مفاوضات مسقط: تفاؤل قد يقلبه نتنياهو

16

بقلم ابراهيم ريحان

«أساس ميديا»

لم تنتقل المفاوضات بين إيران والولايات المُتّحدة إلى نقطةٍ يُمكنُ البناء عليها للتفاؤل التّام أو للتّشاؤم. لكنّ تقاطعَ المصالح الإيرانيّة مع أميركا بقيادة دونالد ترامب قد يجعل من إنجاز الاتّفاقِ النّوويّ حاجةً لكِلا الجانبَيْن. لكنّ أحداً لم يتطرّق بعد إلى القدرة التي يمتلكها رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو على تخريب الاتّفاقِ وقلبِ الطّاولة بين طهران وواشنطن والذّهاب إلى ما هو أبعد من “خلافٍ تفاوضيّ” يبقى محصوراً في الإطار السّياسيّ والتّقنيّ.

يومَ السّبت المُقبل يبدأ الاختبار الجدّيّ للمفاوضات النّوويّة بين إيران والولايات المُتّحدة. إذ سيشهدُ، مبدئيّاً، اجتماعَيْن غير مباشرَيْن: الأوّل على مستوى الخبراء النوويّين وخبراء العقوبات. والثّاني على مستوى سياسيّ بين مبعوث الرّئيس الأميركيّ لشؤون الشّرق الأوسط ستيفن ويتكوف ووزير الخارجيّة الإيرانيّ عبّاس عراقتشي.

التّفاوض التّقنيّ..

بحسب معلومات “أساس” فإنّ المعاون السّياسيّ لوزير الخارجيّة الإيرانيّ مجيد روانتشي سيرأس الوفدَ التّقنيّ لبلادِه، فيما سيرأس مدير التخطيط السياسي في وزارة الخارجيّة الأميركيّة مايكل أنطون الوفد الأميركيّ.

الإطار الذي اتّفقَ عليه ويتكوف وعراقتشي في العاصمة الإيطاليّة روما وقبلها في العاصمة العُمانيّة مسقط، لا يعدو كونه إقراراً بـ”حسن النّوايا”، واعترافاً من الجانبَيْن بضرورة أن لا تحصل إيران على قنبلةٍ نوويّة.

تُدركُ طهران أنّه ليسَ لديها ترفُ الوقت للمناورة مع ترامب. ويُدركُ ترامب أيضاً أنّ إيران بحاجةٍ إلى اتّفاقٍ يحمي نظامها ويُخفّف من وطأة العقوبات القابضة على عنقها الاقتصاديّ. لكنّ واقعَ الحال يقول إنّ المحادثات التقنيّة ستكون الاختبار الحقيقيّ لمستوى التّفاؤل الإعلامي الصّادر من وفدَيْ أميركا وإيران.

يقول مصدرٌ أميركيّ مسؤول في البيت الأبيضِ لـ”أساس” إنّ الولايات المُتّحدة جادّةٌ في التّوصّل إلى اتّفاقٍ مع إيران، لكنّ الأساس الذي يعتمده الوفدُ المفاوض هو عدم تكرار تجربة اتّفاق 2015، وأن يكونَ الاتّفاقُ مُحصّناً داخليّاً في واشنطن وطهران، وإقليميّاً عبر مراعاة مخاوف حلفاء واشنطن الإقليميّين، وتحديداً دول الخليج العربيّ وإسرائيل.

نقاط التّفاوض الفنّيّ..

على عكس ما كانَ أُشيع، لم يطلب ويتكوف من الجانب الإيراني في جولتَيْ التفاوض تفكيك البرنامج النّوويّ، أو حتّى أجهزة الطّرد المركزيّ. بل اتّفقَ الجانبان على أن لا تصل إيران إلى عتبة الصّناعة النوويّة العسكريّة.

بكلامٍ آخر، سيبحثُ اجتماع الخبراء بشكلٍ أساسيّ النّقاط الآتية:

  • نسبة التّخصيب التي تستطيع إيران الوصول إليها في أقصى حدّ. إذ إنّ الطّاقة النووية السّلميّة تحتاج إلى كمّيات كبيرة من اليورانيوم على مستوى 3.67%، وكميّات محدودة على مستوى 20%.
  • مُعالجة كميّات اليورانيوم المُخصّب على مستوى 20% وأكثر، والذي باتَ لدى إيران مخزون يفوق بكثير ما ينصّ عليه اتّفاق 2015، تخطّى قسمٌ وازنٌ منها نسبة الـ60% (280 كلغ تقريباً)، وذلكَ بعدما رفعت طهران مستوى التخصيب ردّاً على انسحاب ترامب من اتّفاق 2015. وبحسب المعلومات كانَ روانتشي قد بحثَ مع الجانب الرّوسيّ قبل أسبوع من انطلاق المفاوضات بشكلٍ رسميّ إمكان أن يكونَ لموسكو وواشنطن دورٌ في استعمال هذا المخزون أو شرائه.

سيطرح الوفد الأميركيّ نقل مخزون اليورانيوم بنسبة 60% إلى روسيا لاستخدامه وقوداً نوويّاً. أمّا طهران فلا تُمانع دور موسكو، وإن كانت تُفضّل إبقاء هذا المخزون على أراضيها وتخزينه من دون استعماله بإشراف الوكالة الدّوليّة للطّاقة الذّريّة.

قد يطرح الوفد الأميركيّ أيضاً أن يتمَّ تخصيب اليورانيوم خارج الأراضي الإيرانيّة، أي في روسيا، عبر شركةٍ روسيّة – إيرانيّة. لكنّ الجانب الإيرانيّ لن يقبل بتخصيب نسبة الـ3.67% خارج أراضيه.

  • تحديد عدد أجهزة الطّرد المركزيّ التي تستطيع إيران تشغيلها بعد الاتّفاق. وبحث مصير أجهزة الطّرد المركزيّ التي شغّلتها طهران بعد انسحاب ترامب من الاتّفاق النّوويّ.
  • تحديد عدد المُفاعلات النّوويّة التي تنوي إيران تشييدها في المُستقبل. إذ إنّ وزير الخارجيّة الإيرانيّ استبقَ جولة التفاوض التّقنيّ برفع السّقف التفاوضيّ بقوله إنّ إيران تنوي تشييد 19 مفاعلاً نوويّاً للطّاقة في خطّتها على المدى الطّويل للبرنامج النّوويّ.
  • آليّة المُراقبة والتفتيش للمفاعلات النّوويّة، ودور واشنطن وموسكو والوكالة الدّوليّة للطّاقة الذّريّة في هذا الإطار. تكشف المصادر في هذا الشأن أنّ طهران ترفض أيّ دور رقابيّ على برنامجها النّوويّ إلّا عبر الوكالة الدّوليّة للطاقة الذّريّة.
  • مناقشة أيّ عقوبات ستُرفعُ في حال التّوصّل إلى اتّفاقٍ على النّقاط السّابقة، وفي مقدّمها إزالة العقوبات عن القطاع المصرفي الإيرانيّ وإعادة المصارف الإيرانيّة إلى نظام SWIFT للتّبادل المصرفيّ.

في حال توصَّلَ الوفدان التقنيّان إلى إطار مُتقدّم، قد نشهد يوم السّبت المُقبل أوّل جلسة مباشرة بين عراقتشي وويتكوف. إذ يريدُ الأميركيّون المُضيّ قُدماً في المفاوضات قبل مجيء ترامب إلى المنطقة منتصف الشهر المقبل، وقبلَ لقائه المُحتمل مع نظيره الرّوسيّ فلاديمير بوتين. وكانَ الجانب الأميركيّ أبلغ الجانب الإيرانيّ عبر الوساطة العُمانيّة أنّ ترامب جاهزٌ لزيارة سلطنة عُمان في جولته الشّرق أوسطيّة منتصف الشّهر المُقبل “للاحتفال بالاتّفاق إذا سهّل الإيرانيّون الاتّفاق”.

هل يقلب نتنياهو الطّاولة؟

وسطَ التفاؤل الحذرِ، برزَ عاملان يرسمان القلق الذي ينطوي بين سطور التفاوض:

  • الأوّل: تغريدة وزير الخارجيّة الإيرانيّ عبّاس عراقتشي التي حذّرَ فيها من لجوء إسرائيل إلى ما سمّاه نشرَ معلومات مُضلّلة حول منشآت إيرانيّة تعمل على تصنيع سلاحٍ نوويّ.
  • الثّاني والأهمّ: خطاب رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو مساء الأربعاء الماضي، والذي كانَ واضحاً في تهديده بضرب إيران.

المُشترك بين النّقطتَيْن هو الخشية من أن تُقدِم تل أبيب على عملٍ أمنيّ من شأنه عرقلة التفاوض بين طهران وواشنطن. إذ إنّ تغريدة عبّاس عراقتشي لم تأتِ من فراغ، بل جاءَت بعد عودته من العاصمة الصّينيّة بكّين، وقبلها من العاصمة الرّوسيّة موسكو. وهذا يشير إلى معلومات جدّيّة وصلت إلى طهران عن إمكان تحرُّك نتنياهو بمعزلٍ عن موقفِ ترامب.

الخطر في كلام نتنياهو هو قوله إنّ إيران تشكّل تهديداً وجوديّاً لإسرائيل وتهديداً مصيريّاً للبشريّة، وإضافته إليه: “إسرائيل لن تخسر، ولن تستسلم”. وهذا يشير إلى تباينٍ واضحٍ في الموقف مع إدارة ترامب، ليسَ فقط حول إيران، بل وغزّة أيضاً. وجاءَ خطاب نتنياهو التصعيدي حول إيران واستكمال الحربِ على غزّة بعد ساعات من اتّصال جمعه بترامب حول غزّة وإيران.

هل يُغرّد نتنياهو خارج سربِ ترامب ويقلب الطّاولة قبل مجيء الرّئيس الأميركيّ إلى المنطقة؟ أم كلامه للاستهلاك الدّاخليّ الإسرائيليّ في ظلّ أزمته الحكوميّة ومع المعارضة؟ لم يعُد من الصّعب توقّع ما قد يُقدِم عليه نتنياهو المُنتشي باغتيال قادة “الحزبِ” و”حماس”، والمحاصَر من قِبَل المعارضة، التي باتَ قادتها يزايدون عليه في ضربِ منشآت إيران النّوويّة.

ابراهيم ريحان

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.