إخراج قيد حنين السّيّد لا يعني أحداً

31

بقلم عبادة اللدن

«اساس ميديا»

قيل إنّ رئيس الحكومة نوّاف سلام أخرج من جيبه إخراج قيدٍ ليثبت أنّ وزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيّد مقيّدة في النفوس سنّيّة.

سواء تأكّدت هذه الواقعة أم لم تتأكّد، لماذا يجب أن يكون إخراج قيد الوزيرة شأناً عامّاً؟ من غير المفهوم أن ينشغل السنّة بأعداد الوزراء وإخراجات قيودهم كما لو أنّها تعني شيئاً في توازنات الحكم. هل يذكرون أنّ الشيعة تنازلوا للسنّة عن مقعد في حكومة نجيب ميقاتي عام 2011، فكان لهم سبعة وزراء في الحكومة التي لم يكن لها مثيل في هيمنة الشيعية السياسية وضعف التمثيل السنّيّ؟

لا شكّ أنّ في التمثيل السنّي مشكلة عكستها الانتخابات النيابية الأخيرة، لكنّ الحياة الخاصّة لإحدى الوزيرات ليست جزءاً منها. والأكيد أنّ موقع السنّة في السلطة لن يتحسّن إذا ما اتّفق الشتات النيابيّ السنّيّ على تقاسم المقاعد الوزارية الأربعة المخصّصة للطائفة.

يجدر الالتفات إلى الصورة الكبرى. قد تكون حكومة نوّاف سلام الأكثر قدرة على العمل منذ حكومة الرئيس الشهيد رفيق الحريري التي تشكّلت بعد انتخابات عام 2000، وقد كانت حكومة فرضها زخم التسونامي الانتخابي الكبير في ذلك العام. ومع ذلك لم يدُم ربيعها طويلاً، إذ سرعان ما انقلب عليها بشار الأسد بعد سنتين، فأُجبر الحريري على الاستقالة وتشكيل حكومة مليئة بمخبري رستم غزالة.

تكمن قوّة الحكومة الحالية في أنّها ليست ائتلافاً لحكومات صغيرة داخلها تُدار بمجموعات “واتس آب”. انتهت هرطقات دستورية كثيرة في طريقة تشكيل الحكومات وفي ممارستها. لم يعد ممكناً بعد اليوم لأيٍّ كان أن يحجب أسماء ممثّليه في الحكومة ويرفض إطلاع الرئيس المكلّف عليها حتى اللحظة الأخيرة. انتهى زمن يغيب فيه وزراء الثنائي فتتعطّل الجلسة والحكومة. وانتهى زمنٌ كان ميشال عون يشكّل فيه ثلث الحكومة، ويعمد إلى صهره ليأخذ منهم توقيعات مسبقة على استقالات غير ممهورة بتاريخ، ويدعوهم إلى اجتماعات موازية لاجتماعات مجلس الوزراء، وفي توقيتها نفسه.

مرحلة مختلفة

هذه أوّل حكومة منذ عام 2000 على الأقلّ، يشكّلها رئيسها بالتوافق مع رئيس الجمهورية، تماماً كما ينصّ الدستور. أمّا ما تثيره الكتل السنّية من عدم تمثيل الطائفة، فهو ينتمي إلى ممارسات المرحلة السالفة وهواجسها.

ثمّة التباس لدى الكتل السنّية بأن الوزن السياسي يستند إلى عدد النواب في كلّ كتلة. ومنشأ هذا الالتباس المعادلة الميكانيكية التي فُرضت في تشكيل الحكومات في زمن اتّفاق الدوحة، والتي كانت تناسب “الحزب” وحلفاءه، ليحوز الثلث المعطّل ويتحكّم بإنتاج القرار داخلها.

لا بدّ أن تدرك الكتلُ السنّية أنّ التوازن الذي ترعاه الحكومة الجديدة ينتمي إلى مرحلةٍ مختلفة، من حيث طريقة التشكيل والتمثيل فيها، ومن حيث القدرة على إنتاج القرار. وهذا التوازن يأتي في الأساس من المظلّة العربية والدولية الراعية لهذه المرحلة، وربّما يشكّل فرصةً لكسر المراوحة والشلل في العمل الحكومي منذ الأزمة المالية والاقتصادية المستمرّة منذ عام 2019.

صحيحٌ أنّ الحكومة راعت وضعاً خاصّاً للتمثيل الشيعي، لكنّه تعاملٌ دقيقٌ لا بدّ منه، مع طائفةٍ منكوبةٍ بحرب الشهرين، وباغتيال قادة حزبها الأقوى، بحيث لا تُستفزُّ مشاعر الإحباط والمواجهة في جمهورها من جهة، ولا تحفظ لـ”الحزب”، من جهة أخرى، القدرةَ على إسقاطِ الحكومة أو تعطيلها متى شاء.

ربّما الفرق الأساسي بين حكومة نوّاف سلام وما سبقها من حكومات على مدى ربع قرن، يكمن في درجة تبعيّة الوزراء في قرارهم السياسي إلى الجهات الحزبية التي سمّتهم أو دعمت ترشيحهم، وفي أنّ لديها مهمّة مرعيّة بمظلّة عربية ودولية. ولذلك يجدر بالسنّة أن ينظروا إلى الحكومة بعين التوازن السياسي في البلد وفي الإقليم، لا بعين الحصص بالمفهوم الضيّق الذي أرساه اتّفاق الدوحة.

بحثٌ آخر

سيكون الحكم على نجاح الحكومة من منظورين:

  1. منظور المهمّة السياسية الأساسية التي تشكّلت من أجلها، وهي تطبيق القرار 1701 ولملمة آثار العدوان الإسرائيلي، وإطلاق حركة إعادة الإعمار. وهذا المنظور يتولّاه رئيسا الجمهورية والحكومة، ولا تغيّر فيه أسماء الوزراء “المهنيّين” الذين يتولّون الحقائب.
  2. منظور المهمّة الاقتصادية والاجتماعية، وأهمّ ما فيها كسر المراوحة القائمة منذ عام 2019، والعودة إلى مسار التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وإطلاق التفاوض مع الدائنين من حاملي “اليوروبوندز” ليتمكّن لبنان من العودة إلى أسواق رأس المال العالمية، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي، بحيث تُحسم مسألة توزيع الخسائر لمرّة واحدة وأخيرة، بما في ذلك نصيب المودعين من هذه الخسائر.

لا ينبغي التوهّم أنّ التوازنات تقاس بعدد الأصوات أو أوزان الحقائب في مجلس الوزراء. وأكبر دليل على ذلك وجهة الرياح التي حملت الجميع على فُلك انتخاب رئيس الجمهورية بعد سنتين من التعطيل، وتشكيل الحكومة في زمن قياسي لم يتجاوز ثلاثة أسابيع. أمّا مسألة التمثيل السنّي، فللبحث فيها صلة من الآن حتّى موعد الانتخابات المقبلة في ربيع 2026.

عبادة اللدن

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.