هدى بركات.. “أجمل” روائيّة لبنانيّة في العالم

23

بقلم أيمن جزيني

«أساس ميديا»

فازت الروائية اللبنانية الفرنسية هدى بركات بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها التاسعة عشرة في فرع الآداب، عن روايتها “هند أو أجمل امرأة في العالم”، الصادرة عن دار الآداب عام 2024.

لئن كانت الأحداث والتواريخ والمحطّات المفصليّة في تاريخ لبنان وحاضره مصدر قلق وخطر ولاسْتِقْرار للّبنانيّين المقيمين في لبنان، ودافعاً للهجرة، فهي مصدر إلهام وإبداع للّبنانيّين المقيمين خارجه، وربّما دافع للعودة إليه وإن عبر الورق، وكأنّ المعادلة اللبنانية قد تكرّست على النحو التالي: قسم من اللبنانيين يعاني في لبنان، وقسم آخر منهم يكتب ما يعانيه القسم الأوّل، خارج لبنان، فينقل معاناة المقيمين إلى لغات العالم وأصقاعه كافّة، مساهماً في بناء لبنان الأدب والإبداع، لبنةً لبنةً، وروايةً رواية.

وطنان… واحد يُعاني وآخر يُبدع

وكأنّنا ننتمي إلى وطنَين، واحد مقيم وآخر مهاجر، واحد يعاني وآخر يبدع، وفي الحالين كلّ من الوطنَين يعاني: الأوّل على الطرقات وبين الجدران وفوق الربوع وخلف التلال والقمم، أي في رحاب الوطن، والأخير يعاني خلف الورق أو الشاشات وبين الأخبار، أي في رحاب المهجر.

هدى بركات استثناء ممّا سبق، فهي في الوطنَين تعاني باللحم الحيّ هنا، وبالحبر الحيّ هناك. ففي هذا السياق، بل في صلبه، تقع رواية هدى بركات الفائزة أخيراً بجائزة الشيخ زايد.

كما يوجد لبنانان أو بطلان خارج الرواية، توجد فيها بطلتان: هند أو أجمل امرأة في العالم، وشقيقتها هنادي. الأولى غائبة بسبب موتها بُعيد ولادتها، والثانية غائبة خارج الوطن بسبب موت من نوع آخر، موت الجمال.

كان يمكن أن تحمل الرواية عنوان “هنادي أبشع امرأة في العالم”، لكنّ بركات جعلت الغائب بطلاً والحاضر أيضاً.

أبعد من هذا، قد تكون الرواية مستمدّةً من سيرة بركات نفسها، وقد تكون مستمدّةً من سيرة الوطن، لبنان: الجميل مات، والبشع هاجر ليعاني بعيداً. وأمّا الأسباب فتبدأ من الحرب الأهليّة اللبنانية، وربّما لا تنتهي في انفجار المرفأ، مروراً بما حدث بينهما من وجود فلسطيني مسلّح، واجتياح إسرائيلي، إلى سلم أهليّ مهدّد، فحروب إسرائيلية لا تنتهي، واغتيالات، ونزوح سوري، وثورات… أبرزها ثورة تشرين.

في رواية بركات “هند أو أجمل امرأة في العالم”، لا يغيب تفصيل مهما بدا صغيراً وهامشيّاً في تاريخ لبنان في آخر نصف قرن إلّا ويحضر تلميحاً أو تصريحاً.

مرض “الأكروميغالي” الذي يصيب البطلة هنادي، والذي يشوّه وجهها وجسمها بسبب تضخّم العظام والمفاصل والأطراف، ويجعلها أكثر قبحاً، هو هو المرض الذي أصاب الوطن، لبنان، في مفاصله وعند أطرافه، وشوّه وجهه.

أحداث الرّواية

تدور الرواية حول سيرة هنادي، شقيقة هند، التي تلدها أمّها للتعويض عن وفاة ابنتها الجميلة هند. لكنّ هنادي هذه على نقيض شقيقتها، فهي وُلدت جميلةً مثلها لكنّها أصيبت بمرض “الأكروميغالي”، في سنّ المراهقة، وأدّى إلى تشوّه وجهها وجسمها بسبب تضخّم أطرافها وعظامها ومفاصلها. تحجبها أمّها عن الناس زاعمةً أنّها سفّرتها لتتابع دراستها خارج البلاد بينما تسجنها فعليّاً في سقيفة المطبخ. تهرب هنادي إلى بيت عمّتها في الجبل، والأخيرة ترسلها إلى فرنسا حيث تتعرّف إلى رشيد، المغاربيّ الأعرج، وتنشأ بينهما علاقة حبّ تنتهي بهروب هنادي منه بسبب سوء معاملته إيّاها.

ينتهي المطاف بهنادي، بعد رحلة طويلة تسردها بركات بالتفصيل واصفةً شخوصها، إلى العودة إلى لبنان، حيث تقضي في انفجار مرفأ بيروت عام 2000.

تحضر بقوّة ثنائية الجمال والقبح في الرواية، وإن كان حضور القباحة طاغياً من البطلة نفسها إلى نهر بيروت الملوّث الذي يعجّ بالنفايات. فالجميلة هند غائبة، والقبيحة هنادي حاضرة، ولبنان الجميل ولّى ربّما إلى غير رجعة، بينما لبنان البشاعة حاضر بقوّة في الرواية بأحداثه القبيحة كلّها.

إلى ذلك، يُسجّل غياب اللغة الشعريّة في الرواية، على عكس سابقاتها، وهو أسلوب اتّسمت به بركات في مختلف أعمالها، لكنّها تتخلّى عنه هنا من أجل اللغة الصحافية المتقشّفة والخالية من الألعاب البلاغية، وهذا تمرّد من بركات على أسلوبها المعروفة به منذ روايتها الأولى.

فارسة في الأدب والفنون

قد لا يكون مصادفةً أن تفوز بركات بجائزة الشيخ زايد، عشيّة إحياء الذكرى الخمسين لاندلاع الحرب الأهليّة اللبنانية. فبركات تناولت هذه الحرب في جلّ أعمالها الأدبية، منذ باكورتها “حجر الضحك” عام 1990، حتّى روايتها الأخيرة هذه.

هدى بركات روائية لبنانية وُلدت في بشرّي في لبنان، مطلع عام 1952، وانتقلت إلى بيروت حيث تابعت دراستها متخصّصة في الأدب الفرنسي في الجامعة اللبنانية. وبعد تخرّجها عام 1975، سافرت إلى فرنسا من أجل إكمال دراساتها العليا، لكنّها سرعان ما عادت عام 1976 بعد نشوب الحرب الأهليّة اللبنانيّة، وعملت في مجال التدريس والصحافة والترجمة، ثمّ عادت من جديد إلى باريس في عام 1989 واستقرّت هناك.

كتبت العديد من الروايات والمجموعات القصصية، وعاشت فترةً طويلةً في فرنسا. وعلى الرغم من إتقانها الفرنسية والإنكليزية، رفضت الكتابة بغير اللغة العربية، وتُرجمت مؤلّفاتها إلى الإنكليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والتركية.

أبرز رواياتها “حجر الضحك” (1990)، “أهل الهوى” (1993)، “حارث المياه” (2001)، “رسائل الغريبة” (2004)، “سيّدي وحبيبي” (2004)، “ملكوت هذه السماء” (2012)، و”بريد الليل” (2017).

ليست جائزة الشيخ زايد في فرع الآداب هي الجائزة الأولى التي تحصل عليها هدى بركات، إذ سبق أن فازت روايتها “بريد الليل” بجائزة البوكر عام 2019، وروايتها “حارث المياه” بجائزة نجيب محفوظ للأدب. هذا ومنحتها الحكومة الفرنسية عام 2002 رتبة الفارسة في الأدب والفنون، وعام 2008 وسام الاستحقاق.

أيمن جزيني

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.