أهمية استحداث مجلس للشيوخ في لبنان: بين الضرورة والإشكاليات

35

بقلم د. ابراهيم العرب

لماذا يُطرح مجلس الشيوخ اليوم؟

يعود الحديث عن استحداث مجلس للشيوخ في لبنان إلى الواجهة مع المبادرة التي تقدّمت بها كتلة “التنمية والتحرير”، وذلك في إطار إصلاحات دستورية مقترحة. وكما هو الحال مع معظم القضايا الإصلاحية، ينقسم الرأي العام بين من يرى في المجلس خطوة ضرورية لتحديث النظام السياسي وتحقيق التوازن الوطني، وبين من يعتبر أن الأولوية ينبغي أن تُعطى لمعالجة الأزمات الاقتصادية الحادة بدلًا من الدخول في تعقيدات دستورية جديدة.

لكن السؤال الجوهري يبقى: هل يمكن أن يكون مجلس الشيوخ أداة لتعزيز الاستقرار السياسي والتشريعي، أم أنه سيكون مجرد انعكاس جديد للواقع الطائفي الذي يعاني منه لبنان؟

ما هو مجلس الشيوخ وما هي مهامه؟

يُعد مجلس الشيوخ هيئة تشريعية ثانية إلى جانب مجلس النواب، وقد وردت فكرته في اتفاق الطائف الذي نصّ على أنه “مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي، يُستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية، وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية”.

إلا أن هذه “القضايا المصيرية” لم يتم تعريفها بدقة، ما يفتح الباب أمام تفسيرات مختلفة حول صلاحيات المجلس ودوره الفعلي. ومع ذلك، يشير بعض النواب الذين شاركوا في اجتماعات الطائف إلى أن هذه القضايا تشمل المسائل التي تتطلب موافقة ثلثي أعضاء الحكومة، كما نصت المادة 65 من الدستور، ومنها:

تعديل الدستور

إعلان حالة الطوارئ وإلغاؤها

الحرب والسلم والتعبئة العامة

الاتفاقات والمعاهدات الدولية

الموازنة العامة والخطط الإنمائية

إعادة النظر في التقسيم الإداري

حل مجلس النواب وقانون الانتخابات

قانون الجنسية وقوانين الأحوال الشخصية

إقالة الوزراء

التجربة السابقة لمجلس الشيوخ في لبنان

ليس استحداث مجلس الشيوخ فكرة جديدة على لبنان، فقد تمّ العمل به بعد إعلان دولة لبنان الكبير عام 1920، وكان يضم 16 عضوًا موزعين طائفيًا. لكن في عام 1927، تم إلغاؤه بموجب تعديل دستوري جعل السلطة التشريعية بيد مجلس النواب وحده.

ومنذ ذلك الحين، بقيت فكرة إعادة المجلس مطروحة بين الحين والآخر، إلى أن أُعيد النص عليها في تعديلات الدستور عام 1990 بموجب اتفاق الطائف، لكنها لم تُطبّق حتى اليوم بسبب الخلافات السياسية والطائفية.

جدوى إنشاء مجلس الشيوخ: بين الإيجابيات والسلبيات

الإيجابيات المحتملة

  1. إلغاء الطائفية السياسية من مجلس النواب

أحد أبرز أهداف استحداث مجلس الشيوخ هو تحويل مجلس النواب إلى هيئة تمثيلية وطنية غير طائفية، على أن يكون التمثيل الطائفي محصورًا في مجلس الشيوخ. وهذا قد يساهم في الحد من الانقسامات الطائفية داخل البرلمان، ويجعل الانتخابات النيابية أكثر تعبيرًا عن الإرادة الشعبية بعيدًا عن المحاصصة.

  1. تحقيق التوازن بين المكونات الطائفية

يشكّل المجلس إطارًا لضمان حقوق الطوائف في القرارات المصيرية، ما قد يحدّ من الهواجس الطائفية التي طالما أثّرت في الاستقرار السياسي اللبناني.

  1. تعزيز الاستقرار التشريعي

في التجارب المقارنة، تلعب مجالس الشيوخ دورًا في مراجعة القوانين بعمق، وتقديم مقاربات أكثر استقرارًا مقارنة بالنقاشات السياسية الحادة التي تميّز المجالس النيابية.

  1. الحدّ من الأزمات السياسية

من خلال إسناد القضايا الحساسة إلى مجلس الشيوخ، يمكن تقليل الخلافات داخل مجلس النواب، وبالتالي تسهيل عمل الحكومة وتعزيز فعالية المؤسسات الدستورية.

التحديات والإشكاليات

  1. آلية تشكيل المجلس

لم يتم الاتفاق بعد على كيفية اختيار أعضائه: هل سيكونون منتخبين بالكامل أم سيتم تعيين البعض منهم؟ وما هي المعايير التي ستُعتمد في التوزيع الطائفي والسياسي؟

  1. تأثيره على صلاحيات مجلس النواب

هل سيكون لمجلس الشيوخ دور تشريعي فاعل، لاسيما أن صلاحياته ستكون محدودة بالقضايا المصيرية؟ وهل يمكن أن يؤدي استحداثه إلى إضعاف دور مجلس النواب أم إلى تكامله مع المؤسسات الدستورية؟

  1. رئاسته وتوزيع المقاعد الطائفية

يبرز نقاش حول من سيتولى رئاسة المجلس، إذ تطالب الطائفة الدرزية بهذا المنصب، بينما يصرّ الأرثوذكس على أن يكون لهم. فهل ستُعتمد قاعدة جديدة في التوزيع الطائفي للمناصب أم سيُعاد النظر في الهيكلية السياسية برمّتها؟

  1. التكاليف والميزانية

إنشاء مجلس جديد يتطلب ميزانية خاصة له، مما قد يشكّل عبئًا إضافيًا على مالية الدولة في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة.

  1. الخشية من تكريس الطائفية بدل إلغائها

رغم أن الهدف الأساسي من مجلس الشيوخ هو إلغاء الطائفية من مجلس النواب، إلا أن تخصيصه للقضايا المصيرية قد يؤدي عمليًا إلى تعزيز النفوذ الطائفي في أهم القرارات الوطنية، ما قد يعمّق الانقسامات بدلًا من الحدّ منها.

 بين الإصلاح الضروري والمخاطر المحتملة

ختاماً، إن استحداث مجلس للشيوخ في لبنان، وفقًا لما نص عليه اتفاق الطائف، قد يكون خطوة مهمة نحو تحديث النظام السياسي وتعزيز الاستقرار التشريعي، خصوصًا إذا أُحسن تصميمه بطريقة تضمن تمثيلًا عادلًا للطوائف من دون تكريس الانقسامات.

لكنّ نجاح هذه الخطوة يعتمد على الإجابة عن تساؤلات جوهرية: كيف سيتم تشكيل المجلس؟ وما هي صلاحياته الفعلية؟ وهل سيكون عنصر استقرار، أم مجرد ساحة إضافية للصراعات الطائفية؟

وفي ظل الأزمات السياسية والاقتصادية الحادة، قد يرى البعض أن الوقت غير مناسب لمثل هذه التعديلات الدستورية، لكن من ناحية أخرى، قد يكون إنشاء مجلس الشيوخ جزءًا من حل شامل يعيد صياغة النظام السياسي اللبناني بطريقة أكثر توازنًا وعدالة.

وفي نهاية المطاف، يبقى الأمر رهن الإرادة السياسية، وما إذا كان هناك توافق حقيقي على إطلاق ورشة إصلاحية تخرج لبنان من أزماته المتراكمة، بدلًا من أن تفتح الباب أمام مزيد من التعقيدات.

د. ابراهيم العرب

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.