وريقة صغيرة من نتنياهو إلى بايدن: إلزاميّ واختياريّان!
بقلم جان عزيز
«أساس ميديا»
لم يتصرّف نتنياهو حيال الردّ الإيراني الصاروخي، كما لو أنّ ما حصل مجرّد تمثيلية، مثلما عمّم وروّج خصوم طهران.
ولم يقتنع بأنّ حصيلة ليل السبت الأحد، 13 – 14 نيسان، انتصار له ولكيانه، كما حاول إقناعه حليفه بايدن.
هكذا بدا نتنياهو أقرب إلى وجهة النظر الإيرانية من الأمور. ولذلك أسباب عدّة. لكنّ الأهمّ أنّ في عقل الرجل حسابات دقيقة، ولها نتائج وتداعيات. من جنوب لبنان إلى قلب إيران.
منذ زمن طويل يجد كيان نتنياهو ونظام الملالي الإيراني نفسيهما على تقاطعات تلاقٍ. والمفارقة أنّ ما يشبه “التحالف الموضوعي” بين ضدّين اثنين يتظهّر بكثافة في أشدّ حالات الخصومة أو العداء أو الحروب بينهما. هكذا كانت حال إسرائيل وإيران، منذ إسقاط صدام، إلى إبقاء بشّار، وما بينهما وما سبقهما من تشغيل قنوات خلفيّة.
لكنّ التقاطع الموضوعي بين نتنياهو وطهران هذه المرّة لن يكون في اتّجاه الحسابات الإيرانية. ولن يخدمها إطلاقاً. على عكس المرّات السابقة.
يقيم الرجل جردة سرّية في عقله لا شكّ، بين ما تحقّق وما أُصيب في ليل الصواريخ الإيرانية الطويل والطويلة. ويخلص في عمق تفكيره إلى أنّه سجّل نقاطاً كثيرة أكثر ممّا سُجّل ضدّه. ولكنّه لن يعترف بذلك. بل سيعلن العكس. ولهذا السلوك هدف لاحق.
يعرف نتنياهو غيباً كلّ نقاط مكاسبه السياسية. أنّه ربح وحدة من حوله في الداخل، وعطفاً على مضض وتضامناً إلزامياً في الخارج… إلى آخر ما تكرّر من معطيات منذ ستّة أيام.
لكنّ الأهمّ ما يقوم نتنياهو بجرده ميدانياً. وهو ما سيجعله يفكّر على الأرجح كالتالي:
1- ضربتُ أنا قنصلية إيران في دمشق بشكل مباغت. كما يفترض أبسطُ مبادئ منطق الحرب.
فيما ردَّ الملالي بعدما كادوا يبلغون دجيبوتي وموناكو، بموعد الضربة ومكانها. وهذا منطقُ ضعفٍ عسكري، وسياسي، ولو تمّت تغطيته بتكتكة سياسية لا غير.
2- ضربتُ أنا رأسَ الأخطبوط الإيراني في سوريا ولبنان. ومعه ثلّة من معاونيه.
فيما ردُّ الملالي اقتصر على جرح فتاة لحظة هرعها للاختباء. وأيّ مصادفة أن تكون الفتاة الجريحة من أبناء العشائر العربية، المنضوية في إسرائيل هويّة وانتماءً كاملين.
3- ضربتي أنا للقنصلية في دمشق، جاءت ضمن مسلسل طويل. بدأ في قلب طهران قبل عقدين، ولن يتوقّف في أيّ لحظة أو زمن، كما تعهّدتُ والتزمت.
فيما الردّ الإيراني استمرّ فعليّاً 12 دقيقة فقط. هي الغفلة الزمنية الدقيقة، التي فصلت بين إنذار الأقمار الاصطناعية باقتراب المقذوفات من المجال الجوّي للكيان تمهيداً لإسقاطها، وبين إعلان مسؤول إيراني من نيويورك، الأمميّة لكن الأميركية أيضاً، أنّ “المهمّة انتهت هنا”.
4- أخيراً أثبتت “ليلة الصواريخ الطويلة” أنّني ومن معي، قادرون على التصدّي والدفاع حتى تعطيل الهجوم الإيراني كلّياً. حتى ولو كان أكبر من 13 نيسان. فماذا لو قرّرتُ أنا ومن معي، الردَّ على إيران؟ فهل تقدر على تعطيل هجومنا، حتى ولو كان أقلّ بكثير؟ حتماً لا.
هذه معادلة تعرفها إيران. ويعرفها عالم العسكر والجيوش والحروب. فبوتين على سبيل المثال، ليلة قرّر اجتياح أوكرانيا، باغتها بنحو مئتي صاروخ فقط. علماً أنّ مساحة أوكرانيا تبلغ 23 ضعف مساحة إسرائيل.
ما يعني أنّني عطّلت ومن معي في 12 دقيقة ضعفَي هجوم روسيا العظمى. فهل يقدر الملالي على تعطيل عشره؟!
هذا ما عليهم إدراكه. أو أنّهم أدركوه… كما يفكّر نتنياهو.
5- أثبت ليل 13 نيسان لملك صهيون المعاصر، مدى هشاشة نظام الملالي على مستوى جهوزية مجتمعه الكلّي، لتقبّل حروبه ومواكبتها.
التلفزيون الإيرانيّ يستعين بحريق في أميركا اللاتينيّة
من الخطأ الطريف الذي ارتكبه التلفزيون الرسمي الإيراني، ببثّ شريط عن حريق في أميركا اللاتينية، على أنّه من ثمار الضربة الإيرانية على إسرائيل. إلى هتافات جماهير كرة القدم الإيرانية في ملاعب النظام، ضدّ دقيقة الصمت التي حاول الملالي فرضها قبل بدء كلّ مباراة، إكراماً لمن سقطوا في دمشق. وهي الهتافات التي أطاحت بفلسطين واستباحت رايتها هناك… إلى اجتياح الجمهور الإيراني لأحد ملاعب طهران وسحله قوى بوليس الآداب الخمينيّة، حين حاولوا توقيف لاعب كرة قدم احتضن فتاة تسلّلت إلى أرض الملعب. انتهاءً بآليّة “الدفاع المدني الإيراني” التي أغرقت المسؤولين على المنصّة الرسمية بمياهها خطأً، وهي تستعرض كفاءتها وهم منتشون بأمطارها في عرضٍ عسكري مهيب.
كلّ هذا استعرضه عقل نتنياهو الجهنّمي. ولا شكّ أنّ مجنون إسرائيل ووحشها الضاري، خلُص إلى تلك المحصّلة فجر الأحد. فابتسم في سرّه. ولم يقُل كلمة. لا عن نصرٍ ولا عن إنجاز. فالوقت ليس للاحتفال. بل للاستثمار.
وأوّل الاستثمار قوله للعالم: بلى ضُربنا وقُصفنا وأُصبنا. بلى نحن فعلاً مهدّدون بوجودنا، حتى يدفعَ الآخرون الأثمان التي نريدها.
وأهمّ الأثمان مطلوبة من أميركا بايدن، ما دام مقيماً حاليّاً في البيت الأبيض، ولأنّه أعلن رغبته بتجديد عقد إقامته فيه لسنوات أربع جديدة.
لكنّ نتنياهو واقعيّ في توحّشه. عقلاني في تغوّله. فهو لا يطلب المستحيل. ولا يسأل إلا ما يدرِك أنّه ممكن.
وُريقة نتنياهو
تشير المعطيات إلى أنّ الرجل سيرفع إلى بايدن وريقة صغيرة، تكفي لكلّ ما يريد. والكلّ المقصود موزّعٌ بين مطلبٍ إلزامي، ومطلبين اثنين يمكن الاختيار بينهما.
1- الإلزامي، هو النووي. وقد تكتفي وريقة نتنياهو بعبارة واحدة عنه. مجرّد تساؤل بسيط من بضع كلمات: تصوّر يا عزيزي جو، لو أنّ بين ما أطلقته إيران علينا ذاك السبت، رأساً نوويّاً!
سؤال كافٍ ليفهم بايدن والبيت الأبيض وكلّ منازل البيت الأميركي الواحد الكبير، أنّ ملفّ النووي الإيراني بات محسوماً ومختوماً بعد 13 نيسان 2024. ممنوعٌ على أيّ كان على وجه الأرض، التفكير لحظة بإيران نووية. ومطلوبٌ تجنيد العالم كلّه لهذا الهدف. من أمم متّحدة إلى وكالات أمميّة إلى دول ومؤسّسات. لقد بات أمام أنظار العالم نموذجٌ صارخ، لما يمكن أن يقدم الملالي عليه. فلا مزاح نوويّاً معهم بعد اليوم. بل لا بدّ من حظر كامل ونهائي وحتميّ.
2- يبقى المطلبان اللذان يمكن لبايدن الاختيار بينهما: رفح أم جنوب لبنان؟! استئصال “الحركة” هناك أو إضعاف جدّي لحزب إيران هنا؟!
لن يكون نتنياهو مستعجلاً في طلب الأجوبة. فمعه حتى تشرين الثاني المقبل. موعد استحقاق إيجار بايدن لبيته الأبيض.
فيما نتنياهو غير مستعجل. فعقد خلافته لبيغن وشامير وشارون، يجدّده كلّ يوم “بحبر” فلسطيني أحمر. فيما الإيرانيون والأميركيون يكتبون تعليقاتهم عليه، بأسود الحبر، أو النفط.
جان عزيز