مجلّة “تايم” للشّيخ طحنون بن زايد

49

نديم قطيش

اساس ميديا

يتجاوز اختيار الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، نائب حاكم أبوظبي ومستشار الأمن الوطني، ضمن قائمة مجلّة “تايم” لأكثر 100 شخصية مؤثّرة في مجال الذكاء الاصطناعي، كونه إنجازاً شخصياً لواحد من أبرز نخبة الخليج العربي الشابّة المنخرطة في لعبتَي الحُكم والاقتصاد. والأهمّ من ذلك، أنّه يوفّر لحظة جديدة تضعنا أمام تناقضات الشرق الأوسط التي تحدّد بالفعل طبيعة المشاريع المتصارعة فيه اليوم.

 

ليس الذكاء الاصطناعي بالنسبة للإمارات مجرّد تقدّم تقني، بل جزء لا يتجزّأ من استراتيجيتها الوطنية لتنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط، وتمكين الدولة من أن تصبح قوّة عالمية في مجال تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابيّة والـ “كوانتوم كومبيوتنغ” وصناعة الرقائق والـ بيو- تيك وغيرها، من المجالات. وفي هذه المجالات جميعها، برز الدور القيادي للشيخ طحنون من خلال عدد من الشركات الخاصّة مثل شركة “جي 42” الرائدة في المجال، والشراكات والمبادرات الحكومية الاستراتيجية على مستوى الدولة مثل إنشاء مجلس أبحاث التكنولوجيا المتقدّمة، تجسيداً لالتزام الإمارات بهذا المسار.

يعدّ إطلاق الإمارات لـ “جيس” وقبلها “فالكون”، وهما نموذجا ذكاء اصطناعي لغوي متقدّمان يركّزان على اللغة العربية، تمّ تطويرهما محلّياً بالشراكة مع روّاد دوليين في المجال مثل شركتي “سيريبراس” و”إنفيديا” الأميركيّتين، إشارةً إلى الموقع الذي تسعى أبوظبي إلى احتلاله في هذا السباق العالمي. والحال لا تسعى هذه الدولة الخليجية الصغيرة فقط، من خلال استثماراتها الضخمة، إلى توفير أدوات النموّ الوطني، بل تطمح إلى اكتساب موقع متقدّم في الأدوار القيادية الإقليمية ومساحات التعاون الدولي.

الصّراع بين رؤيتين

لا تنفصل هذه الرؤية عن طبيعة المشاريع المتصارعة في الشرق الأوسط. الصورة المقابلة لنموذج الإمارات، الذي تختصره التعليقات المغفّلة في ناطحات سحاب زجاجية فقط، هي صورة المدن المحطّمة في سوريا، واليمن، ولبنان والعراق وغزة، وأهوال الحروب والنزوح والدمار والانهيار الاقتصادي والتفكّك المجتمعي الصادرة منها وعنها.

في مقابل تصدير الميليشيات والأيديولوجيات الثورية، تعمّدت الإمارات أن تجعل من ابتكاراتها جسراً بين دول العالم العربي ودول الجنوب العالمي عامةً وبين تقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، من خلال إتاحة “جيس” و”فالكون” للجمهور كمصدرين مفتوحين. يسهّل ذلك على الدول، التي تفتقر إلى البنية التحتية والموارد اللازمة، الوصول إلى هاتين الأداتين وتوظيفهما في استراتيجيات الابتكار الخاصة بها. يعطي هذا المنحى فكرة عن الاستراتيجية الجيوسياسية الأوسع التي تنتهجها الإمارات لإعادة تعريف الأدوار القيادية الإقليمية، من خلال ربطها بالأدوات المبتكرة وفتح فضاءات التعاون بين الدول في مجالات تحسين الرعاية الصحّية، وتبسيط الإدارة، وتعزيز النموّ الاقتصادي، بدل حصر الأدوار الإقليمية بالقوّة العسكرية وأعمال الشغب والتخريب.

رسالة أمل

بهذا المعنى الواسع، يتجاوز إدراج اسم الشيخ طحنون بن زايد على قائمة “تايم” للشخصيات الدولية الأكثر تأثيراً في تشكيل مستقبل الذكاء الاصطناعي، مسألة التسويق لسمعة شخص أو دولة. إنّه ببساطة اختصار وتكثيف لخيارات الشرق الأوسط المتناقضة، بين إدارة الحروب أو إدارة المستقبل، بين إعادة الإعمار المملّة والمتكرّرة للمدن المحطّمة أو بناء شبكات تواصل مادّية، مثل سكك الحديد والموانئ والمطارات والربط الكهربائي والبنى التحتية للطاقة المتجدّدة، أو شبكات تواصل إلكترونية تبدأ بالذكاء الاصطناعي ولا تنتهي عند حدود اكتشاف الفضاء الخارجي. وربّما هذا ما يصنع الفارق بين رؤى تقتصر فقط على البقاء، وأخرى تتطلّع إلى صناعة غد أفضل. رؤى أسيرة التاريخ والجغرافيا وأخرى تسعى إلى إعادة تعريف التاريخ والجغرافيا.

إنّها رسالة أمل للشرق الأوسط برمّته وتذكير بالمستقبل الممكن للمنطقة التي يعاني جزء كبير منها من الحروب والدمار واليأس الاقتصادي، إن أحسن قادتها اختيار طريق الابتكار والتعاطف والرؤية الاستراتيجية التعاونية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.