إسرائيل على أبواب حرب أهليّة؟
بقلم محمد السماك
«أساس ميديا»
ترتفع صيحات التحذير في إسرائيل من تسارع خطوات المجتمع الإسرائيليّ نحو حرب أهليّة. المعارضة الإسرائيلية تتّهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بجرّ الإسرائيليين نحو هذه الحرب، منذ ما قبل الحرب على غزّة. ولكنّ الجديد في الأمر هو أنّ هذا التحذير يصدر من داخل المؤسّسة العسكرية. يتمثّل ذلك في سلسلة مبادرات العصيان العسكري التي صدرت عن القوّات الجوّية والبرّية على حدّ سواء.
يُتّهم نتنياهو بأنّه يعمل على استمرار الحرب في غزّة وتوسيعها في الضفّة الغربية (امتداداً حتّى قصف سوريا ولبنان) من أجل تكريس وضع سياسي يشكّل سدّاً يحول دون محاكمته.
عندما تكون إسرائيل في حالة حرب، من غير المنطقي محاكمة الرئيس صاحب القرار بتهمة الفساد والرشوة. وهي تهم وإن كانت ثابتة فإنّ القضاء يُمنع من إصدار أحكامه بالإدانة في حالة الحرب. مثل هذه الحالات أدّت في السابق إلى سلسلة من الانشقاقات داخل المؤسّسات الإسرائيلية.
مرّت إسرائيل بتجربة مماثلة من قبل عندما رفضت الأحزاب الدينية المتطرّفة اتّفاق أوسلو مع السلطة الفلسطينية، وعندئذٍ ذهبت في رفضها الاتّفاق إلى حدّ اغتيال رئيس الحكومة الإسرائيلي إسحق رابين خلال مشاركته في مهرجان شعبي في تل أبيب.
يأخذ الانشقاق الآن أشكالاً مختلفة داخل المؤسّسة العسكرية بمختلف فروعها، إلّا أنّ ذلك لم يغيّر من موقف نتنياهو الذي يدرك أنّ رئاسته تنتهي بانتهاء الحرب على غزّة.
يتحالف نتنياهو مع “قتلة” إسحق رابين المتطرّفين من حركة “الحريديم”، ويشكّل هذا التحالف عنوان التحوّل الإسرائيلي من التسوية إلى الحرب، ومن التعايش إلى الإبادة. وهو تحوّل يعكس الانقسام العميق داخل المجتمع الإسرائيلي بين “الحريديم” اليهود المتطرّفين الإلغائيّين لكلّ من هو غير يهودي، وبقيّة مكوّنات المجتمع الإسرائيلي من يهود علمانيين ومدنيين.
حركة “المؤرّخين الجدد”
عندما بدأ نفوذ “الحريديم” يتغلغل في مفاصل الدولة ويفرض قرارات سياسية على خلفيّة دينية، أدرك كثيرون من كبار المثقّفين اليهود أنّ إسرائيل تسير في الطريق الخطأ… الطريق الذي يؤدّي إلى حرب أهليّة، فكانت سلسلة الانشقاقات التي قام بها علماء اجتماع يهود، وهي الانشقاقات (عن المجتمع) التي وُصفت بحركة “المؤرّخين الجدد” (2008-2020).
كان من أبرز شخصيّات تلك الحركة:
– آفي شلاليم، وهو يهودي من أصل عراقي، ومؤلّف كتاب “إسرائيل وفلسطين: نحو إعادة النظر”. وإعادة النظر هذه كانت تكشف عن كيفية استيلاد إسرائيل من رحم المعاناة الفلسطينية (قتلاً وتهجيراً قسريّاً). ويعود ذلك إلى “وعد بلفور”. وعندما قامت إسرائيل بالعدوان على غزّة وقتلت 1,400 شخص من أبنائها، وصفها بأنّها دولة مارقة. فكيف يصفها اليوم وقد ارتكبت في غزّة جرائم جماعية يفوق عدد ضحاياها أضعاف ما ارتكبته إسرائيل عام 2000 إثر الانتفاضة الفلسطينية الأولى؟
– إيان رابيه الذي هاجر من إسرائيل عام 2007 لأنّه اكتشف أنّها حلم كاذب، والذي وصف الصهيونية (وكان واحداً منها) بأنّها حركة عنصرية غير شرعية. ودعا إلى عودة الفلسطينيين إلى بلدهم الأصليّ.
– الموسيقار العالمي المعروف دانيال بارنبوم الذي شكّل فرقة موسيقية من شبّان وشابّات فلسطينيين ويهود لتكريس العيش المشترك، لكنّه على الرغم من نجاح الفرقة فشل في تحويلها إلى ظاهرة اجتماعية تعايشية بسبب مقاطعة اليهود المتطرّفين، ثمّ إفشالهم المبادرة من الأساس.
عندما أقرّ الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي القانون الذي حدّد هويّة إسرائيل باعتبارها “دولة دينية يهودية”، فإنّه بذلك قطع طريق المواطنة أمام اليهود العلمانيين والمدنيين، وجرّد عرب فلسطين مسلمين ومسيحيّين من حقوق المواطنة.
أدّت هذه الانقسامات إلى تمزّق المجتمع الإسرائيلي، وحوّلته إلى مجتمعات متنافرة، الأمر الذي يشكّل فتيل حرب أهليّة ترتفع صرخات التحذير من خطر انفجارها في أيّ وقت.
محمد السماك
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.