إصرار إيرانيّ على دعم “الحزب”: مسارات برّية وبحرية بديلة
بقلم إيمان شمص
«أساس ميديا»
بعد تعثّر الممرّ البرّي التقليدي عبر سوريا، تعمل إيران على رسم خريطة جديدة لطرق تهريبها إلى “الحزب”، مع التركيز على البحر وعلى السودان وليبيا، في تحرّك يعكس إصراراً استراتيجيّاً على مواصلة دعم “الحزب”، على الرغم من التحدّيات الجيوسياسية.
يواجه الإيرانيون و”الحزب” العديد من التحدّيات والصعوبات في بناء القوّة وإعادة الإعمار. ومن أبرز هذه التحدّيات انهيار الممرّ الإيراني الذي كان يمرّ عبر العراق وسوريا إلى لبنان، ويعتبر بمنزلة بنية تحتية استراتيجية إيرانية تهدف إلى إقامة المحور الشيعي في العراق وسوريا ولبنان على المستويات العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والأيديولوجية.
انقطعت هذه البنية التحتية وانهارت بعد سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأوّل 2024. ولمواصلة دعم “الحزب”، مع التركيز على الدعم الماليّ والعسكري، اضطرّ الإيرانيون إلى إعادة حساب مسارهم، وبالتعاون مع “الحزب” بدأوا ابتكار طرق بديلة لممرّ جديد لتسهيل نقل الأموال والأسلحة. وقد استُخدمت بعض هذه الطرق في الماضي، وللإيرانيين معرفة وخبرة مسبقة. هذا بالإضافة إلى المعرفة والخبرة الواسعة المكتسبة من تشغيل الممرّ الإيراني الأصلي، الممتدّ لأكثر من 1,800 كيلومتر، عبر العراق وسوريا إلى لبنان.
في هذا الإطار، أصدر “مركز ألما الإسرائيلي للأبحاث والتعليم” تقريراً جديداً في 10 نيسان الجاري، سلّط فيه الضوء على ما وصفه بـ”الممرّات الجديدة” التي تستخدمها إيران لنقل الأسلحة والأموال والمقاتلين إلى “الحزب” في لبنان، في ظلّ ما اعتبره انهيار المسار البرّي التقليدي عبر العراق وسوريا، عقب سقوط نظام بشار الأسد أواخر عام 2024.
استند التقرير إلى معلومات يجمعها المحاربون القدامى في الجيش الإسرائيلي، وتبنّى رواية المؤسّسة العسكرية بشأن استمرار الدعم الإيراني لـ”الحزب”. وأكّد أنّ طهران، بعد تعثّر الممرّ البرّي القديم، تعمل حاليّاً على إنشاء شبكة مسارات بديلة، بعضها مستحدث والآخر أُعيد تفعيله، تشمل طرقاً بحريّة وجوّية، إضافة إلى إمكانية استغلال المساحات غير الخاضعة للمراقبة في السودان وليبيا.
الأمن العام والجمارك..
بحسب التقرير، تشمل أبرز المسارات الجديدة طريقاً بحريّاً مباشراً من إيران إلى لبنان عبر قناة السويس، وطريقاً مركّباً (بحريّاً – برّياً – بحريّاً) ينطلق من إيران إلى السودان، ثمّ برّاً إلى ليبيا أو مصر، ومن هناك عبر البحر المتوسّط نحو لبنان.
أشار التقرير إلى أنّ طهران تستفيد من حالة الفوضى في السودان لتوسيع نفوذها هناك، مستحضرة تجربة سابقة لتهريب الأسلحة إلى غزّة عبر هذا البلد قبل نحو 15 عاماً، وترى أنّ الجغرافيا الليبية، خصوصاً شرقها الخاضع لسيطرة قوّات المشير خليفة حفتر، توفّر بيئة مثالية للتهريب الإيرانيّ، مقارنةً بمصر ذات السيطرة الأمنيّة الصارمة.
تتضمّن السيناريوهات المقترحة وصول السفن المحمّلة بالأسلحة إلى مرفأ بيروت مباشرة، أو تفريغ الشحنات في زوارق تابعة لـ”الحزب” في عرض البحر. وربط التقرير بين هذه العمليّات واعتقال عماد أمهز في تشرين الأوّل 2024، متّهماً إيّاه بالضلوع في شبكة بحريّة لـ”الحزب”، تعمل تحت غطاء مدني.
أمّا جوّيّاً فتستخدم إيران مسافرين على متن رحلات تجارية، مزوّدين بحقائب مملوءة بالأموال، تمرّ عبر العراق أو تركيا للوصول إلى بيروت.
يلفت التقرير إلى أنّ “الحزب” يتمتّع بنفوذ واسع في مرفأ بيروت ومطار رفيق الحريري الدولي، حيث يحتفظ بـ”مجمّعات مغلقة” داخلهما، ويستعين بموظّفين متعاونين ضمن المديرية العامّة للأمن العامّ ومصلحة الجمارك.
نفوذ واسع
أشار التقرير إلى أنّ مسؤول وحدة الأمن والارتباط في “الحزب” يتواصل مع مدير جمارك مرفأ بيروت، الذي اتُّهم عدّة مرّات بالفساد وإدارة شبكات تهريب في المرفأ، حتّى إنّه اعتُقل للتحقيق في آب 2020 نتيجةً لذلك، ولا يزال يشغل منصبه حاليّاً.
أضاف: “أنّ مسؤول وحدة الأمن والارتباط على تواصل أيضاً مع مدير جمارك مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، الذي اتُّهم عدّة مرّات برئاسة شبكة تعمل لمصلحة “الحزب” وتتيح له السيطرة العميقة على المطار، من خلال المساعدة في نقل البضائع من دون إشراف قانوني. وتمّ أخيراً (13 آذار 2025) تعيين مدير تنفيذي جديد لمطار رفيق الحريري، اسمه أمين جابر، ويبدو أنّه على علاقة جيّدة أيضاً بأمن الحزب”.
تابع التقرير: “وفقاً لتقرير صحيفة الشرق الأوسط في 4 نيسان، سحبت السلطات اللبنانية التصاريح الأمنيّة لأكثر من 30 موظّفاً في مطار رفيق الحريري. وكان هؤلاء الموظّفون متعاونين مع “الحزب” داخل المطار، وعملوا في تحميل وتفريغ شحنات الطائرات، وتفتيش الأمتعة، وفي قسم المفقودات”.
ضلوع إيرانيّ
على الرغم ممّا وصفه بانهيار الممرّ الإيراني عبر سوريا، أكّد التقرير استمرار نشاط التهريب على نطاق محدود، خصوصاً عبر منطقة البقاع اللبناني والحدود القريبة من حمص السورية. وتشير المعلومات إلى أنّ أسلحة قديمة لا تزال مخزّنة في سوريا، وتسعى الوحدة 4400 في “الحزب” لنقلها إلى لبنان.
لفت التقرير إلى دور محوريّ للوحدة 190 التابعة لفيلق القدس في تنفيذ التهريب في العالم، بما يشمل أسلحة خفيفة وطائرات مسيّرة وصواريخ دقيقة وموادّ متفجّرة. وأكّد التعاون الوثيق بين هذه الوحدة والوحدة 4400 في “الحزب”، المسؤولة عن تهريب الأموال والأسلحة.
أبرز التقرير نشاط “الوحدة 700″، التي يُعتقد أنّها تعمل بالتنسيق مع المسؤولين في العراق ولبنان، وسبق أن استغلّت كارثة الزلزال شمال سوريا عام 2023 لتهريب الأسلحة تحت غطاء المساعدات الإنسانية.
يُذكر أنّ مهمّة مركز ألما الإسرائيلي للأبحاث والتعليم تكمن في توفير المعرفة الجيوسياسية المتعمّقة عن الشرق الأوسط، بالإضافة إلى تقديم معلومات عن التطوّرات الميدانية في مختلف نقاط المراقبة على طول الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان وسوريا، وتأثيرها على التحدّيات الأمنيّة التي يواجهها الجيش الإسرائيلي.
إيمان شمص
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.