إيران دخلت لبنان من الشبّاك… والسّعوديّة من بوّابة الدولة
بقلم د. فادي الأحمر
«اساس ميديا»
وُصفت زيارة وزير الخارجيّة السعوديّ الأمير فيصل بن فرحان للبنان بالتاريخيّة، والسبب أنّها الأولى لمسؤول سعوديّ بهذا المستوى منذ 15 عاماً. الزيارة طبيعيّة ومتوقّعة بعد التحوّلات الكبيرة في لبنان والمنطقة، وبعد الجهود التي قامت بها المملكة لانتخاب العماد جوزف عون رئيساً للجمهوريّة بعد فشل الأطراف اللبنانيّة في انتخاب رئيس بحسب الدستور على مدى أكثر من سنتين.
انتخاب على التّوقيت السّعوديّ
لم يعد خافياً أنّ زيارة الأمير السعوديّ يزيد بن فرحان للبنان هي التي أنجزت الاستحقاق الرئاسيّ. فهو الذي عمل على إقناع مختلف الأطراف بضرورة إنهاء الشغور الرئاسيّ يتبعه حتماً تشكيل حكومة “أصيلة” تشرع في تنفيذ الإصلاحات. فالتحوّلات الاستراتيجيّة في لبنان وسوريا والمنطقة كبيرة جداً. ولذلك يجب استغلالها لوضع لبنان على سكّة الاستقرار والنهوض. والاستقرار هنا ليس فقط بمعناه الأمنيّ، إنّما أيضاً بمعناه السياسيّ والاقتصادي والاجتماعي… وأمّا النهوض فهو من الأزمات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والماليّة التي تفجّرت بعد تشرين الأوّل 2019. يحقّ للمملكة الاحتفال بهذا الإنجاز وأكثر. فهي الشريك الأبرز في اللجنة الخُماسيّة. وهي العضو الذي كان يعوّل عليه لإنجاز هذا الاستحقاق بحُكم الدور القياديّ للمملكة في المنطقة العربيّة. لذلك جاء الاستحقاق الرئاسيّ على “التوقيت السعوديّ” وليس الفرنسيّ بعدما انتظرت المملكة طويلاً أن يُجرى الاستحقاق على “التوقيت اللبنانيّ”. بيد أنّ اللبنانيين فشلوا لأنّ لبنان كان يُحكم بحسب “التوقيت الإيرانيّ”.
بين المملكة وإيران
هنا لا بدّ من المقارنة بين سياسة كلّ من المملكة وإيران تجاه لبنان منذ أربعة عقود:
- المملكة تدخل لبنان من بوّابة الجمهوريّة. فهي كانت دائماً تتعامل مع الدولة اللبنانيّة من خلال مؤسّساتها الشرعيّة السياسيّة والعسكريّة والأمنيّة. وعملت دوماً على دعم الدولة ومؤسّساتها. بينما إيران تسلّلت إلى لبنان عبر “طاقة” خلفيّة في الحدود اللبنانيّة – السوريّة، ثمّ إلى ضاحية بيروت، وساهمت سياستها والميليشيا التي أنشأتها في إضعاف الدولة ومؤسّساتها والهيمنة عليها وعلى قرارها.
- خلال الحرب رافقت المملكة لبنان في محنته وعملت لإنهائها، فكانت مشاركاتها فاعلة في مختلف القمم العربيّة واللجان التي انبثقت عنها لوضع حدّ للحرب اللبنانيّة. وقمّة الجهود السعوديّة تمثّلت باستضافتها النوّاب اللبنانيّين في مدينة الطائف السعوديّة ورعايتها اتّفاقهم على “وثيقة الوفاق الوطنيّ” المعروفة باتّفاق الطائف. في ذاك الوقت كانت إيران تعمل على تأسيس ميليشيا مهمّتها الأولى خطف الرهائن الأجانب في بيروت لتتفاوض طهران عليهم من أجل الحصول على الأسلحة والذخائر لحربها ضدّ العراق (1980 – 1988).
- بعد الحرب ساهمت المملكة في إعادة إعمار لبنان، وخاصّة عاصمته بيروت، فدعمت وصول رفيق الحريري لرئاسة الحكومة ليكون صاحب مشروع إعادة الإعمار. وتعاملت بواقعيّة وبراغماتيّة مع الوصاية السوريّة التي فرضتها الظروف الدوليّة والإقليميّة. في حين أنّ إيران عملت من خلال حليفها السوريّ على استثناء “الحزب” من بند حلّ الميليشيات، الوارد في اتّفاق الطائف، خدمة لسياسة تصدير الثورة ولتطبيق نموذج الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران. وهذا ما حصل بالفعل أوّلاً في لبنان، ثمّ في العراق وفي اليمن وفي سوريا. كان “الحزب” يقوم بالحروب التي تستجلب الدمار لمّا أُعيد بناؤه بعد الحرب.
الدور الذي لعبته المملكة على مدى عقود ولا تزال، دفع بالبطريرك المارونيّ بشارة الراعي منذ أشهر لبعث رسالة للرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون عبر سفيره في لبنان هيرفيه ماغرو، مفادها شعوره بأنّ المملكة أقرب إلى لبنان من فرنسا، وأقرب إلى البطريركيّة والطائفة من فرنسا.
دعم مشروط بالإصلاحات
نكتفي بهذا القدر لننتقل إلى الكلام عن اليوم. لقد أصبح واضحاً أنّه كما تسلّلت إيران إلى لبنان عبر “طاقة” في الحدود اللبنانيّة – السوريّة هربت من خلالها وأكملت هروبها عندما تأكّدت من هروب بشار الأسد. في المقابل تتصرف المملكة في لبنان بكلّ ثقة.
واضح من كلام وزير الخارجيّة السعودي في كلامه عن “النهج الإصلاحي” وأنّ “تطبيق الإصلاحات سيعزّز ثقة شركاء لبنان”، أنّ الإصلاح لا يزال شرطاً لتقديم المساعدة الاقتصاديّة والماليّة وربّما السياسيّة والدبلوماسيّة كما في مؤتمر “سيدر” (نيسان 2018). ويُضاف إليه اليوم شرط إصلاح الحياة السياسيّة في لبنان الذي يتمثّل باثنين:
- وقف الشلل السياسيّ. وقد أشار الرئيس المكلّف نوّاف سلام إلى أنّ الحكومات التي كانت تسمّى حكومة وفاق وطنيّ أو وحدة وطنيّة كانت بالفعل حكومات شلل وطنيّ. وأصاب في توصيفه.
- استعادة الدولة لدورها وسيادتها على كامل ترابها. وهذا ما أشار إليه الوزير السعوديّ بتشديده على تطبيق القرار 1701 والقرارات الدوليّة ذات الصلة، وبينها القرار 1559 الذي يطالب لبنان بحلّ كلّ الميليشيات اللبنانيّة وغير اللبنانيّة على أرضه.
عاد اللبنانيون، سياسيّين ومواطنين، ليجدوا أنفسهم أمام معادلة: لا مساعدات من دون إصلاحات. وهم المسؤولون عن القيام بها، عملاً بالآية القرآنيّة “لا يغيّر الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم”. الأمل ضعيف، بأن تقوم هذه الطبقة السياسيّة بإصلاح. ولكنّ هناك أملاً أن تصطلح الشعوب اللبنانيّة لتصبح شعباً واحداً ينتخب سياسيين صالحين لإدارة شؤونه وبناء وطنه. والاستحقاقات الانتخابيّة “ورا الباب”، كما يُقال. أوّلها في أيار 2025 مع الانتخابات البلديّة، وثانيها في أيار 2026 مع الانتخابات النيابيّة.
الفرصة جدّيّة. وربّما تكون الأخيرة.
د. فادي الأحمر
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.