتهم  باعتبارهم المدافعين الذين لا غنى عنهم عن عالم أصبح أكثر استقراراً واعتدالاً بفضل الديمقراطية والحدود المستقرّة والقيم العالمية. سيتخلّى ترامب عن هذه القيم ويركّز على حشد القوّة واستغلالها. وسيتمّ اختبار نهجه وتحديده في ثلاثة صراعات: الشرق الأوسط، وأوكرانيا، والحرب الباردة بين أميركا والصين. وكلّ منها يُظهر كيف يجد ترامب نفسه منفصلاً عن العقود الأخيرة: في أساليبه غير التقليدية، واستخدامه الانتهازي للنفوذ، واقتناعه بأنّ القوّة وحدها تحقّق السلام.

الشرق الأوسط اليوم مثال على موهبته في عدم القدرة على التنبّؤ. فقد وافق الإسرائيليون والفلسطينيون في نهاية المطاف على صفقة بشأن غزة لأنّه حدّد موعداً نهائياً من خلال التهديد بأنّ “الجحيم سيشتعل” إذا فشلوا. وسيحتاج إلى الاستمرار في الضغط عليهم إذا كان للصفقة أن تتقدّم إلى مراحلها اللاحقة. ولم يحدث منذ ريتشارد نيكسون أن تصرّف رئيس مثل “المجنون” كمصدر للميزة.

تتعزّز نزوة ترامب من خلال البراغماتية. وعلى عكس معظم صنّاع السلام، فإنّ ترامب غير مهتمّ على الإطلاق بالتاريخ المعذّب للشرق الأوسط. وتشير اتّفاقات أبراهام التي تمّ توقيعها في ولايته الأولى إلى أنّه سيستخدم إطلاق سراح الرهائن بين إسرائيل وحماس، للوصول إلى صفقة بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية التي يرى فيها طريقاً إلى الازدهار، وإلى جائزة نوبل للسلام. فقد تمّ سحق حلفاء إيران في غزة ولبنان وسوريا. وربّما أصبحت مستعدّة لعقد صفقة أيضاً.

مع ذلك، سيكون موطن الديانات التوحيدية الثلاث اختباراً صارماً لاستعداد الناس حقّاً لوضع معتقداتهم ومظالمهم جانباً من أجل فرصة تحقيق الازدهار. مراراً وتكراراً، استخدم المتطرّفون على الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني العنف لإسقاط خطط السلام. يريد اليمين الإسرائيلي ضمّ الأراضي الفلسطينية. وتتأرجح إيران بين التعامل مع أميركا والاندفاع نحو القنبلة النووية.

ماذا لو اعترض المتعصّبون والملالي طريق ترامب؟

سيكون جوابه في زيادة حجم الضغوط باستخدام العقوبات أو التهديد باستخدام القوّة، أو الانسحاب. وهذا هو الخيار الذي يواجهه أيضاً في أوكرانيا، حيث تعهّد بوقف القتال. ولأنّه يتمتّع بنفوذ أكبر على حلفاء أميركا مقارنة بفلاديمير بوتين، فإنّ الطريق الأسهل هو الانسحاب من خلال إنهاء الدعم فإجبار الحكومة في كييف على تقديم تنازلات، خاصة إذا كان، كما يخشى منتقدوه، يشعر بالإطراء عندما يتعامل بوتين معه كرجل قويّ آخر. لكنّ هذا من شأنه أن يقوّض أهدافه الأخرى، لأنّ التخلّي عن كييف من شأنه أن يثير مقارنات بينه وبين بايدن ورحيله التعيس من أفغانستان. وقد تستنتج الصين، إذا ما أخذت في الاعتبار المقارنات مع تايوان، أنّه شخص ضعيف. وقد يقرّر ترامب أنّ الظهور بمظهر المستعدّ لدعم أوكرانيا سيعزّز موقفه ضدّ بوتين.

من جهة أخرى، فإنّ الاستخدام الانتهازي للسلطة له بعض الفوائد. سيستمرّ ترامب في الضغط على أعضاء الناتو لإنفاق المزيد على الدفاع عن أنفسهم ضدّ روسيا، وهو أمر جيّد. لكنّ له أيضاً تكاليف. وقد ينجو الناتو من تهديدات ترامب بالانسحاب، والشجار حول التجارة، ودعم الأحزاب الوطنية المحافظة المتمرّدة، وابتزاز الدنمارك بشأن سيادة غرينلاند. مع ذلك، فإنّ التحالفات مبنيّة على الثقة. وبالنظر إلى حجمها، فقدت الدنمارك عدداً من الجنود في أفغانستان يعادل ما فقدته أميركا… وبالتالي فإنّ مواجهة غرينلاند هي نوع من المعاملة التي تجعل أميركا تهديداً لا حامياً.

ترامب يقوّي مواقف الصّين وروسيا… والطّغاة

سيجد الطغاة العزاء في التراجع عن القيم العالمية إذا أكّد ترامب على مجال من النفوذ الأميركي يشمل كندا وغرينلاند وبنما. وسيدّعي الطغاة أنّ ذلك بمنزلة تأييد لمبدئهم الخاصّ بأنّ العلاقات الدولية كانت دائماً في الواقع اختباراً للقوّة. وهو أمر مفيد عندما تطمع روسيا في جورجيا أو تطالب الصين ببحر الصين الجنوبي. وإذا احتقر ترامب المؤسّسات مثل الأمم المتحدة، التي تجسّد القيم العالمية، فستهيمن عليها الصين وروسيا بدلاً من ذلك، وتستغلّها كقنوات لمصالحهما الخاصّة.

يزعم أنصار ترامب أنّ ما يهمّ هو قوّة أميركا، وأنّ هذا من شأنه أن يؤدّي إلى السلام مع الصين. ويحذّرون من الحاجة إلى منع حرب عالمية ثالثة، مشيرين إلى أنّ شي جين بينغ يريد أن يكون قادراً على الاستيلاء على تايوان بالقوّة بحلول عام 2027. وتعمل الصين بسرعة على بناء الأسلحة النووية وتتقن بشكل منهجي التقنيّات الاستراتيجية. ويقولون إنّ أميركا تحتاج إلى إعادة تأسيس الردع، وإنّ مجموعة الدبلوماسية “المجنونة” والبراغماتية وتراكم القوّة الاقتصادية والعسكرية هي السبيل إلى تحقيق ذلك.

لكن للأسف، عندما يتعلّق الأمر بتايوان، يكون هناك تناقض. فإذا كان مصدر قوّة أميركا هو أن تكون براغماتية بلا رحمة بشأن القيم، وقاسية مع الحلفاء ومنفتحة على الصفقات مع المعارضين، فإنّ هذه هي بالضبط الشروط التي تسمح لترامب بتبادل تايوان مع الصين. وحتى لو عارض ذلك العديد من الصقور المناهضين للصين في إدارته، فإنّ هذا الاحتمال بالذات يسلّط الضوء على نقطة ضعف في قلب نهج ترامب.

السّلام التّرامبيّ؟

عندما لا يكون استخدام القوّة مرتبطاً بالقيم، يمكن أن تكون النتيجة الفوضى على نطاق عالمي. وإذا تمّ تأكيد وجود مخرّبين مخلصين لا يعرفون حدودهم مثل بيت هيغسيث وتولسي غابارد على رأس البنتاغون والاستخبارات، فإنّ الفوضى ستنتشر في الداخل أيضاً.

تختم “إيكونوميست” بأنّ “ترامب غير مؤهّل لفصل مصالحه الخاصّة عن مصالح بلاده، وخاصة إذا كانت أمواله وأموال شركائه على المحكّ، كما ستكون أموال إيلون ماسك في الصين. ومن خلال الابتعاد عن القيم التي صنعت أميركا بعد الحرب العالمية الثانية، سيتخلّى ترامب عن أعظم قوّة لا يمتلكها خصومه الاستبداديون”.

إيمان شمص

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.