قطاع التّمريض يَئِنّ.. ويتطوّع

?????????????????
17

بقلم رنا نجار
«أساس ميديا»
%60 من ممرّضي وممرّضات لبنان تركوا المهنة في الأعوام الأخيرة، بسبب انعدام الأمن الوظيفي، وعدم تحسين الرواتب بعد انهيار الليرة اللبنانية. %60 من أصل 20 ألفاً ومئتين. ثمّ هاجر 3,500 على مراحل، آخِرتها كانت بعد انفجار 4 آب 2020. فوصلنا اليوم إلى نقص في أعدادهم دفع المستشفيات إلى إعادة التوظيف، والنقابة إلى فتح باب التطوّع… لكن لم يتقدّم سوى 117 للالتحاق بالمستشفيات في الأيام الأخيرة.
ضاعف آلاف الممرّضين والممرّضات في لبنان جهوزيّتهم في مستشفيات ومستوصفات ومراكز صحّية على كلّ الأراضي اللبنانية استجابة لحالات الطوارئ القصوى التي دخلها لبنان منذ الأربعاء الماضي وحوادث تفجيرات الـpagers والهواتف اللاسلكية ثمّ العدوان الإسرائيلي في الجنوب اللبناني وضاحية بيروت الجنوبية.
هذا القطاع الذي يعتبر خطّ الدفاع الأول بدأ التحضير والمناورات وتوظيف ممرّضين جدد وتكثيف التدريبات لممرّضين متخرّجين حديثاً للاستجابة لآثار الحروب التي كانت متوقّعة على لبنان منذ ستّة شهور. وذلك بالتنسيق بين وزارة الصحة ونقابة الممرّضات والممرّضين ونقابة المستشفيات ونقابة الأطبّاء.
لكنّ ما لم يكن في الحسبان هو عدد النازحين من الجنوب والضاحية الجنوبية والبقاعين الغربي والأوسط إلى مراكز إيواء منتشرة في بيروت والشمال والجبل، الذي وصل إلى 52,900 نازح يتوزّعون على 360 مركز إيواء، بحسب وزير البيئة ورئيس خطّة الطوارئ ناصر ياسين.
هذه المراكز غير المجهّزة على الصعيد الصحّي والنظافة العامّة لأنّها مراكز للتعليم وليست للسكن: “نحتاج إلى ممرّضين وأطبّاء بين النازحين لمعالجة الحالات المستعصية، مثل مرضى السرطان والكلى وأمراض مزمنة أخرى”، بحسب تصريح نقيبة الممرّضين عبير سلامة لـ “أساس”.
3,500 ممرّض هاجروا بعد 4 آب
نقيبة الممرّضين عبير سلامة علامة تشكو من أنّ قطاع التمريض الذي لطالما تباهى به لبنان في أزمة اليوم. خصوصاً بعدما صدّر من كوادره أكثر من 3,500 ممرّض وممرّضة خلال الأزمة الاقتصادية وبعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020. هاجروا طلباً للرزق والأمان: “وبات القطاع في وضع لا يُحسد عليه. خصوصاً أنّنا في حرب شرسة ونستقبل أعداداً كبيرة لم نرَ مثلها من قبل”.
على الرغم من هذا يعمل القطاع التمريضي على قدم وساق (on disaster mode) ومجنّدٌ لخدمة الجرحى والمصابين، وهناك عدد كبير من العاملين ينام في مراكز العمل لأنّ بيوتهم في خطر أو في مناطق الصراع الخطرة أو هم نازحون من مناطقهم.
تلفت النقيبة إلى أنّ معاهد وكلّيات التمريض تخرّج سنوياً بين 2,000 و2,500 ممرّضة وممرّض يعملون في المدارس والجامعات ومراكز صحّية ومختبرات ومآوي العجّز وغيرها ممّا يُسمّى “العناية البيتية”. أمّا “العدد المسجّل في النقابة ككلّ فهو 20 ألفاً ومئتا ممرّضة وممرّض في لبنان، لكنّهم لا يعملون جميعهم على الأراضي اللبنانية، فإمّا سافروا وإمّا تركوا المهنة وإمّا انصرفوا إلى مهن أخرى بسبب الوضع الاقتصادي الصعب، لكن بحسب تقديرات النقابة فإنّ 60 في المئة من المسجّلين في النقابة غير عاملين على الأرض”.
لهذا خصّصت النقابة على موقعها الإلكتروني وصفحاتها على وسائل التواصل الاجتماعي رابطاً للتسجيل ليُصار إلى الاستفادة من الجهود وتوزيع المتطوّعين وفق الخطّة المحدّدة. إضافة إلى الترويج للموضوع عبر وسائل الإعلام المحلّية.
فتحت النقابة أمس الأوّل، ومن باب خطّة الطوارئ التي وضعها مجلس النقابة، باب التطوّع لجميع الممرّضات والممرّضين، خصوصاً غير العاملين، من أجل أداء مهامّ مساندة لزملائهم في المستشفيات ومراكز الرعاية الصحّية الأوّلية ومراكز الإيواء، ولتنفيذ برامج رعاية وإعادة تأهيل للنازحين والمرضى المصابين منذ أحداث الأسبوع الماضي. لكن لم يتقدّم سوى 117 ممرّضاً وممرّضة.
لكنّ سلامة تشكر العاملين على تفانيهم واندفاعتهم وقيامهم بعمل جبّار في إنقاذ الجرحى والمصابين. وتطمئن: “المستشفيات الآن تستطيع تدبير نفسها بالعدد الموجود لديها من الممرّضين، وهي في كامل جهوزيّتها الآن بالنسبة للممرّضين. لكنّها قد تحتاج إلى أعداد إضافية في حال تضاعف عدد المصابين والجرحى في الحرب”.
أين يمكن للمتطوّعين أن يساعدوا؟
أمّا التدخّل الذي يمكن أن يساعد به المتطوّعون في التمريض، فهو يُقسم إلى محاور عدّة:
– في المستشفيات في حال احتاجت إلى كوادر إضافية.
– في غرف الطوارئ والعمليات وتضميد الجرحى.
– وفي مراكز الإيواء للنازحين. حيث يعمل الممرّضون على التأهيل الصحّي والنظافيّ ومساندة المرضى والعجّز والأطفال صحّياً ونفسياً.
– وفي المستشفيات والمراكز الحكومية التي تتأهّل حالياً لتفتح أبوابها لاستقبال الجرحى.
– أو في البيوت حيث يحتاج الجرحى إلى متابعة يومية.
تلفت سلامة إلى أنّ الممرّضات والممرّضين مدرّبون أيضاً على إجراء المسح اللازم لحاجات النازحين في حال كانوا يعانون من أيّ أمراض معدية أو مزمنة، وبالتالي الاستجابة لذلك بالتنسيق مع هيئة الطوارئ ووزارة الصحّة. إضافة إلى حملات سيجريها هؤلاء الممرّضون في المناطق للتدريب على المحافظة على النظافة في أماكن مكتظّة لتجنّب الأمراض المعدية وإجراء نوع من دورات تثقيفية صحّية للأطفال والأمّهات.
مضاعفة الأعداد في المستشفيات
مديرة التمريض في مستشفى المشرق ريما الشدياق أكّدت لـ”أساس” أنّ نداء النقابة مهمّ وأنّ كلّ الممرّضين في المستشفيات على أهبة الاستعداد للالتحاق بأماكن عملهم كلّما نحتاج إليهم في مثل هذه الأوضاع الكارثية. ولفتت إلى أنّ “المستشفى عمل منذ ستّة شهور بالتنسيق مع وزارة الصحّة على التجهّز بالمعدّات والطاقم التمريضي. وأجرت الوزارة مناورتين للتأكّد من هذه الجهوزية العالية لاستقبال الجرحى والمصابين”. ومثل غيره من المستشفيات، ضاعف عدد الممرّضين، ووظّف في الفترة الأخيرة ممرّضين جدداً، و”قمنا بتدريبهم ليكونوا جاهزين لحالات الطوارئ وحالات الكوارث، كما أعددنا خطّة استراتيجية للمحافظة على الطاقم القديم”.
لكنّها لا تخفي أنّ “القطاع الطبّي والتمريضي والاستشفائي يعيش اليوم حالة من التوتّر والقلق جرّاء الغارات الإسرائيلية في كلّ لبنان وعدم الشعور بالأمان بسبب الحرب والخوف على عائلاته وأقاربه وأحبابه. هذه حالة أيّ إنسان اليوم في لبنان”. إنّما “موجات التضامن بين الممرّضين كانت لافتة واندفاعتهم للمساعدة كانت عظيمة ولا أحد منهم يقصّر بأيّ مهمّة توكل له ولو كان على حساب راحته”.
ختاماً تشير إلى “ممرّضين يعيشون في مناطق حسّاسة ومستهدفة مثل الضاحية أو صيدا، لكنّهم يرفضون حتى أخذ استراحة. لكنّ المستشفى بإدارة الدكتور أنطوان معلوف قرّر توفير منامة للممرّضين ومنامة للممرّضات ممّن يرغبون بذلك كي لا يخاطروا بحياتهم. كما وفّرنا سيارات لإيصالهم إلى أماكن إقامتهم في حال تأخّروا ليلاً”.
عيون الممرّضين والممرّضات.. وعائلاتهم
خلال جولتنا كانت الأخبار العاجلة تتوافد. الكلّ متأهّب. عيون متعبة لم تنم منذ الأسبوع الماضي حين فُجّرت أجهزة النداء (الـPagers) في وجوه الآلاف، فأوقعت قتلى وجرحى، وبعد الغارات الحربية على قرى الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية.
غارة على جون، قصف في كسروان، غارة على بعلبك الهرمل. كلّ ممرّض في قسم الطوارئ في مستشفى المشرق من منطقة. وغالبيّة تلك المناطق تقع تحت خطّ النار أو تركوا عائلاتهم هناك.
بسام كردي، المسؤول التنفيذي عن الممرّضين في مستشفى المشرق، هو ابن بعلبك. وتسكن عائلته في الضاحية. يحكي أنّ أموراً “لا يمكننا التهاون بها. عائلتي تحت الخطر لكنّها ليست جريحة. وأنا ممرّض ولديّ رسالة أن أكون على أهبة الاستعداد لمعالجة المرضى والوقوف إلى جانبهم حتى شفائهم”. ويضيف: “في النهاية التضامن قوّة في وقت الكوارث. الأسبوع الماضي كان أسوأ أسبوع يمرّ عليّ في حياتي نظراً لقساوة المشاهد التي رأيتها والإصابات في العيون واليدين والخاصرة. المناظر مرعبة. وعلى الرغم من كلّ شيء استطعنا الاستجابة للحالات وإنقاذ المرضى”. ويعترف: “هذا أثّر على نفسيّاتنا. لكنّ الحياة فيها المرّ وفيها الحلو”.
ينظر محمد هرموش، المقيم في بلدة جون التي قُصفت ظهر اليوم، إلى شاشة التلفاز. يحار ماذا يفعل: هل يترك قسم الطوارئ للاتصال بأهله أم يبقى مكانه؟ تطلب منه مديرته ريما الشدياق أن يسارع للاطمئنان عليهم. يداه ترتجفان.عيناه جاحظتان. لكنّ صوت أحد أفراد عائلته يطمئنه: “نحن بخير لا تخَف”. فاطمأنّ الجميع هنا.
يسرد محمد كيف سلك طريقاً خطرة من جون في قضاء الشوف مروراً بصيدا والجيّة والسعديّات التي ضربت ليلاً، إلى بيروت: “ما بخبّي عليك الوضع صعب وطبعاً نحنا بشر وأكيد متوتّر كتير لأن عيلتي بعيدة وتحت النار. بس بالنهاية في عندي مسؤولية وواجب وطني ولازم ما إتأخّر على المرضى وداويهم على أمل تخلص الحرب بسرعة”.
رنا نجار

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.