أحمد الشرع المتحول، يحكم سوريا بإرث الماضي وعلمنة الدولة

11

بقلم عبد الحميد الغبين

زيارة أحمد الشرع إلى السعودية ليست حدثًا دبلوماسيًّا عابرًا، بل تعكس صراعًا جيوسياسيًّا على شرعية النظام السوري الجديد في فضاءٍ ما بعد الثورة. فسوريا، التي شهدت تحولًا جذريًّا من نظام الأسد إلى نظامٍ تقوده شخصيةٌ مثيرة للجدل كالشرع، أصبحت ساحةً لاختبار قدرة القوى الإقليمية (مثل السعودية) على قراءة التحوُّلات الفكرية العميقة التي تُعيد تعريف الهُوية السورية، لا سيما بعد تحالف النظام السوري السابق مع إيران. هنا تتداخل العوامل الاجتماعية (تفكيك البنى الطائفية) مع السياسية (إعادة رسم التحالفات)، وفق رؤية السعودية لشرق أوسط “ما بعد الحروب” يرتكز على التنمية، كما في رؤية 2030.

السعودية وفك شفرة العقل الجمعي للقادة الجدد:

تسعى السعودية، عبر استضافتها للشرع، إلى تفكيك البنى الفكرية للنظام الجديد، الذي تشكَّل في مختبرات السجون العراقية، وتحوَّل من خطابٍ جهادي إلى خطابٍ “واقعي” يدعو للتعايش. هذا التحوُّل لا يقتصر على تغيير تحالفاتٍ سياسية، بل يعكس إعادة تشكيل الهُوية السورية من خلال:

– إعادة تعريف الشرعية: محاولة الشرع بناء شرعيته على أسسٍ جديدة (كـ”العدل والشورى”) بدلًا من الخطاب الطائفي أو الثوري.

-صراع الهُويات: تحوُّل الدين من أداةٍ عقائدية جامدة (كما في خطاب داعش) إلى إطارٍ مرنٍ لتسويغ التحالفات السياسية، مما يُنتج هويةً هجينة تتناسب مع الواقع الجيوسياسي الجديد.

رؤية 2030: من حروب الهُوية إلى اقتصاديات الاستقرار :

تعتمد السعودية على ربط استقرار الشرق الأوسط بتحوُّله إلى مركزٍ اقتصادي شبيه بأوروبا، وهو ما يتطلب نزع فتيل الصراعات الهُوياتية. ومن هنا تتم قراءة التحوُّلات الفكرية لقادة مثل الشرع، الذي يمثل نموذجًا لـ”الزعيم المتحول” من التطرف إلى البراغماتية. هنا تظهر إشكالية التوازن بين المصلحة (سحب سوريا من المحور الإيراني) و (الاعتراف بنظامٍ يحمل إرثًا إرهابيًّا).

سيكولوجيا التحول من “الجهادي” إلى “الرئيس التحول الوجودي: من السجن إلى القصر الرئاسي،

يُقدم صعود الشرع نموذجًا لـ”التناقض الوجودي” الذي حلله فيكتور فرانكل، فتجربة السجن (التي قضاها في العراق) حوَّلته من “جندي انتحاري” إلى “فيلسوف سلطة” عبر عملية إعادة تأهيلٍ نفسي-فكري. هذا التحوُّل يعكس:

– الاستبدال الرمزي: تحويل الألم الشخصي (التعذيب، العزلة) إلى سرديةٍ بطولية تُبرر السلطة.

– التلاعب بالهُوية: استخدام الخطاب الديني كأداةٍ مرنةٍ لتسويغ التحول من التطرف إلى الواقعية، عبر إعادة تفسير مفاهيم مثل “الجهاد” و”الولاء والبراء”.

التناقض بين الخطاب والممارسة: إدارة الانفصام النفسي:

يواجه الشرع أَزْمَة مصداقية، بسبب انفصامية خطابه: فتصريحاته الحالية عن “مدنية الدولة” تتناقض مع ماضيه كزعيمٍ لتنظيمٍ إرهابي. وفقًا لنظرية ليون فيستنغر حول التنافر المعرفي، يحاول الشرع تخفيف هذا التناقض عبر:

– إعادة صياغة السيرة الذاتية: تقديم نفسه كـ”ضحية الظروف” أو “الاستبداد الذي حكم سوريا”.

– توظيف الكاريزما: استخدام لغة الجسد الهادئة ونبرة الصوت الواثقة لخلق صورة “الزعيم المدني” الذي تجاوز ماضيه.

السعودية وسيكولوجيا الشك: قراءة ما وراء الخطاب:

تعي السعودية أن تحوُّل الشرع الفكري قد لا يكون جذريًّا، بل تكتيكيًّا لخدمة مصلحة الفكر السياسي الذي يقوده الأخوان المسلمين المتحالفين مع قطر وتركيا. هنا تبرز أهمية تحليل اللاوعي الجمعي للقادة السوريين، الذين يرون في تحالفهم مع السعودية محاولةً لـ”غسل” إرثه الدموي. وفقًا لـبيير بورديو، فإن السعودية تتعامل مع سوريا كـ”حقلٍ رمزي” تُعيد فيه توظيف الدين الوسطي المعتدل كأداةٍ لتجفيف منابع التطرف.

الهُوية كأداةٍ مرنة في سوق السياسة:

 تعكس زيارة الشرع تحولًا جوهريًّا في فهم القوى الإقليمية لديناميات الصراع: فلم تعد الحروب تُخاض بالسلاح فقط، بل باختراق العقل الجمعي وإعادة تشكيل الهُويات. الشرع، بتحوُّله من “هامش” التطرف إلى “مركز” السلطة، يجسّد مقولة مالك بن نبي: “الأفكار تُهزم بأفكارٍ أقوى… لا بالمدافع”. لكن التحدي الأكبر يبقى في تحويل هذه التحولات الفردية إلى مشاريعَ مجتمعيةٍ تمنع سوريا من العودة إلى مربع الدماء.

ملاحظة:

يتمتع ‫#ولي_العهد الأمير محمد بن سلمان بشخصية كارزمية مؤثرة وفلسفة السؤال، وقراءة الأشخاص والاستنباط وتحليل الشخصية التي أمامه، وبناء على ذلك سنعرف مستقبل الشرع وسوريا في الأيام القادمة.

عبد الحميد الغبين

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.