لماذا أعلنت إسرائيل الحرب على البابا فرنسيس؟
بقلم محمد السماك
«أساس ميديا»
أطلقت إسرائيل حملة إعلامية على نطاق عالمي ضدّ البابا فرنسيس. تقوم الحملة على اتّهام البابا باللاساميّة وبالخروج عن المبادئ التي أقرّها المجمع الفاتيكاني الثاني في عام 1965 حول علاقة المسيحيين باليهوديّة.
تقوم الحملة الإسرائيلية ضدّ البابا فرنسيس ردّاً على تصريح له دعا فيه إلى إجراء تحقيق حول الحرب التي شنّتها إسرائيل على قطاع غزة والمستمرّة حتى اليوم، للتأكّد ممّا إذا كانت إسرائيل ارتكبت “جريمة إبادة جماعية” بحقّ سكّان القطاع.
لم يقُل البابا إنّ إسرائيل ارتكبت جريمة إبادة. كلّ ما قاله هو الدعوة إلى التحقيق في ما إذا كانت أعمال إسرائيل العسكرية في غزة يمكن تصنيفها بموجب المواثيق الدولية “جريمة إبادة جماعية”.
إسرائيل: هتلر فقط نفّذ “إبادة جماعيّة”
في الردّ الإسرائيلي على البابا أكّدت إسرائيل أن لا جريمة إبادة جماعية سوى تلك التي اقترفها هتلر بحقّ اليهود في نهاية الحرب العالمية الثانية، وإن وصف “الانتقام” الإسرائيلي من العملية العسكرية التي قامت بها حركة حماس في 7 أكتوبر (تشرين الأول 2023) بأنّه يمكن أن يكون عملية إبادة من شأنها أن تشوّه سمعة إسرائيل من جهة أولى، وأن تقلّل من فظاعة جريمة الإبادة التي تعرّض لها اليهود على يد النظام النازي من جهة ثانية. ثمّ إنّه يقارن بين النازية وإسرائيل من حيث ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية.
تتّهم إسرائيل البابا فرنسيس بأنّ في موقفه الذي يوحي فيه (ولا يتّهم) بأنّ جرائم إسرائيل في غزة تهبط إلى مستوى الإبادة الجماعية، خروجاً عن مقرّرات وثيقة “نوسترا إيتاتي Nostra Aetate”، التي صدرت عن المجمع الفاتيكاني في عام 1965.
“اليهود” صلبوا المسيح؟
كانت الكنيسة الكاثوليكية ممثّلة بالمرجعية الأولى الفاتيكان تقول بأنّ اليهود، جميع اليهود، مسؤولون عن جريمة صلب السيّد المسيح.
غير أنّ المجمع أعاد النظر في هذا الموقف الديني – المبدئي، وقرّر حصر الإدانة بأولئك الذين ارتكبوا جريمة الصلب. وقد فتح هذا الموقف الباب واسعاً أمام علاقات جديدة بين الديانتين المسيحية الكاثوليكية واليهودية. غير أنّ فئة من الكرادلة الذين كانوا أعضاء في المجمع الفاتيكاني الثاني عارضوا هذا القرار وبرّروا معارضتهم بأنّ العقيدة المسيحية تقوم في الأساس على حادثة جريمة الصلب، فكيف تبرّئ الكنيسة مرتكبي الجريمة المستمرّين على الإيمان بأنّ المسيح لم يكن المخلّص المنتظر، وأنّ هذا المخلّص لم يأتِ بعد. وشكّل المعارضون حركة احتجاجية داخل الكنيسة. لكنّ القرار بالتغيير اتُّخذ بأكثرية كبيرة واعتُبر منذ ذلك الوقت الأساس الذي تقوم عليه علاقات الكنيسة مع اليهوديّة.
من هنا اتّهام إسرائيل والإعلام الصهيوني العالمي للبابا فرنسيس بأنّه (في دعوته إلى التحقيق في ما إذا كانت إسرائيل قد ارتكبت جريمة ضدّ الإنسانية في غزة) خرج عن قرار المجمع الفاتيكاني الثاني يعيد طرح هذه العلاقة الجدلية من جديد.
التّمسّك بـ”الأخوّة الإنسانيّة”
لم يتنكّر البابا فرنسيس للمبادئ التي أقرّها المجمع الفاتيكاني الثاني بشأن العلاقة مع اليهوديّة. لكنّه أثبت تمسّكه بالأخوّة الإنسانية من خلال دعوته إلى المحافظة على حقّ الإنسان في الحياة، سواء كان في غزة أو في ميانمار، وسواء كان مسيحياً أو يهوديّاً أو مسلماً، أو أيّاً كانت طريقة إيمانه بالله.
فالأخوّة الإنسانية هي ضالّته، واحترام كرامة الإنسان وحقوقه كان الأساس الذي قامت عليه بابويّته. وهي مواقف سامية تترجم مقرّرات المجمع الفاتيكاني الثاني وتؤكّدها.
لم يتناول البابا فرنسيس اليهوديّة بكلمة، بل طلب التحقيق في الحرب الإسرائيلية على غزة بعد مرور أكثر من عام على جرائم القتل الجماعي التي تنتهك كرامة الإنسان وحقّه في الحياة، للتأكّد ممّا إذا كانت هذه الجرائم تقع في إطار الإبادة الجماعية بموجب القانون الدولي. وفي الحسابات الأخيرة ليست إدانة مجرم إدانة لدينه.
محمد السماك