منتدى أنطاليا: “الغايب يرفع إيدو”
بقلم د.سمير صالحة
«اساس ميديا»
كان “الردع الاستباقي” الإسرائيلي في مواجهة “الدبلوماسية الوقائية” التي نوقشت في منتدى أنطاليا التركيّة فيما البعض يتمسّك بلغة “الصبر الاستراتيجي”. من المهمّ تذكير إسرائيل بما تفعله في غزّة وجنوبيّ لبنان وسوريا بغطرسة واستعلاء، لكنّ الأهمّ هو البحث عمّن يدعمها ويسهّل لها مواصلة هذا التحدّي ويُحرج خطاب الدبلوماسية والحوار والتفاوض.
استضافت مدينة أنطاليا التركية المتوسطيّة النسخة الرابعة من منتدى أنطاليا الدبلوماسي تحت شعار “تبنّي الدبلوماسية في عالم منقسم”، بحضور مئات المشاركين من رؤساء دول وحكومات ووزراء خارجية وممثّلين عن منظّمات إقليمية ودولية، لمناقشة استراتيجيات وخطط معالجة مشاكلها بعيداً عن التأزّم والاصطفافات.
اردوغان: لا تسيئوا تفسير صبرنا
لم يكن وزير الخارجية التركي الأسبق مولود شاووش أوغلو يتوقّع وهو يهدي “منتدى الدبلوماسية العالمي” لأبناء مدينته أنطاليا عام 2021، أن يتحوّل المكان إلى خليّة نحل متعدّدة اللغات والثقافات والتوجّهات السياسية على هذا النحو. ربّما كان يهدف إلى ترتيب منصّات حوار سياسي ودبلوماسي انفتاحي، يتضمّن بعض فرص الترويج السياحي والثقافي وتوسيع رقعة الدبلوماسية الشعبية، لكنّ رسائل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان تركت الدبلوماسية جانباً وهو يخاطب إسرائيل التي تقود حرب إبادة في غزة وتتمسّك بجرّ المنطقة بأكملها إلى حروب واقتتال، قائلاً: “يجب أن لا يسيء أحد تفسير صبرنا، ويجب أن لا يدفع هدوؤنا البعض إلى رغبات خاطئة”.
يتمسّك البعض بتوليفة تفيد بأنّ انتهاء الأمور في سوريا يعود إلى توافقات وتقاسم نفوذ تركي – إسرائيلي يحقّق للجانبين ما يريدان على حساب بقيّة اللاعبين الإقليميين المؤثّرين في الملفّ. لماذا تلتحق أنقرة بسيناريو من هذا النوع؟ وهل يضمن لها تحقيق مصالحها بعد كلّ الجهد الذي بذلته في العامين الأخيرين للتقارب والانفتاح على العواصم العربية الفاعلة في المنطقة مثل السعوديّة ومصر والإمارات؟ وكيف ستقدم على خطوة بهذا الاتّجاه فيما يحمّل قادتها بنيامين نتنياهو مسؤوليّة التوتير في المنطقة ومحاولة جرّ الإقليم إلى حرب مدمّرة؟
تنظّم منصّات الحوار في أنطاليا نقاشات في فرص السلام الإقليمي، فيما إسرائيل تبحث عن المزيد من فرص التوغّل في لبنان وغزّة وسوريا تحت غطاء حماية أمنها القومي. كان لغزّة وسوريا النصيب الأوفر من نقاشات هذا العام. لذا على إسرائيل أن لا تسيء فهم “الصبر التركيّ”.
الملفّ السّوريّ يتصدّر الجلسات
يدخل الرئيس السوري أحمد الشرع برفقة زوجته القاعة وسط جيش من المصوّرين والحرس الرئاسي التركي. لم يعد هناك من يتذكّر علاقته بـ”هيئة تحرير الشام” من قريب أو بعيد.
يتصدّر الملفّ السوري الجلسات والمحادثات الجانبية، والرئيس التركي يعلن أنّ “أمن سوريا واستقرارها يشكّلان جزءاً لا يتجزّأ من أمن تركيا”، مؤكّداً أنّ
بلاده تعمل بتوافق مع جميع الأطراف، بما فيها الولايات المتّحدة وروسيا، لدفع المسار السياسي السوري على طريق بناء الدولة الجديدة.
يعرب الأمين العامّ لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط عن دعمه المدّعي العامّ للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان الذي التقاه على هامش المنتدى، بمواجهة الضغوط الكبيرة التي يتعرّض لها بسبب موقفه حيال ما يجري في غزّة. يقول: “محاولات إسرائيل، بدعم من بعض الدول، عرقلة جهود المحكمة تمثّل تهديداً خطيراً للنظام الدولي القائم على العدالة”.
يستعرض وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي تطوّرات المشهد في قطاع غزة، معلناً رفض مصر بشكل كامل أيّ تهجير للفلسطينيين من أراضيهم. وتحظى الخطّة المصرية المعروضة للحلّ في قطاع غزة بالدعم العربي والإسلامي والغربي.
منصّة عالميّة
صار منتدى أنطاليا منصّة عالمية غير رسمية تناقش القضايا الإقليمية والدولية للتركيز على بناء الجسور وكسر الجمود وتبادل الخبرات، بدءاً من العدوان الإسرائيلي على لبنان وسوريا وقطاع غزّة، فالحرب في أوكرانيا وتداعياتها، إلى التوتّر في إفريقيا والتغيّر المناخي والتحوّلات الجيوسياسية على خطّ أميركا – أوروبا. إنّه “نسخة تركيّة” معدّلة من “منتدى ميونيخ للأمن” أو “دافوس السياسات الخارجية”، لكن بروح انفتاحية على الشرق والجنوب، ولذا كان هناك حضور مكثّف لدول الشرق والجنوب.
سيكون هناك فائض في التحليل عند تحويل منتدى أنطاليا إلى ما يشبه “منتدى باندونغ معاصر”، لأنّه لا يسعى إلى فرض توازن جديد في حقل العلاقات الدولية. أسباب الغياب الإيراني والإسرائيلي عن المنتدى معروفة. لكنّ حجم ومستوى المشاركة الغربية هو اللافت هنا. في منتدى أنطاليا ينتظر الحضور الغرب منذ 4 سنوات، فلماذا يتهرّب أو يخفّض مستوى المشاركة؟ هل هذا التردّد دافعه التشكُّك في حياديّة المنتدى؟ أم لأنّه مبادرة لا ثقل ووزن فيها للغرب أمام الحضور المؤثّر للشرق؟ أم لأنّ البعض يزعجه اندفاع الشرق والجنوب إلى مبادرة تزيل احتكار الغرب والشمال لمثل هذه اللقاءات؟
أعلن مولود شاووش أوغلو عند انطلاق النسخة الأولى للمنتدى قبل 4 سنوات أنّ المبادرة تهدف إلى الدمج بين المبادئ الدبلوماسية التقليدية والأساليب المبتكرة. لكنّ المشهد قبل أيّام يقول إنّ منتدى أنطاليا تحوّل إلى “علامة دبلوماسية فارقة” تتقدّم باتّجاه العالميّة بصبر وتأنٍّ. لم يعد مساحة لطرح الأسئلة وحسب، بل تحوّل بحدّ ذاته إلى سؤال يقلق البعض في الغرب!
د.سمير صالحة
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.