لا لمحاربة المحكمة الجنائية الدولية
بقلم أونا أ. هاثاواي
«فورين أفيرز»
خلال الأسابيع الماضية شن المسؤولون الحكوميون الإسرائيليون حملة انتقادات شديدة على المحكمة الجنائية الدولية، إذ توقعوا أنها ستصدر مذكرات اعتقال في حق القادة الإسرائيليين بتهمة ارتكاب جرائم حرب مزعومة.
وأوضحت إسرائيل أنها تنوي مهاجمة المحكمة، عوضاً عن التعاون معها. ويعتقد كثيرون بأن الولايات المتحدة يجب أن تنضم إلى الإسرائيليين في هذا الجهد. في الواقع، في وقت سابق من هذا الشهر، وقع 12 سيناتوراً جمهورياً في مجلس الشيوخ رسالة يتوعدون فيها بالرد على المحكمة إذا مضت قدماً بالدعوى. وحذروا قائلين: “إذا استهدفتم إسرائيل فسنستهدفكم”، مهددين بفرض عقوبات على موظفي المحكمة الجنائية الدولية وشركائهم، وحتى أفراد أسرهم. وندد الرئيس الأميركي جو بايدن بقرار المحكمة الجنائية الدولية بملاحقة قادة إسرائيليين بتهمة ارتكاب جرائم حرب، ووصف طلب إصدار مذكرات الاعتقال بأنه “مشين”. وفي الـ21 من مايو، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ إن الإدارة ستنظر في مقترحات الجمهوريين للانتقام من المحكمة ثم “ستقرر الخطوات التالية”.
لكن مهاجمة المحكمة الجنائية الدولية ليست الطريقة الصحيحة للرد. وفي الحقيقة، لم تزعم إدارة بايدن أن الاتهامات لا أساس لها من الصحة، ولا يمكنها ذلك. لأشهر عدة، انتقدت الإدارة بشدة فشل حكومة نتنياهو في السماح بدخول ما يكفي من المساعدات إلى غزة. وفي وقت سابق من هذا الشهر، أصدرت تقريراً خلص إلى أن قوات الدفاع الإسرائيلية “استهدفت العاملين في المجال الإنساني والمرافق الإنسانية”، وأن تقارير “موثوقة متعددة” “أثارت تساؤلات حول امتثال إسرائيل بالتزاماتها القانونية بموجب [القانون الإنساني الدولي] والممارسات الفضلى للتخفيف من الأضرار التي تلحق بالمدنيين”.
إن فرض عقوبات على المحكمة ومسؤوليها من شأنه أن يبعث برسالة واضحة مفادها بأن التزام الولايات المتحدة بتحقيق العدالة الدولية لا يستند إلى المبادئ، بل هو سياسي بحت.
إن فرض عقوبات على موظفي المحكمة الجنائية الدولية من شأنه أن يقوض جهود واشنطن الرامية إلى محاسبة روسيا على جرائمها في أوكرانيا. في أعقاب الغزو الروسي، أصدر مجلس الشيوخ قراراً بقيادة السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، وبدعم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وصف المحكمة بأنها “محكمة دولية تسعى إلى الحفاظ على سيادة القانون، وخصوصاً في المناطق التي تفتقر إلى حكم القانون”. وفي عام 2023، سن تشريع لتعديل القانون الحالي مما سمح للولايات المتحدة بالمساعدة في التحقيقات والملاحقات القضائية في حق المواطنين الأجانب المرتبطين بالوضع في أوكرانيا. وأدى ذلك بدوره إلى مستويات غير مسبوقة من التعاون بين المحكمة الجنائية الدولية والولايات المتحدة، مما أسفر حتى الآن عن إصدار أربع مذكرات اعتقال، بما في ذلك واحدة في حق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه. ومن شأن العقوبات أيضاً أن تعرض للخطر التعاون في شأن المساءلة عن الجرائم في السودان مع اقتراب حدوث إبادة جماعية جديدة، فضلاً عن الجهود المتعلقة بحماية الشهود والقبض على الهاربين.
إن الانتقام من المحكمة الجنائية الدولية من شأنه أيضاً أن يشل قدرة الولايات المتحدة على تعزيز العدالة الدولية في مواقف أخرى في المستقبل. منذ فترة طويلة جعلت الولايات المتحدة الدفاع عن العدالة الجنائية العالمية عنصراً رئيساً في سياستها الخارجية، في الواقع إن السفيرة الأميركية المتجولة المكلفة بشؤون العدالة الجنائية الدولية بيث فان شاك، تسافر حول العالم لحث الدول على الوفاء بالتزاماتها القانونية الدولية وضمان محاسبة مرتكبي الجرائم الدولية. ستفقد هذه الجهود فعاليتها إذا نظر إلى الولايات المتحدة على أنها تدعم المساءلة الجنائية ضد خصومها الجيوسياسيين فحسب.
يذكر أن إظهار النفاق في الرد على عمل المحكمة الجنائية الدولية قد يزيد عزلة الولايات المتحدة على الساحة العالمية، في وقت تسعى جاهدة إلى كسب قلوب وعقول الناس والدول في جميع أنحاء العالم لدعم النظام الدولي القائم على القواعد. إن الجهد المطلوب لكسب النفوذ في الخارج لا يحتاج إلى إنشاء روابط اقتصادية أو عسكرية فعالة فحسب، بل يتطلب أيضاً إثبات أن الولايات المتحدة قادرة على الالتزام بالمبادئ التي تدعي أنها تدعمها، ومهاجمة المحكمة الجنائية الدولية تثبت العكس تماماً: فهي تظهر أن الولايات المتحدة تدعم العدالة العالمية عندما تنطبق على خصومها. ويشير هذا السلوك إلى أن التزام واشنطن بسيادة القانون يقتصر على مصلحتها الذاتية الواضحة والقصيرة المدى. ولا توجد طريقة أكثر فعالية لتقويض النظام القانوني العالمي.
أونا أ. هاثاواي
☆ أونا أ. هاثاواي هي أستاذة جيرارد سي وبيرنيس لاتروب سميث للقانون الدولي في كلية الحقوق بجامعة ييل، وهي باحثة غير مقيمة في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي. في الفترة الممتدة بين 2014 و2015، حصلت على إجازة للعمل كمستشارة خاصة للمستشار العام في وزارة الدفاع الأميركية.