هل تعلّمت إيران من تجربة الاتحاد السوفياتي؟
بقلم موفق حرب
«أساس ميديا»
التفوّق النوعي في التكنولوجيا العسكرية الذي شهدته العقود الأخيرة أجبر الدول التي تخوض نزاعات إقليمية إلى مراجعة استراتيجياتها الدفاعية، وأدّى إلى تراجع وسقوط أيديولوجيات. وهو ما دفع البعض إلى تبنّي طرق غير تقليدية في المواجهة واللجوء إلى وسائل غير متماثلة، منها الإرهاب لتحقيق الأهداف وحماية المصالح. الحروب اللوغاريتميّة والذكاء الاصطناعيّ أبرزا الهوّة الكبيرة بين الأسلحة المتاحة للمحور الذي تقوده إيران وبين الولايات المتحدة وإسرائيل.
توافر التقنيّات وسهولة الحصول عليها من قبل مجموعات وميليشيات “المقاومة” شجّعا هذه المجموعات المدعومة من دول محورية على المواجهة، من خلال الاستفادة من تقنيات عصرية متاحة لتطوير مسيّرات لأغراض عسكرية والقيام بعمليات سيبرانية من أجل التعويض عن تفوّق الخصم.
أثناء الحرب الباردة انتهج قطبا الحرب الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي سياسة التدمير المزدوج، فأطلقا سباق تسلّح نوويّ ردعيّ عبر إنتاج آلاف الصواريخ البالستية المزوّدة برؤوس نووية.
انتقلت الولايات المتحدة في عهد الرئيس الراحل رونالد ريغان إلى استراتيجية الدفاع النووي وأطلقت ما عرف بحرب النجوم. وهو ما جعل الترسانة النووية السوفياتية أقلّ فعّالية. وأجبرت الاتحاد السوفياتي على اللحاق بها. لكنّ كلفة تطوير برامج كهذه ضاعفت من المشاكل الاقتصادية لموسكو مسرِّعة من انهيار المنظومة الشيوعية وقضت على الانتشار الشيوعي في العالم.
ماذا عن العرب وإيران؟
خسرت الجيوش العربية النظامية جميع حروبها مع إسرائيل باستثناء حرب أكتوبر 1973 المباغتة. لكنّ السلاح الأميركي كان فاعلاً في حفاظ إسرائيل على التفوّق العسكري. وهو ما دفع الدول العربية للتخلّي عن محاولة هزيمة إسرائيل عسكرياً وتحرير الأراضي التي احتلّتها واللجوء إلى أساليب غير تقليدية ودعم منظّمات وحركات للاستمرار بمواجهة إسرائيل. وهذا ما دفع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد إلى التخلّي عن السعي إلى التوازن الاستراتيجي، خصوصاً بعد الهزيمة العسكرية السورية في لبنان إثر الاجتياح الإسرائيلي عام 1982. وفي العام نفسه سمح الأسد لإيران الثورة بإرسال أفراد من الحرس الثوري فاتحاً مرحلة من المواجهة المسلّحة مع إسرائيل، لكن بأدوات غير تقليدية.
أمّا الدول العربية وفي مقدَّمها مصر فقد وصلت إلى قناعة بأنّ المواجهة التقليدية مع إسرائيل أصبحت غير مجدية. فبعدما اختبر الرئيس الراحل أنور السادات الدعم الأميركي غير المحدود لإسرائيل في حرب أكتوبر 1973 دخل في معاهدة سلام مع إسرائيل.
البديل النّوويّ… والميليشيات
إيران التي ورثت دول ومجموعات الرفض ومواجهة الغرب والولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط قرّرت أن تواكب تطوّر التقنيّات العسكرية من أجل تحقيق التوازن فأطلقت برنامجها النووي وبرامج تطوير الصواريخ البالستية والمسيّرات، تزامناً مع نسج شبكة حماية من خلال أدوات وأذرع تسيطر على دول في المنطقة، لكنّها خارج المنظومة الدولية الشرعية.
بلغ الذروة هذا التوسّع الإيراني عبر الأذرع حتى قرّرت إسرائيل والولايات المتحدة أخيراً أن تواجه إيران مباشرة وتدفّعها ثمن أفعال حلفائها في المنطقة. وحين قرّرت إيران أن تردّ على إسرائيل انتقاماً لمقتل قادة من الحرس الثوري في دمشق، اكتشفت أنّ ترسانتها العسكرية التي طوّرتها خلال عقود لا تضاهي الأسلحة الإسرائيلية الغربية الصنع وتلك التي طوّرتها إسرائيل فجاءت نتائج الردّ الانتقامي الذي شنّته طهران مخيّبة للآمال.
من المؤكّد أنّ المؤسّسات العسكرية والأمنيّة الإيرانية في صدد مراجعة برامج تطوير الأسلحة بعدما أثبتت محدوديّتها وأنّ محاولة تحقيق توازن الردع مع إسرائيل بالطرق التقليدية مكلفة في ظلّ العقوبات الغربية على طهران والصعوبات الاقتصادية التي يعاني منها النظام.
تجنّب مصير الاتحاد السوفياتي
كما أنّ إدخال الذكاء الاصطناعي والحروب اللوغاريتمية في المواجهات الأخيرة سيجبر طهران على تعديل سياساتها أو ربّما تغييرها كلّياً إذا ما أرادت تجنّب مصير الاتحاد السوفياتي الذي سعى إلى اللحاق بالتطوّر الأميركي وحرب النجوم.
والمنطق ذاته ينسحب على الحزب الذي يعاني من التفوّق العسكري الإسرائيلي المعتمد على التكنولوجيا الحديثة. وتبدو أسلحة الحزب التي أعدّها للمواجهة تنتمي إلى حقبة من الحروب ولّى زمانها.
في الخلاصة، فإنّ مواجهة إيران لإسرائيل والغرب عبر الأدوات والأذرع لن تكون مجديةً بعد الآن، خصوصاً بعدما قرّرت هذه الدول مواجهة إيران مباشرة. أمام إيران إمّا أن تقوم بحركة إصلاحية داخلية جذرية تنسحب على سياستها الخارجية أو أن تبتكر أساليب جديدة لتوسيع نفوذها بعدما وصلت حروب الواسطة إلى حائط مسدود.
موفق حرب