مدى إمكانية انهيار الاتفاق الأولي مع صندوق النقد الدَّوْليّ؟ (2)
المحامي د. إبراهيم العرب
إنّ الموازنة التي أقرّت عام 2024 لم تلبِّ الطموحات المطلوبة دوليًا، حيث كان هنالك حاجة إلى بذل جهود أقوى لتعزيز المالية العامة؛ فلا تزال إدارة الضرائب تعاني من نقص التمويل، مما يعيق تحصيل الضرائب ويضع دافعي الضرائب في القطاع النظامي في وضع غير متساوٍ، إلى جانب عدم تَوفيرها لهم خدمات عامة أساسية وبرامج اجتماعية هم بأمس الحاجة إليها، وهذا ما يؤدي إلى تفاقم التهرب الضريبي ويؤثر سلبًا على تصورات العدالة الضريبية اللبنانية. وبالنظر إلى المستقبل، ومع الأخذ بعين الاعتبار النقص المحتمل في أي تمويل، ينبغي أن تقوم موازنة 2025 في استهداف العجز الصفري بواسطة إصلاحات مالية أكثر طموحًا، لاسيما لجهة زيادة تعزيز زيادة الإيرادات من خلال تعزيز الامتثال الضريبي وإعادة ترتيب أولويات الإنفاق الحالي لتلبية الاحتياجات الاجتماعية واحتياجات البنية التحتية الأساسية.
- عدم الالتزام بما اتفق عليه حول سعر الصرف
لم تلتزم السلطة اللبنانية بالاتفاق الأولي مع صندوق النقد الدَّوْليّ، لأنّ سعر الصرف عاد إلى التثبيت وفق قواعد السوق التي يتحكّم فيها مَصْرِف لبنان ويستعمل من أجلها الأدوات الضريبية.
- التلاعب بالقيود المتفق عليها مع الصندوق
ترى السلطة أن الكابيتال كونترول لم يعد لازمًا في ظل القيود التي تمارسها المصارف بتوجيه ورعاية مَصْرِف لبنان والحكومة، وهذا ما لا يتناسب مع توجهات مسؤولو صندوق النقد الدَّوْليّ.
- عدم إقرار تعديلات كافية لمكافحة جرائم تبييض الأموال
إن التعديلات المطلوبة من لبنان في سياق مكافحة الأموال تتم بشكل عادي، بعيدًا عما جرى الاتفاق عليه مع الصندوق.
- وجود محاولة إجراء تسوية لا يرتضيها الصندوق
هنالك محاولات لإجراء «تسوية» مع الصندوق تؤدي لإبقاء معظم المصارف على قيد الحياة، خلافًا لرغبات المسؤولين عن الصندوق الدَّوْليّ.
10.عدم الاهتمام بإعادة ودائع الدائنين الأجانب
هنالك عدم اهتمام من السلطة بإعادة جزء كبير من ودائع الدائنين الأجانب، الذين لا يقبل الصندوق بمعاملتهم بنفس الطريقة التي يُعامل بها الدائنين اللبنانيين.
- الخلاف الدائر بين فريق الصندوق والسلطة اللبنانية
«فريق الصندوق» على خلاف مع السلطة اللبنانية لأنه يعتبرهم جزء من الأزمة، لذا لن يتفاهم معهم حقيقةً إلا إذا أعادوا الانتظام إلى الوضع المالي اللبناني على مستوى العجز الثنائي(العجز في المالية العامة، العجز في الحساب الجاري)، وكرّسوا الشفافية المحاسبية في الميزانيات العامة والخاصة. لاسيما أن فريق الصندوق يركّز على ملَفّ توزيع الخسائر الذي هو أساسي بالنسبة إليه، لأنه يمهّد لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، ولإعادة لبنان إلى السوق الدولية، والاقتراض بالعملة الأجنبية.
- الخلاف المستحكم بين فريق المصارف وفريق الصندوق
إن فريق الصندوق، يختلف كذلك مع «فريق المصارف اللبنانية»، لجهة من يجب أن يتحمل «النسبة الأكبر من توزيع الخسائر»، أهي الدولة اللبنانية أم المصارف؟ فحزب المصارف يخشى أن تمحى أصوله، ويرغب بتحميل الدولة الأعباء الكبرى من الخسائر عند إقرار خطة التعافي المالي، كونها تمتلك برأيه العديد من المرافق والأملاك والشركات العامة، بما في ذلك أملاك مَصْرِف لبنان، والذهب وشركة الميدل إيست التي يرى أنها من بين الأصول التي يمكن استخدامها لسدّ الخسائر. ومن وجهة نظره، أن الدولة هي التي تسببت بالأزمة بسبب فساد سياسييها و«سوء إدارة القطاع العام» والنهب الحاصل في مؤسساتها، ولذلك فهي التي يجب أن تكون مسؤولة عن النسبة الأكبر.
في حين أن فريق صندوق النقد الدَّوْليّ لأنه يهدف لتأمين استرداد الأموال التي سيقرضها إلى لبنان، يرى بأن فريق المصارف هو الذي يجب أن يتحمل النسبة الأكبر من الخسائر وليس الدولة، التي يجب أن تبقى أصولها ضمانة مستقبلية له في حال تعثر الدولة عن سداد قيمة ما أقرضه لها. ولهذا السبب بالذات، لم يجرِ حتى الآن الاتفاق على كيفية معالجة موضوع إعادة جزء من ودائع المواطنين، وبقي هذا الأمر العائق الأساسي لإبرام الاتفاق النهائي مع الصندوق.
- فشل الطروحات البديلة لكيفية تسوية قضية الودائع
هنالك طروحات اليوم تهدف للتخلص من 80% من الودائع نفسها من خلال اقتراحات تتعلق بتحويل جزء منها من الدولار إلى الليرة، أو تحويل جزء منها من الدولار إلى أسهم في المصارف، أو تحويل جزء آخر إلى سند ب 0% فائدة على مدى 30 سنة، وبأقصى حد من أصل 91 مليار دولار ودائع بالعملات الأجنبية يجري التداول بإعادة ما بين 16 إلى 20 مليار دولار أي 20% منهم تقريبًا على مدى 15 سنة، لا بل وصل الأمر إلى أقل من ذلك بكثير، إلى حفنة مليارات فقط.
وفي تفاصيل ذلك، أنه عندما يتم تحويل جزء من الودائع من الدولار إلى الليرة، سيتم شطب ما يقابله من ميزانية مَصْرِف لبنان؛ وكلما يتمّ كذلك تحويل جزء من هذه الودائع بـ«الدولار» من ودائع مصرفية إلى أسهم في المصارف سيتم شطب هذه القيمة من ميزانية مَصْرِف لبنان، أي أن الذهنية لا زالت تدور حول أن الودائع هي عبء يجب التخلص منه، وهذا الأمر للأسف يوافق عليه من تحت الطاولة فريق صندوق النقد الدَّوْليّ لأن شأنه شأن أي دائن أجنبي، مصلحته الشخصية فوق كل اعتبار، ولا يمكنه أن يؤمّن استعادة قيمة الثلاث مليارات التي سيقرضها للدولة اللبنانية، إذا ما كانت أصول الدولة والمصارف اللبنانية ستعود برمتها للشعب.
في الخاتمة، نجد أن الوضع الحالي يتطلب تحقيق اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدَّوْليّ، الذي يُمكن أن يكون أساسًا لإعادة بناء اقتصاد لبنان المنهك؛ فلا يمكننا التساهل في هذا الأمر ولا التخلي عنه، لأن ذلك قد يؤدي إلى انهيار البلد وتفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية. ومع ذلك، يجب أن يكون الاتفاق مع صندوق النقد على أساس توافقي يحقق المصلحة العليا للوطن والمواطن اللبناني، لا مصالح خاصة داخلية أو حتى خارجية. ومن أجل ذلك، يتعين علينا الإسراع بإجراء الإصلاحات اللازمة والملحّة مثل إقرار قانون الكابيتال كونترول والتعديلات المطلوبة على قانون السرية المصرفية، كما يجب علينا إعادة هيكلة القطاع المالي والمصرفي، وضمان تحقيق معايير الحوكمة الدولية. علاوة على ذلك، ينبغي علينا أيضاً إنهاء الفراغ الرئاسي وانتخاب رئيس جمهورية جديد للبنان وضمان عودة المؤسسات الدستورية لعملها، لاسيما السلطتين الإجرائية والتشريعية، لتمكين البلاد من القيام بالإصلاحات الضرورية وتنفيذها بالمستوى الذي يطالب به الصندوق الدَّوْليّ.
وفي النهاية، فإننا ندعو الله أن يلهم مسؤولينا الحكمة اللازمة لاتخاذ الخطوات الصائبة التي تضع لبناننا على مسار الانتعاش الاقتصادي والمالي المستدام، لاسيما لجهة التوصل لرؤية وطنية موحّدة بين فريقي السلطة والمصارف والهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام حول الإصلاحات التي يطلبها الصندوق، والتي تُشكّل أساس التفاوض الحقيقي الذي يمكّننا فعلًا من إبرام الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدَّوْليّ.
د. إبراهيم العرب