أزمة حتميّة لـ”الاعتدال العربيّ” مع أيّ رئيس أميركيّ مقبل!

52

بقلم عماد الدين أديب

«أساس ميديا»

بصرف النظر عمّن يفوز، دونالد ترامب أم جو بايدن، وسواء تنازل بايدن وترشّحت كامالا هاريس أو اعتذرت هاريس وجاء حاكم ولاية كاليفورنيا أو اعتذر الجميع وجاءت ميشيل أوباما، فإنّ مشروع الدولتين غير مطروح، والغزل مع إيران آتٍ لا ريب فيه! هذا كلّه يضع علاقة دول الاعتدال العربي مع الإدارة الأميركية الجديدة في أزمة مفتوحة لسنوات مقبلة.

مؤتمر الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة الأميركية يؤيّد إسرائيل، والكنيست يرفض حلّ الدولتين ولا تعليق أميركياً. وواشنطن تتهيّأ للترحيب السياسي بخطاب بنيامين نتنياهو أمام مجلسي الشيوخ والنواب.

كلّ ذلك يطرح أسئلة المليار دولار على دول الاعتدال العربي:

1- كيف ستتعامل هذه الدول مع إدارة غير راغبة وغير قادرة على حلّ الصراع العربي – الإسرائيلي، بل تشارك وتدعم جنون وحماقات ومجازر اليمين الإسرائيلي؟

2- كيف تطالب واشنطن الرياض بعلاقات سلمية مع إسرائيل في ظلّ سياسات مدمّرة لأيّ سلام؟

3- كيف ستكون هناك علاقات طيّبة وصفقات سلاح مع واشنطن وعلاقات مالية وتجارية مع واشنطن في ظلّ هذه السياسات؟

أسئلة روسيّة إلى وكلاء إيران

تعالوا نناقش الأسئلة أعلاه:

يحدث ذلك في وقت تؤكّد مصادر أمنيّة مطّلعة أنّ موسكو، من خلال زيارة الرئيس فلاديمير بوتين الأخيرة لكوريا الشمالية، فتحت خطّ تصدير أسلحة متقدّمة للغاية إلى إيران ووكلائها عبر قناة كوريّة شمالية – إيرانية. ومن هناك يتمّ توزيعها على الحرس الثوري الإيراني وأنصار إيران في اليمن ولبنان وسوريا والعراق وغزة.

أكّد المصدر أنّ تطوير مدى مسيّرة “صماد 3” الإيرانية التي أُطلقت من اليمن وانفجرت على بعد أمتار قليلة من السفارة الأميركية في تل أبيب هو إحدى نتائج هذا التعاون.

فسّر المصدر هذا الدور بأنّه رسالة من موسكو إلى واشنطن تفيد بأنّه لا يجب العبث بتسليح كييف بأسلحة نوعية جديدة وإلا فستواجه واشنطن ردّ فعل مضادّاً.

قال لي مسؤول أمنيّ عربي مطّلع على مسار العلاقات العربية مع واشنطن: “لو خسر بايدن فهذا ليس مكسباً للعرب. ولو خسر ترامب فهذا أيضاً ليس مكسباً للعرب. في الحالتين الاعتدال العربي سوف يخسر العلاقة والدور والزخم الأميركي”.

في حال فوز أيّ مرشّح من الحزبين فإنّ مصالح إسرائيل سوف تكون مؤمّنة وسوف تكون إسرائيل (من خلال الدعم السياسي المالي العسكري) في أحسن حالاتها.

في حال فاز ترامب فهناك حديث منذ عام عن حلّ سلمي يصل في أقصى حالاته إلى كفالة حقّ تقرير المصير. وإذا فاز بايدن أو مرشّح ديمقراطي آخر فسيكون هناك رفع لشعار حلّ الدولتين دون تنفيذه على أرض الواقع.

مصالح العرب.. ومخاوفهم

أزمة العلاقة الأميركية – العربية، وتحديداً العلاقة مع دول الاعتدال العربي ودول مجلس التعاون الخليجي + مصر + الأردن + المغرب، أنّ هذه الدول تسعى إلى الحفاظ على العلاقة الخاصة مع واشنطن من أجل:

1- استمرار على العلاقات التاريخية.

2- الحصول على الدعم السياسي والدور المؤثّر للسياسة الأميركية.

3- استقرار الدعم الأمنيّ والتسليح العسكري أفضل تسليح، واستمرار تدفّق قطع الغيار والصيانة والمناورات المشتركة.

4- الاستمرار بالارتباط بمنطقة الدولار الأميركي والتنسيق في شؤون الطاقة بين واشنطن وتكتّل “أوبك بلاس”.

5- الاستمرار بالتنسيق مع مجموعات (مجموعة العشرين ومشروع الممرّ الاقتصادي الذي تمّ إقراره في الهند).

أميركا في مكان آخر

… في حين يأتي كلّ ذلك في ظلّ ارتهان البيت الأبيض الجديد للنفوذ الكامل لإسرائيل، سواء كان الرئيس ديمقراطياً أو جمهورياً، وسواء كانت الأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب لأيّ من الحزبين… ولا يبدو في الأفق أيّ من الآتي:

1- غياب سياسة حازمة من واشنطن ضدّ الاستيطان السرطاني في أراضي الدولة الفلسطينية المفترضة.

2- لا خطوات تنفيذية عمليّة في مشروع حلّ الدولتين.

3- لا وجود لأيّ نوع من الضغوط على أيّ حكومة إسرائيلية من أجل إيقاف نهائي لإطلاق النار وانسحاب عسكري من غزة والضفة وفكّ الحصار الاقتصادي.

دول الاعتدال العربي فعلت كلّ شيء وأيّ شيء عاقل ومنطقي وتحاورت مع إدارة بايدن عشرات المرّات وتعاونت مع مبعوثيها في المنطقة (بيرتز، بلينكن، جيك سوليفان، أوستن)، كان بلا جدوى عمليّة في إيقاف الإبادة الجماعية، ولا جدوى في التأثير الأميركي الإيجابي على حكومة نتنياهو.

هنا برز السؤال: ماذا تفعل دول الاعتدال العربي إزاء مثل هذه المعضلة؟

يقول مصدر عربي شارك في اللجنة العربية التي شكّلتها القمّة العربية لعرض الملفّ العربي: “يصعب جداً الفصل الكامل بين السلوك الأميركي في الصراع العربي – الإسرائيلي وبين العلاقه الثنائية بين دول الاعتدال العربي والولايات المتحدة”.

هنا يتحدّث البعض عن زيادة في توجّه هذه الدول خلال الربع الأول من 2025 أكثر وأكثر نحو محور الشرق العالمي (الصين وروسيا والهند وتركيا وإيران وباكستان). ويتحدّثون أيضاً عن تأثير مثل هذا الموقف الصعب والدقيق على المشروع الأميركي لتسويق سلام وتطبيع إسرائيليَّين – سعوديَّين.

لا حلّ من دون “الدولتين”

كان موقف الرياض وما زال هو وجود علاقة ارتباط شرعي صريحة وشديدة الوضوح بين “مسار واضح محدّد وسقف زمني لمشروع الدولتين”. ومن دون تحقيق هذا المسار فإن الحديث عن أيّ سلام وعلاقات طبيعية هو وهم وعبث.

هناك تصوّر لم يتّضح بعد، وهو مرتبط بحالة فوز دونالد ترامب بالرئاسة، ويقوم على عودة الدور النشط لجاريد كوشنير، زوج ابنة الرئيس ترامب والوسيط النشط الذي حظي بقدر كبير من الثقة في فاعلية أدواره في ملفّ السلام العربي الإسرائيلي.

هناك أيضاً تساؤل كبير حول دور وموقف نائب الرئيس المرشّح فانس، في حال فوز ترامب، من ملفّ السلام في الشرق الأوسط. حيث يتردّد أنّ ترامب سوف يعهد إليه بدور كبير في هذا الملفّ.

باختصار يتعيّن على دول الاعتدال العربي أن تعدّ نفسها لإدارة أميركية مختلفة غير مقتنعة أو غير قادرة على تسويق مشروع الدولتين.

لو فاز ترامب فإنّ التصوّر السياسي في واشنطن هو تدعيم المستقبل السياسي لنائبه (39 سنة) كي يكون هو مرشّح الرئاسة في انتخابات 2028. وهناك احتمال إذا أثبت كفاءة ونال رضاء القوى النافذة في الحزب والمموّلين و”إيباك” والتيار الإنجيلي – الصهيوني، أن يكون مرشّحاً من 2028 إلى 2032.

لو فاز ترامب لا أحد يعلم ماذا سيفعل مع الرئيس الإصلاحي الجديد في إيران، مسعود بزكشيان، الذي يسعى إلى تسوية سياسية مع واشنطن ورفع العقوبات.

إنّه وضع يطرح علامات استفهام أكثر من طرحه إجابات. وينذر بمخاطر على الاعتدال العربي أكثر من الفوائد. ويدفع بهذه الدول شرقاً أكثر من اقترابها كما جرت العادة غرباً.

الاحتمال الأكيد أن يخسر الحزب الديمقراطي، سواء استمرّ بايدن أو جاء غيره. والاحتمال الأكيد أن يفوز ترامب ونائبه ويفوز مرشّحوه في مجلسي الشيوخ والنواب. وفي جميع الأحوال وبصرف النظر عن حجم وتفاصيل ما سيتّضح في تشرين الثاني المقبل، فإنّ الاعتدال العربي سوف يواجه حتماً أزمة في العلاقة مع واشنطن.

عماد الدين أديب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.