أهمية زيارة نواف سلام إلى دمشق عبر بوابة الرياض

33

بقلم د. ابراهيم العرب

تشكل زيارة رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام إلى دمشق، التي تمت عبر “بوابة الرياض” في يوم الاثنين الموافق في الرابع عشر من نيسان 2025، محطة تاريخية مفصلية في مسار العلاقات اللبنانية–السورية. فقد اجتمعت فيها عدة عوامل سياسية ودبلوماسية واقتصادية وأمنية، لترسم خريطة جديدة للتعاون المشترك بعد سنوات من التوتر والجمود.

أ . الأبعاد السياسية والدبلوماسية

  1. رعاية سعودية استثنائية

جاءت الزيارة بعد فترة وجيزة من لقاء الرئيس سلام بِوليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الرياض، حيث حمَلت الرياض “الضمانة” الكاملة لتطبيع العلاقات اللبنانية–السورية. وبهذا، انتقل محور الاهتمام من بوابة أنقرة التي دخل منها رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي إلى دمشق، إلى بوابة الرياض التي أصبحت اليوم المحرك الرئيسي لأي خطوة تصالحية بين البلدين.

  1. متابعة لقاء قمة القاهرة العربية

تكتسب الزيارة دلالة إضافية كونها الخطوة الثانية بعد لقاء الرئيسين اللبناني والسوري على هامش القمة العربية في القاهرة في آذار 2025. إذ اتفق الزعيمان حينها على ضرورة استعادة الثقة وطيّ صفحة الخلافات السابقة، وتوجيه عمل اللجان الفنية لمعالجة الملفات العالقة.

  1. دور الوساطة الثلاثية

لم تقتصر رعاية الرياض على اللقاء المباشر، بل شملت أيضاً تحريك الاتصالات بين بيروت ودمشق. فقد وصل في اليوم ذاته إلى بيروت الأمير السعودي المكلّف بالملف اللبناني، الأمير يزيد بن فرحان، واجتمع مساءً بالرئيس سلام فور عودته من دمشق، في تأكيد واضح للتنسيق الثلاثي اللبناني–السوري–السعودي.

ب. الأبعاد الاقتصادية

  1. استجرار النفط والغاز

بحث الوفد اللبناني والسوري آليات تفعيل خطوط أنابيب النفط والغاز العابرة للحدود، بما يساهم في تخفيف الأعباء على خزينة لبنان ويعزّز أمن الطاقة في سوريا بعد سنوات من الانقطاع.

  1. تنشيط التجارة والترانزيت

اتفق الجانبان على فتح معابر جديدة وتنظيم المعابر التقليدية لزيادة حجم الصادرات والواردات، وتقليص زمن عبور البضائع، مما ينعكس إيجاباً على قطاع النقل والخدمات اللوجستية في البلدين.

  1. خطوط الطيران المدني

طُرحت فكرة إطلاق رحلات جوية مباشرة بين بيروت ودمشق، وربطها لاحقاً مع محطات سعودية، وهو ما سيحفز قطاع السياحة ويعزز حركة الأعمال بين العواصم الثلاث.

  1. إعادة النظر في الاتفاقيات الثنائية

تطرق اللقاء إلى مراجعة الاتفاقيات الاقتصادية القديمة، بما في ذلك اتفاقية “المجلس الأعلى اللبناني–السوري”، وتحديث بنودها لتتلاءم مع الواقع الجديد بعد الحرب السورية وتبدّل الظروف الاقتصادية.

ج. الأبعاد الأمنية والقضائية

  1. تشكيل لجنة وزارية مشتركة

تم الاتفاق على لجنة تضم وزارات الخارجية، والدفاع، والداخلية، والعدل في البلدين، مهمتها متابعة الملفات الأمنية والقضائية العالقة، وأهمها:

ترسيم الحدود البرية: ضبط المعابر وتنظيم حركة الأفراد والبضائع لمنع التهريب والتسلل.

عودة النازحين السوريين: وضع إطار زمني لإعادة نحو 1.5 مليون لاجئ يقيمون في لبنان، بالتعاون مع الأمم المتحدة والدول الشقيقة.

مصير المفقودين: تبادل السجلات وتشكيل آلية مشتركة للبحث عن المفقودين اللبنانيين في سوريا والمفقودين السوريين في لبنان.

ملاحقة المطلوبين: تسليم فلول النظام السابق المطلوبين للعدالة اللبنانية، ومكافحة بقايا التنظيمات المسلحة.

قضية السجناء غير المحكومين: بحث ملف السوريين المعتقلين في لبنان من دون أحكام قضائية، والتسوية القانونية لقضيتهم.

  1. تعزيز التنسيق الأمني

جاءت الزيارة بعد توترات أمنية على طول الحدود الممتدة 330 كلم، حيث شهدت المناطق الحدودية تبادلاً لإطلاق النار أسفر عن ضحايا من الجانبين. واتفق الطرفان على إنشاء غرفة عمليات مشتركة للتنسيق اليومي بين الأجهزة الأمنية.

د. انعكاسات إقليمية

  1. محاولة إنهاء عزلة دمشق

تأتي الخطوة في سياق محاولات عربية لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، وهي مساعي تدعمها السعودية بشكل واضح؛ فتطبيع العلاقات بين بيروت ودمشق سيشكل ضغطاً دبلوماسياً على بقية العواصم للانخراط في مسار إعادة الدمج الإقليمي لسوريا.

  1. رسالة إلى الداخل اللبناني

تعكس الزيارة قدرة الحكومة الجديدة على تحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية، وإعادة دوره التقليدي كجسر بين الشرق والغرب، بعيداً عن المحاور المتشددة التي عمّقت الانقسام السياسي والاقتصادي في البلاد.

  1. حماية اتفاق الطائف

ضمنياً، تشكل الزيارة رسالة ضد أي محاولات “انقلاب” على مقررات اتفاق الطائف (1989)، عبر إعادة رصّ الصف الداخلي وتأكيد التوازن الوطني، وهو ما ربطته دوائر سياسية سعودية بأنه “ضمانة لاستقرار لبنان واستمرار تجربته الديمقراطية”.

ه. دعوة متبادلة وخطوات مستقبلية

خُتمت الزيارة بتسليم الرئيس سلام دعوة رسمية من الرئيس السوري أحمد الشرع لزيارة بيروت، تمهيداً لعقد اتفاقيات ثنائية في قطاعات متعددة. كما تطرقت التصريحات الختامية إلى إمكانية زيارات متبادلة لمسؤولين سوريين خلال الأسابيع المقبلة، لترتيب جدول أعمال مشترك وتنفيذ مخرجات اللجنة الوزارية.

خلاصة القول، إن زيارة نواف سلام إلى دمشق عبر بوابة الرياض تمثل أكثر من مجرد جولة دبلوماسية؛ إنها إعلان انطلاقة فعلية نحو “صفحة جديدة” في العلاقات اللبنانية–السورية، مدعومة برعاية سعودية عربية، ومقترنة بأجندة اقتصادية وأمنية طموحة. وإذا ما التزمت الأطراف بتنفيذ ما اتفق عليه، فقد تشهد المنطقة مرحلة من الاستقرار والتعاون المستدام، مماينعكس إيجاباً على لبنان وسوريا معاً، ويعيد للشرق المتوسط دوره كمنطقة للتلاقي والتبادل لا للنزاع والانقسام.

وفي الختام، لا يسعنا إلا أن نتمنى كل التوفيق للرئيسين نواف سلام وأحمد الشرع في مهمتهما الوطنية النبيلة، آملين أن تثمر جهودهما المشتركة في ترسيخ علاقات أخوية صادقة بين لبنان وسوريا، قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. فلعلّ هذه الخطوة تكون بداية عهد جديد من التعاون البنّاء، لما فيه خير الشعبين الشقيقين واستقرار المنطقة بأسرها.

د. ابراهيم العرب

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.