إيران والترويكا: حوار الوقت الضّائع
بقلم حسن فحص
«أساس ميديا»
كان لافتاً القرار الإيراني بالذهاب إلى عقد جلسة حوار مع الترويكا الأوروبية (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) في العاصمة السويسرية جنيف، على الرغم من الموقف التصعيدي الذي اتّخذته هذه الدول من الملفّ النووي في جلسة حكّام الوكالة الدولية للطاقة الذرّية الأخيرة، والدفع لإصدار قرار إدانة لإيران بسبب نشاطاتها التي تشكّل انتهاكاً للاتّفاق النووي الموقّع عام 2015 مع هذه الدول، بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين.
يبدو أنّ طهران والقيادة على جميع مستوياتها، العليا وفي الدولة العميقة والحكومة، قد اختارتا مساراً من الحوار مع الترويكا الأوروبية قد لا ينتهي إلى نتيجة واضحة، انطلاقاً من اعتقاد الكثير من القوى السياسية بأنّ هذا التكتيك قد لا يكون الأدقّ، نظراً للأهداف المتشعّبة التي وضعت لهذا الحوار ولدائرته الواسعة التي تشمل لبنان وفلسطين ومنطقة غرب آسيا. وذلك بعد التطوّرات المعقّدة والدراماتيكية الدقيقة التي تمرّ بها المنطقة وتعيشها.
هذا ما يجعل من الرهان على إمكانية الوصول إلى نتائج حاسمة من هذه المفاوضات غير مضمون، كما على قدرة هذه الدول على تقديمها، لأنّ هذه المفاوضات تأتي من خارج السياقات المطلوبة التي تعرفها طهران للخروج من دائرة التجاذب مع المجتمع الدولي.
من هنا، يبدو أنّ الدبلوماسية الإيرانية حاولت أو سعت إلى تخفيف الرهانات على هذه المفاوضات والتقليل من حجم الدور وما يمكن أن تنتهي إليه، من خلال الإصرار على وصف اللقاء أو الحوار باعتباره “جلسة عصف ذهني” بين المساعدين السياسيين لوزراء خارجية الدول المجتمعة. وربّما حالة التردّد التي خرج بها المجتمعون، دفعت الطرف الأوروبي لعدم الجزم بوجود إيجابيات، مكتفياً بتأكيد استمرار هذا التشاور أو العصف الذهني.
لا بدّ من القناة الأميركيّة
أمّا الأسباب التي تدعو إلى اعتبار أو وصف لقاء جنيف بأنّه خيار أو تكتيك غير دقيق، فمردّها إلى الاعتقاد السائد والراسخ في الداخل الإيراني ولدى جميع المستويات السياسية ومراكز القرار بأنّ أيّ حلول جدّية وجذرية لكلّ الملفّات النووية والإقليمية والدولية لا بدّ أن تمرّ من خلال قناة الحوار المباشر بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأميركية، وأنّ الجانب الأوروبي غير قادر على تقديم أيّ ضمانات لتنفيذ ما قد يتمّ التفاهم عليه، من دون الحصول على الموافقة الأميركية.
لذا تدفع هذه الخطوة، التي تمّت بعيداً عن المشاركة الأميركية، لوصف ما حصل بأنّه “مفاوضات ضائعة” جاءت في الوقت الضائع، بانتظار أن يحسم الطرفان الإيراني والأميركي موقفهما من الجلوس معاً إلى طاولة التفاوض والحوار.
فرصة ذات مهمّة واحدة
يذهب بعض المتفائلين بنتائج الحوار الإيراني – الأوروبي إلى اعتبارها فرصة ذات مهمّة واحدة، وهي أن تتحوّل هذه الترويكا إلى صندوق بريد جديد بين طهران وواشنطن، وأن تعمل على التمهيد للانتقال إلى الخطوة الأكثر فعّالية التي تفتح الطريق أمام عودة واشنطن إلى طاولة التفاوض المباشر، إلى جانب الأعضاء الآخرين في مجموعة دول السداسية الدولية الراعية لاتفاق 2015.
فيما بدأت بالارتفاع أصوات القوى المتطرّفة المعارضة لأيّ تفاوض مباشر مع الولايات المتحدة، يُسجّل أنّ الأوساط الإيرانية شهدت في الأشهر الأخيرة تزايد الأصوات من مختلف التوجّهات بضرورة اتّخاذ خطوة جريئة واستراتيجية بالذهاب إلى تفاوض مباشر مع الولايات المتحدة الأميركية حول جميع المسائل، بما فيها الموضوع النووي، وبالتالي الخروج من دائرة العقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن على إيران. وهي مطالب ما كانت لتحصل أو تكشف عن نفسها في السابق لِما فيها من انتهاك للخطوط الحمر العقائدية والأيديولوجية للنظام.
إلّا أنّ كسر “التابو” أو “الحرمة” موضوع الحوار مع “الشيطان الأكبر”، جاء نتيجة واقعية تدركها جميع القوى الإيرانية، بما فيها المرشد الأعلى والدولة العميقة، لأنّه ضروري للخروج من عنق الزجاجة الذي تعيشه إيران فيه داخلياً وإقليمياً، خاصة بعد التطوّرات المتسارعة التي تشهدها المنطقة وساحات النفوذ الإيراني، وتزيد من تعقيد المشهد على صانع القرار الإيراني، وتدفعه لاتّخاذ خطوات وقرارات مؤلمة لإبعاد نفسه عن دوائر الخطر الداخلية والقبول بالخسائر الإقليمية.
تعتمد هذه المطالبات في شرعيّتها العقائدية والسياسية على مواقف المرشد الأعلى للنظام الذي أعطى الضوء الأخضر لحكومة الرئيس مسعود بزشكيان وفريقه المفاوض بإمكانية اتّخاذ هذه الخطوة ضمن محدّدات ثلاثة هي “العزّة والحكمة والمصلحة”.
قنوات أخرى للتّواصل
أمّا على صعيد الدور المحتمل للجانب الأوروبي في ما يتعلّق بالحوار بين طهران وواشنطن، فإنّ عواصم الترويكا لم تبدِ حرصاً على مدى السنوات الماضية على ذلك، في حين أنّ الطرفين المعنيَّين أوجدا قنوات أخرى للتواصل من خلال سلطنة عمان ودولة قطر، الأمر الذي أدّى إلى إضعاف التأثير الأوروبي.
ربّما العائق الأساسي أمام أيّ دور أوروبي يعود إلى الإدارة الأميركية نفسها بقيادة ترامب، خاصة أنّ الأخير لا يخفي مواقفه من منظومة الناتو والأثمان التي تدفعها واشنطن في الدفاع عن أوروبا وفي الحرب الأوكرانية. وبالتالي تبدو هذه الدول أكثر حاجة إلى توضيح علاقتها مع واشنطن في عهد ترامب. الأمر الذي يدفع الجانب الإيراني للحدّ من رهاناته على هذه الترويكا والذهاب إلى خطوة استراتيجية، لا تكتيكية، بالانفتاح على الأميركي لضمان الوصول إلى نتائج نهائية.
حسن فحص