نتن ياهو قلب الدوحة إلى دوخة

38

بقلم د. باسم عساف

جاءت عملية طوفان الأقصى المباغتة، من قبل المقاومة الفلسطينية، وأهمية نتائجها الإيجابية مباشرة على الأرض الغزاوية، قبل أي تأثير على المحافل الدولية الصهيونية، وقبل الصدمة الكبرى على الحكومة الإسرائيلية، ليكون ردٌّ فعلها الجنوني، بتشكيل الحكومة المصغَّرة العسكرية (الكابينت)، لتكون رأسَ حربَةٍ في الهجوم على قطاع غزة، بكل ما هو موجود لديهم من قوة، ومن مساندة كل البلدان التي تسيطر عليها الصهيونية، لتكون عوناً للجيش الإسرائيلي، بالتدمير والقصف والإبادة الجماعية لشعب غزة، مع تشريده من الشمال والوسط إلى الجنوب ورفح، حيث المجازر التي لم تشهدها ساحات الحروب العالمية، وبأبشع صورها التي لم توفر حتى الأطفال الخُدَّج في أسِرَّتها، وكل من يُشرف على معَالجتها، مع بقية مرضى المستشفيات ومخيمات إيواء النازحين ، وحتى مٌشرفي ومُتطوِّعي الأمم والمنظمات الدولية.

هل هو مجنون حقاً، أم خرج عن طوره لهول المصيبةعليه وعلى أقرانه، أم أن الحِقد الدَّفين في قلوبهم وأفكارهم، قد إنفجر ليتبين مدى تآمرهم على شعب فلسطين، وباقي العرب والمسلمين، لتكون هذه المشاهد قد أيقظت شعوب العالم، وقلبت نظر الرأي العام العالمي، ليرى الحقيقة على طبيعتها وعلى أرض الواقع، بعدما كانت تغذي أفكارهم بالأوهام والخيال المركب، من وسائل الصهيونية العالمية، بما يتوافق مع مؤامراتهم ومكائدهم لشعوب العالم، والإفتراء بمظلوميتهم بمحارق الهولوكست، ودَرِّ العطف على قضيتهم المركبة، بإقامة الوطن القومي اليهودي على أرض فلسطين، وإعادة بناء هيكل سليمان ودولة إسرائيل الكبرى.

إن عملية طوفان الأقصى لم تكن عمليةً مزاجيَّةً، لتبيان التفوق في القوة والرَّدِّ المُواجِه لأيِّ عمليةٍ أو إجتياحٍ آنِيّ، بل جاءت كردِّ فعلٍ طبيعِيٍّ على إجرام وإحتلال وإستبداد للشعب الفلسطيني عامةً، ولأبناء غزًّة خاصَّةً، إستمر على مدى عشرات السنين، ومنذ إستقدام اليهود من الشتات العالمي، بناء لمقررات مؤتمرهم الصهيوني الدولي، وذلك لأجل إستيطانهم في هذه الأرض المقدَّسة، بدلاً من أهلها، الأصيلين فيها على مدى مئآت السنين، حيث كانوا يعيشون بأمنٍ وسلامٍ، دونما التّطلع للإعتداء على الغير في الداخل والخارج، إلى أن جاءتهم تلك المُصيبة المدبَّرة دولياً وعربياً على حساب أرض وشعب فلسطين.

إن ردٌَة الفعل الهمجية، التي أثارها /نتن ياهو/ على الشعب الغزَّاوي والفلسطيني بشكلٍ عام، وليس على حماس والجهاد بشكل خاص، وهذا يعطي الدليلً على ما تُخبِّئُه حكومة إسرائيل من فصول الإبادة، التي بدأتها في: كفر قاسم ودير ياسين وغيرها، على مدى مائة عام من الزمن، وليس بعد طوفان الأقصى فقط حيث بيَّنت حقِيقتُهم وكَشفَت أقنِعتُهم وفضَحَت أكاذِيبهُم بأنَّهم يَسعون للسَّلام العالمي، وأمنِ وإطمئنانِ المنطقة وحٌجَّة إنمائها، التي إنطلت على بعض الدول المُحيطة والمٌجاوِرة، لتتسارِع وتتنافس فيما بينها، بالتّطبيع وأسالِيبِه وتوسُّعاتِه الشَّاملة والمُستمرَّة، رغم مرور أحَد عشَر شَهراً من الفظائِع والمشاهِد المقزِّزَة للنَّفس البشريَّة، والتي لا يتحمَّلهَا إنسانٌ عنده عقلٌ وضميرٌ، فكَيف بهؤلاءِ الذين يَمضون قدُماً، في التعنٌّت والتأكيد على التعامل الأخوي مع إسرائيل، والتخلِّي عن الأخُو؟َة الحَقيقيَّة مع شعبِ فلسطين المظلوم..

إن /وعود نتن ياهو/ بإستعادة الأسرى اليهود، مع القضاء على حماس والجهاد، والسَّيطرة الكامِلة على قطاع غزٌَة، وتأمين البديل لليوم التالي للحرب، بإقامة سلطة موالية لهم في غزة، هذه الوعود قد أطلقَها مع زيارة بايدن له في أرض فلسطين، عقب طوفان الأقصى، التي جاءت لإعطاء الدَّعم والمعنويات بعد الهزيمة النفسية، لكل صهيوني عالمي أو محلي، وقال نتن ياهو حينها: بأنه يطلب الدَّعم لمدة أسبوعين، ريثما يكون قد حرَّر الأسرى وقضى على حماس والجهاد، ومسح آثارهم (كما قال) وأعاد لغزة حياتها الطبيعية، فإستمهله بايدن وأعطاه الأمان بالدعم اللوجستي، عبر أسلحته بالدمار الشامل، وأساطيله الجويّة والبحريّة، وإمدادِه بعشرات المليارات من حساب الشعب الأميركي، للصندوق الحربي الإسرائيلي، لأجل أداء المهمَّة الإبادِيّة دون تردُّد.

إنتهت أيام الأسبوعين ولم يكن /نتن ياهو/ قد حقَّق أيِّ وعدٍ وأيِّ شرطٍ من شروط إنتصاره الفارغ، وطلب من بايدن بواسطة بلينكن وزير خارجيَّته أسبوعين آخرين، وهو الذي سكن في إسرائيل وتردَّد إلى باقي دول المنطقة، يرتجي منهم مساعدة الكيان الصهيوني، في القضاء على حماس والجهاد وفصائل المقاومة، بعد أن شهدوا بسالتهم والإستِماتَة بالدِّفاع عن أرضِهم وكرامَتهِم وشرفِ أعراضِهم، وبقُوا صامٍدين ثابتِين في أرضِهم، ولم يَأبهُوا لِما حصل لهم من القتل والتَّدمير والتَّشريد والحِصار، الذي لم يشهد التاريخ له مثيلاً له.

إستمرت الوعود وإستمَرَّ القتالُ ببسالةٍ من المقاومة، التي نجحَت في إستهداف العناصِر العسكرِيَّة وآلياتِها بشكل مُباشر، حتى وصل الأمر إلى الشَّرخ الحُكومي والعَسكريِّ لقوات الكِيان الصُّهيوني، والتي إستَكمَلت طلباتِها بالنٌجدَة من أميركا مجدداً، ومن كُلِّ بلدان الصهيونية، التي سارعت لدعمِها وإعانتِها، بكافَّة الأسلِحة الفتَّاكة والوسائل الحديثة، لتقضِيَ على المقاوِمين، وقد خُذِلت جميعٌها أمام الصُمود التاريخي، وبقي /نتن ياهو/ يصرُخ ويُنادي بالدعم، رغم كل إخفاقاته، والإنتقال من وعدٍ لآخر بالحسم، وإنهاء الوضع بغزَّة كيفما كان.

وكلَّما توصَّل المُتفاوضون إلى حلٍّ أو إتفاق، كان لهم /نتن ياهو/ بالمرصاد لتفشيله، حتى يتمٌَ له تحقيق ولو شعرة من نصرٍ، ليَبنِي عليها تنفيذَ وعودِه الخاوِيةِ على عُروشِها.

أحدَ عشَر شهراً من القِتال المُضنيّ والمُخزِيٌ لحكومَة/ نتِن ياهو/ المُتَطرٌِفة، التي تأتي كل يومٍ بما هُو جديدٍ، في فَنٌِ المَجازِر والإبادَة والتَّدمِير والتًّعذِيب للأسرى، مُقابِل حُسنِ التعامُلِ مع الأسرى اليَهود، في أماكن تواجدهم وحمايتهم من قصف أعوانهم، وقتل البعض منهم بنيران صديقه، لم تهزّ مشاعر أعضاء حكومتهم،ولو بِشعرةٍ من أذقانِهم التُلمودِيَّة، الذين يُمعِنون ضرباً بالكلام والتصاريح، والأعمَال الوحشِيّةِ لمُستَوطِنيهِم في كافٌَة المُدُن الفِلسطِينيَّة، وفي مُقدِّمَتها القُدسُ والأقصٰى الشريف.

كلما توصَّل المُتفاوِضِون الدَّولِيون والعرب، إلى الحلِّ المَطلوب، ورغم أنه قد جاء من بايدن، الذي تحوَّل إلى دُميَةٍ في أيدي الصَّهاينَة وهو يودِّع أيامَه الأخيرة، ويرتجي أن يُحقِّق آماله أمام شعبه وشعوب العالم، بأنه صَانِع السٌَلام، بعد أن طَمَس وغَرِق بلقب صانع الإبادَة والدَّمار الشَّامِل، فيأتي الحَلُّ الذي أطلقة، وقد حظِيَ على موافقة المُقاومة، تجنيباً لأهل غزة المَزيدَ من المآسِي والنكَبات، لينبَريَ المَعتوه /النتن ياهو/ لأجل التفشِيل وإضافَةِ شروطٍ جدِيدةٍ، وإستِحَالة تنفِيذِها، مع ثباتِ المقاومَةِ على حُقوق الشًّعب في تقرِير مَصيرِهم، وعلى الكرامَةِ التي إنتفَضٌوا لأجلِها، والمُحافَظة على إنتِصاراتِهم بالصُّمود والثَّبات، وتأمين عيشِهم الكريم لهم، ولأسراهم في السجون الصهيونية، التي لا تراعي حُرمة إنسانيٌَتِهم.

*رغم نِداءآت العالَم أجمَع، بما فيها الدول الصهيونية العالمية، بإعتماد الحلِّ الذي جاء به بايدن، والطلب من حكومة /نتن ياهو/ للإلتزام بوقف الحرب، والرُّكونِ إلى الحَلِّ.

ورغم المَسِيرات الشعبِيَّة في العالم، وفي الكِيان الصهيوني نفسِة، وضباط الأركان في جيشه، للدَّعوة إلى وقفِ الحربِ العبثيَّة وتأكيدِهم على عدَم تحقِيق النَّصر، أو أي تقدٌّمّ في المَيدان، وعدم الإستطاعَةِ بالقضاء على حماسٍ والمُقاوَمة، يبقى /النتن ياهو/ وأمثالَه المَجانِين الحاقِدِين، متشبِّسِين بفَظاظَة آرائِهِم التُلمودِيَّة بالقضاء على الشعب الفلسطيني، وربما شعُوب العالَم الحُرَّة لتنفِيذ مآربهِم بشتى الوَسائِل التَّدمِيريَّة للوصُول إلى غايَتِهم الجُهنَّميَّة، وهم يَعلَمٌون أن اليَوم التالي، من وقفِ الحرب، والإنتِهاء من الإتفاقِ سَيكون بذَهابِهم إلى المِشنقَة ومُحاكَمتِهم كمُجرِميٌِ حَرب، وعليه فهم يُفشِلونَ الإتٌِفاق ويُماطِلٌون به، علَّهم يَتخطٌُون مًرحَلة عهدِ بايدن، ومجيء غيرِه بالإنتِخابات الأمريكيَّة القادِمة، وعلَّهُم يُحقِّقون ولو قيدَ أنمُلةّ بإنتِصارٍ عَبر عمَلٍ إستخباراتِيٍّ كَما جَاء مع إغتيَال الشهيدِ إسماعيل هنية في إيران والشهيدين العاروري وشكر في بيروت.

وقد كانت المقاومَة على قَدرِ المَسؤولِيَّة، فسَحَبت البِساط الإستِخباراتيّ، وإستَكمَلت المَسيرَة بالقائِد السِّنوار، الذي يأتي مَجيئُهُ دَليلاً على إستِكمال المُواجَهَة بكُلِّ قوَّةٍٍ ومٍنعَةٍ وترابُطٍ، فتبقى الشُروطِ الحَماسِيٌَة، هي نفسُها في القاهِرة والدٌَوحَة، وثباتِهِم على قواعدِ القَضِيَّة بالحقُوقِ والواجِبَات، يٌقابِلُها غطرَسَة /نتن ياهو/ وتَخبُّطِه بالوُعُود والشُّروط والٌَلفٌِ والدَوران لتمرِيرِ الوقتِ وإبعَادِ الحُكمِ والقَضاء عليه، وهو يُراوِغ حتى على أعوانِهِ ليُحوٌِل عُقولَهُم بإتِّفاق الدَّوحَة، إلى مِزاجِيَّة شُعورِهِم بالدَّوخَة.

د. باسم عساف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.