أميركا خائفة من 11 أيلول جديد

30

إيمان شمص

اساس ميديا

تحلّ الذكرى الـ23 لهجمات 11 أيلول في الولايات المتحدة الأميركية عام 2001 لتعيد تذكيرنا بما شكّلته من نقطة تحوّل في الأمن العالمي وفي النهج الأميركي لمكافحة الإرهاب. فهي تسبّبت بتغيير جذري في السياستين الداخلية والخارجية الأميركيّتين. لكن يخشى صُنّاع السياسات ومحلّلو الأمن من احتمالات وقوع مثل هذا الحدث مرّة أخرى ليس فقط ضدّ الولايات المتحدة الأميركية بل ضدّ دول الغرب أيضاً، لكن مع أولويات جديدة من خلال سبل مختلفة أوّلها التكنولوجيا.

“الجماعات الإرهابية لا تزال ترغب في تنفيذ مثل هذه الهجمات على الرغم من وجود عدّة عوامل تجعل من الصعب نجاحها”، يقول الدكتور كريستيان ألكسندر. وهو كبير الباحثين في “مركز ربدان للأمن والدفاع”، ومقرّه الإمارات العربية المتحدة. وهو مستشار في معهد Gulf States Analytics، معهد استشاري للمخاطر الجيوسياسية مقرّه واشنطن.

يعتقد الباحث أنّ جاذبية حدث مذهل مثل 11 أيلول لا تزال قوية للغاية بالنسبة للجماعات الإرهابية. فمثل هذا الهجوم لن يسبّب خسائر كبيرة فحسب، بل سيجذب أيضاً انتباه وسائط الإعلام، مستجيباً بذلك لرغبة الإرهابيين في الدعاية والتأثير النفسي. وبالتالي إمكانية شنّ هجوم جيّد التمويل ومنسّق، لا سيما من جانب مجموعة قادرة على التهرّب من الكشف، لا تزال تشكّل مصدر قلق لصنّاع السياسات. ويمكن أن يؤدّي ظهور جماعات إرهابية جديدة أو عودة ظهور جماعات قديمة، مدفوعة بالنجاحات أو المظالم المتصوّرة، إلى محاولات جديدة في عمليات إرهابية واسعة النطاق.

نحن في لحظة تشبه ما قبل 11 أيلول

هذا على الرغم من الاعتراف بصعوبة تكرار هذه الاعتداءات بسبب “تعزيز الولايات المتحدة بشكل كبير بنيتها التحتية الاستخبارية والأمنيّة منذ عام 2001، وتوسيع جهودها في تبادل المعلومات الاستخبارية مع حلفائها لمكافحة التهديدات الإرهابية المتطوّرة ولتعقّب المقاتلين الأجانب وتعطيل الشبكات الإرهابية، لا سيما في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى تحسين إجراءات المراقبة، وتبادل المعلومات بين شركات الطيران والوكالات الحكومية، وحملات التوعية العامّة لخلق بيئة أكثر يقظة لردع الهجمات المحتملة وتعزيز استخدام تحليلات البيانات والذكاء الاصطناعي وتقنيّات المراقبة لقدرة أجهزة إنفاذ القانون على اكتشاف الهجمات المحتملة ومنعها”.

بالنسبة إلى الكاتب، تعكس استراتيجية الدفاع الوطني لعام 2022 التحوّل بعيداً عن مكافحة الإرهاب، وتعطي الأولوية بدلاً من ذلك لـ”الردع المتكامل” والمفاهيم الجديدة مثل “توظيف القوة الديناميكية” و”العمليات المتعدّدة المجالات” كوسيلة لمنع الصراع مع القوى العظمى. لكنّه يرى أنّ شغور المناصب الأمنية الوطنية في إدارة جو بايدن يشكّل خطراً كبيراً لجهود مكافحة الإرهاب. وهو بمنزلة تذكير صارخ بالثغرات التي كانت موجودة قبل أحداث أيلول. وهي الفترة التي قلّلت فيها الولايات المتحدة من أهمّية وجود جهاز أمن وطني كامل الموظّفين ومنسّق. ودعا إلى إعادة توجيه الموارد والاهتمام لمكافحة الإرهاب لمعالجة التحدّيات الأكثر إلحاحاً، فالإرهاب مصدر قلق، وخاصة مع استمرار جماعات مثل داعش والقاعدة في تشكيل تهديدات، وهو أمر لم يعد يحظى بالمستوى نفسه من الأولوية الاستراتيجية.

تهديدات من التّكنولوجيا.. ومن الدّاخل

لكلّ هذه الأسباب يستبعد كريستيان ألكسندر إمكانية وقوع حدث آخر على نطاق 11/9 بسبب الطبيعة المتغيّرة للإرهاب نفسه، وضعف المنظّمات الإرهابية التقليدية مثل تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية وتطوّر الاستراتيجية الإرهابية، حيث تحوّلت المنظّمات الإرهابية إلى تكتيكات تقوم على عمليات أصغر وأكثر لامركزية على غرار هجمات “الذئاب المنفردة” الأقلّ تعقيداً وقدرةً على التسبّب بخسائر بشرية جماعية.

لكنّه يحذّر من أنّ تهديد الإرهاب لم يتضاءل تماماً، ويشكّل ظهور جهات إرهابية جديدة، بما في ذلك المتطرّفون المحليون، مصدر قلق كبير، حيث أدّى الاستقطاب السياسي المتزايد في الولايات المتحدة إلى ارتفاع معدّلات العنف. وأدخل نموّ الجماعات اليمينية المتطرّفة والعنصرية البيضاء، التي تحرّكها أيديولوجيات بغيضة وتستمدّ قوّتها من وسائل الإعلام الاجتماعية، بعداً جديداً إلى مشهد التهديد الإرهابي في الولايات المتحدة. وغالباً ما تكون هذه الجماعات لامركزية وتعمل بمعزل عن التأثيرات الأجنبية، وهو ما يجعل اكتشافها ومنعها أكثر صعوبة.

التّكنولوجيا في خدمة الإرهاب.. ضدّ إسرائيل

وفقاً للباحث، فتح التقدّم التكنولوجي، وخاصة في مجال القدرات السيبرانية، سبلاً جديدة للإرهابيين لإلحاق الضرر بالبنية الأساسية الحيوية، أو الأنظمة المالية، أو المؤسّسات الحكومية وإحداث الفوضى والإصابات الجماعية، وإن لم يكن ذلك بالمعنى التقليدي للهجوم المادّي. وأدّى الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا في جميع جوانب الحياة إلى جعل الولايات المتحدة عُرضة للإرهاب السيبراني، وهو مصدر قلق متزايد بين خبراء الأمن.

في مقال نشرته “مجلة المجلس الأطلسي Atlantic Council”، وهو مركز فكر أميركي تأسّس في عام 1961 يركّز على تعزيز القيادة البنّاءة في مواجهة التحدّيات العالمية، يعتبر الباحث أنّ الدعم العسكري والسياسي والدبلوماسي الذي تقدّمه الولايات المتحدة لإسرائيل، إلى جانب تصوّر التواطؤ الأميركي مع تصرّفات إسرائيل، يساهم في فكرة أنّها مسؤولة بشكل مباشر عن موت ومعاناة الفلسطينيين ويزيد من احتمال وقوع هجمات إرهابية ضدّها. كما أنّ المشاعر المعادية لأميركا لا تقتصر على الشرق الأوسط، بل يتردّد صداها عالمياً، وتؤثّر على المجتمعات المسلمة والمتعاطفين مع الفلسطينيين في جميع أنحاء العالم. في الأشهر الأخيرة، أصبحت الجامعات الأميركية بؤراً ساخنة للصراع المكثّف يديرها الطلاب، وهو ما يعكس الاستقطاب العميق داخل الولايات المتحدة بشأن الهجوم الإسرائيلي على غزة وهجوم 7 أكتوبر 2023 ويسلّط الضوء على الانقسامات العاطفية والأيديولوجية العميقة المحيطة بهذه الأحداث. يضاف إلى ذلك تدخّل الجهاديين السلفيين تدريجياً في الصراع وتشجيعهم أتباعهم على تبنّي القضية الفلسطينية. تؤكّد اتصالات داعش، بما في ذلك الرسوم البيانية التوضيحية ورسالة صوتية من المتحدّث باسمها أبي حذيفة الأنصاري، أنّه يجب النظر إلى الصراع باعتباره حرباً دينية عالمية وليس حرباً إقليمية. وهم يدعون إلى شنّ هجمات عشوائية على اليهود في جميع أنحاء العالم، وتشجيع استخدام أيّ وسيلة ضرورية، بما في ذلك الطعن وإطلاق النار والاعتداءات بالمركبات.

توسّع الإرهاب جغرافيّاً… وضعف السلطات أمامه

اليوم، بحسب الباحث، لم تعد الحملة العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة والمعروفة باسم “الحرب العالمية على الإرهاب” هي المحور الأساسي للخطاب الأمنيّ العالمي. بدلاً من ذلك هناك شعور متزايد بالتعب من جهود مكافحة الإرهاب المطوّلة التي يبذلها الغرب. وبعدما كان التركيز على نقاط ساخنة رئيسية مثل أفغانستان والعراق والشرق الأوسط الأوسع، توسّعت التهديدات جغرافياً. فصعود جماعات مثل داعش في سوريا والعراق، وبوكو حرام في نيجيريا، وحركة الشباب في الصومال، توضّح كيف انتشر الإرهاب خارج معاقله التقليدية. تكيّفت هذه الجماعات مع ضغوط الجهود العالمية لمكافحة الإرهاب من خلال استغلال ضعف الحكم، والانقسامات المجتمعية، وعدم الاستقرار الاقتصادي في مناطقها. وهو ما يزيد من صعوبة مكافحتها بالوسائل العسكرية التقليدية.

على عكس السنوات الأولى للحرب العالمية على الإرهاب، عندما كان يمكن تحديد أهداف واضحة وتحييدها، أصبحت التهديدات اليوم أكثر غموضاً وأكثر رسوخاً في الصراعات المحلّية. والتراجع النسبي لمكافحة الإرهاب كأولوية قصوى للغرب سببه عودة المنافسة بين القوى العظمى، وتحديداً صعود الصين وطموحات روسيا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.