هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

6

بقلم كلير شكر

«اساس ميديا»

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد الأميركي آموس هوكستين على بثّ الأجواء التفاؤليّة عن قرب بلوغ حافة الاتّفاق الأمنيّ الذي يوقف لغة الحديد والنار، لكنّ وقائع الأرض تشي بعكس ذلك من خلال تهديد العدوّ بالانتقال إلى المرحلة الثانية من التوغّل البرّيّ، مستفيداً من مرحلة “انعدام التوازن” الانتقالية بين أفول الإدارة الحالية وتسلّم الإدارة الجديدة التي يعمل الرئيس المنتخب دونالد ترامب على تشكيلها… كي يعزّز أوراقه التفاوضية ويراكمها إذا ما تمكّن من ذلك.

حتى الآن، يبدو أنّ التوصّل إلى وقف لإطلاق النار دونه الكثير من العقبات، ربّما أبرزها رفض لبنان بشكل مطلق السماح لإسرائيل التمتّع بحقّ التدخّل العسكري حين ترتئي ذلك، إنفاذاً لما جاء في التفاهم الجانبي المرافق لمسوّدة الاتفاق التي عرضها هوكستين على الحكومة الإسرائيلية في زيارته الأخيرة. وهو رفضٌ يلاقي أصداء إيجابية من بعض الدول العربية، وتحديداً مصر التي تعتبر أنّ هذا الضوء الأخضر هو خرق للسيادة اللبنانية لا يجوز السماح به، في تلاقٍ واضح مع ما يبلغه رئيس مجلس النواب نبيه بري لزوّاره لجهة رفض لبنان منح إسرائيل هذا الغطاء.

قمّة الرّياض ونافذة الأمل

بالتوازي، شكّلت القمّة العربية – الإسلامية التي نظّمتها السعودية نافذة يمكن التعويل عليها لانتظام عمليّ للمملكة العربية السعودية في الملف اللبناني، بعد انخراطها على نحو واسع في المجال الإنساني… فيما يبدو أنّ المرحلة الأميركية الانتقالية ستكون فرصة لمسارات تفاوضية جانبية ذات طابع عربي- أوروبي، من شأنها العمل على تذليل العقبات والعِقد التي تعرقل الحلّ النهائي.

عليه، يمكن تسجيل الملاحظات الآتية:

1- حملت مواقف وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بعد لقائه المسؤولين اللبنانيين رسائل عدّة، أبرزها رفض بلاده كسر أو استبعاد أيّ مكوّن لبناني، والمقصود هنا بطبيعة الحال المكوّن الشيعي. وهذا ما يعني حرص مصر على الخصوصية اللبنانية التي يضمنها اتفاق الطائف، وبالتالي العمل على تعزيز الاتفاق ليكون “ناظر” المرحلة التالية بمعزل عن نتائج التطوّرات العسكرية، وحماية موقع الطائفة الشيعية في التركيبة الدستورية والسياسية.

أمّا الفصل بين رئاسة الجمهورية ووقف إطلاق النار، بمعنى الدفع باتجاه إنجاز الرئاسة من دون أن يكون شرطاً لوقف إطلاق النار، ففي ذلك تمايز واضح عن السياسة الأميركية التي حاولت مع بداية الحرب تسريع عجلات الرئاسة كشرط لوقف العمليات العدائية.

الرّؤية المصريّة للحلّ

أمّا الأهمّ في ما حمله الوزير المصري، يتجلّى في رؤية بلاده لتنفيذ مندرجات القرار 1701. إذ فُهم من بعض من التقاهم أنّ مصر تحرص على تطبيق متوازن للقرار، بمعنى عدم التوسّع في “مسارات تفجيرية” كالتي يسبّبها القرار 1559. من هنا، يمكن القول إنّ المقاربة المصرية للملفّ لا تطمح إلى العمل على نزع سلاح الحزب، مع العلم أنّ الأصوات الداعية إلى الاستعانة بالقرار 1559 هي فقط لبنانية.

2- يجزم المتابعون لمجريات القمّة العربية – الإسلامية أنّ الرياض أظهرت سلوكاً جديداً في مقاربتها للملفّ اللبناني، ولو أنّ الشقّ الإنساني لا يزال يتقدّم على غيره، وهو ما عبّر عنه البند الـ32 من البيان الختامي، الذي تضمّن “الدعوة إلى مواصلة تقديم الدعم والمساعدات الإنسانية والإغاثية العاجلة للحكومة اللبنانية لمواجهة تداعيات العدوان الإسرائيلي، بما في ذلك مواجهة أزمة النازحين إلى أن يتمكّنوا من العودة إلى مناطقهم وتوفير مقوّمات العيش الكريم لهم، مع وجوب تطبيق إصلاحات تسمح للدول الشقيقة والصديقة للبنان بالمشاركة في دعم اقتصاده لمساعدة الشعب اللبناني على الخروج من أزمته المعيشية التي يواجهها”.

لكنّ تصدّر المملكة جبهة الدول العربية الداعمة للموقف اللبناني، فتلك مسألة مهمّة يمكن البناء عليها في المرحلة المقبلة، لكن لا تزال مشروطة بتطبيق الإصلاحات المطلوبة من لبنان.

3- تثير المرحلة الانتقالية بين تسليم وتسلّم البيت الأبيض مخاوف كثيرين من تصدّع البنية الوطنية اللبنانية إذا ما استمرّ العدوان الإسرائيلي وتعذّرت عودة اللبنانيين النازحين إلى قراهم وبلداتهم. ولهذا يُرجّح أن تتكثّف المشاورات الدبلوماسية، لا سيما على المستوى العربي – الأوروبي بحثاً عن معالجات وصياغات ترضي طرفي النزاع.

في الواقع، فرضت مجريات المنطقة ثلاثة مسارات تفاوضية: المحور الذي تقوده واشنطن المتخبّط راهناً بسبب تبدّل الإدارات، محور الخماسية العربية المتعثّر منذ اجتماع عمّان، والمسار الأوروبي (الفرنسي بالتحديد) – العربي (قطر ومصر)، الذي بإمكانه أن يواكب الحركة الأميركية في انتقالها من إدارة إلى ثانية… إلّا إذا تمكّن هوكستين من تحقيق “معجزة” ما.

كلير شكر

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.