قبضة ترامب على المؤسّسات… هل تدفع الديمقراطيّين إلى الشّارع؟

29

بقلم موفق حرب

«أساس ميديا»

فاجأ دونالد ترامب العالم والأميركيين بفوزه الكاسح على المرشّحة الديمقراطية كامالا هاريس. لكن خارج الهموم المعيشية يبقى الانقسام كبيراً في المجتمع الأميركي حول عدد من الأمور الداخلية الخلافية. وهو ما ينذر باندلاع احتجاجات في بعض الولايات إذا ما قرّر الرئيس الجديد البدء بتطبيق أجندته المحلّية بشكل سريع وحاسم.  

 صحيح أنّ الولايات المتحدة نظام فدرالي وهناك خصوصية لكلّ ولاية، وهو ما ساهم في نشوء ما يعرف بالولايات الحاسمة والمتأرجحة، لكنّ النتائج بيّنت أنّ هناك أموراً ومشاعر تنسحب على معظم الناخبين وفي معظم الولايات. وهذا ما أكّدته نتائج الانتخابات من ولايات الشرق إلى ولايات الغرب. وكانت نتيجتها “الموجة الحمراء” التي أسقطت حصوناً ديمقراطية ليس فقط على مستوى الولايات بل وعلى مستوى المقاطعات داخل كلّ ولاية.

الديمقراطيّون إلى الشّارع؟

وحّدت الهموم المعيشية هواجس الناخب الأميركي، لكنّ أموراً كالدعوة إلى ترحيل الملايين من المهاجرين غير الشرعيين والمخاوف من إمكانية أن يلغي الجمهوريون قانون “أوباما للرعاية الصحّية” قد تشعل احتجاجات في بعض الولايات في عهد رئيس لن يتردّد في استعمال القوّة لوقف الاحتجاجات.

وقد بدأت بعض الولايات الديمقراطية، مثل ولاية كاليفورنيا، الاستعداد قانونياً لمواجهة قرارات قد يقدم عليها الرئيس ترامب. ومن المتوقّع أن يشتعل الجدل حول العلاقة بين الولايات والحكومة الفدرالية وحدود صلاحيّات كلّ منهما.

حين تمّ استطلاع الناخبين يوم الاقتراع بعد إدلائهم بأصواتهم في ما يعرف بـ”استطلاعات الخروج exit polls” (بعد خروج الناخبين من مراكز الاقتراع) تبيّن أنّ معظم الأميركيين يعتقدون بأنّ البلاد تسير في الاتّجاه الخاطئ، وأنّهم غاضبون. وهذا كان أوّل المؤشّرات إلى أنّ ترامب والحزب الجمهوري متّجهون إلى فوز كبير.

على المستوى الاقتصادي الأرقام الحالية جيّدة. لكن على المستوى المعيشي يعتقد أغلبية الأميركيين، وتحديداً الطبقة المتوسّطة، بأنّ أوضاعهم الاقتصادية تراجعت. وهذا ما أطاح بآمال الديمقراطيين في الاحتفاظ بالبيت الأبيض.

ماذا يعني أنّ البلاد تسير في الاتّجاه الخاطئ؟

كلّ السياسة في الولايات المتحدة محلّية. وهذا الشعار أطلقه رئيس مجلس النواب الأميركي الراحل تيب أونيل (All politics is local). يلخّص هذا القول فكرة أنّ نجاح السياسي يرتبط ارتباطاً مباشراً بقدرته على فهم ومعالجة قضايا وشواغل ناخبيه المحلّيين. وهذا ما فشل الديمقراطيون في معالجته.

يبقى سؤال الرئيس الأسبق رونالد ريغان في مناظرته مع الرئيس الأسبق جيمي كارتر الأكثر تأثيراً على الناخب الأميركي غير الراضي على أوضاعه المعيشية. وهذا السؤال يشكّل استراتيجية انتخابية لكلّ مرشّح يسعى إلى التغيير. وهذا بالفعل ما قام به ترامب.

عبارة “البلاد تسير في الاتّجاه الخاطئ” تعني أنّ السياسات أو القرارات الحالية المتّبعة من قبل إدارة بايدن لا تحقّق النتائج المرجوّة وتؤدّي إلى تدهور في مجالات الاقتصاد، الأمن، التعليم، الصحّة، وغيرها من الأمور التي تهمّ الناخب.

شعور الناس بأنّ البلاد تسير في الاتّجاه الخاطئ غالباً ما يدفعهم إلى البحث عن تغيير في القيادة. إدارة البلاد في السنوات الأربع الأخيرة كانت في عهدة الرئيس بايدن. واعتبر الناخبون أنّ كامالا هاريس هي امتداد لإدارة بايدن لكونها نائبته وشريكته في الحكم على الرغم من محاولتها النأي بنفسها عنها.

الامتحان بعد سنتين

الرئيس الجديد عليه أن يقنع الرأي العامّ الأميركي بأنّه صحّح المسار وإلّا فإنّ الانتخابات النصفية بعد سنتين ستكون فرصة لمعاقبة حزبه كما عوّدنا الناخب الأميركي في السابق.

فوز ترامب الكاسح واستعادة الجمهوريين للأغلبية في مجلس الشيوخ واحتفاظهم بالأكثرية في مجلس النواب ستخلق دينامية سياسية جديدة. كما لا يمكن تجاهل أنّ المحافظين يسيطرون على الأغلبية في المحكمة العليا. وهو ما يساعد على تقدّم الأجندة الجمهورية في حال نشوء جدل دستوري حول بعض القوانين والصلاحيّات.

يعتقد ترامب أنّه حصل على تفويض من قبل الشعب الأميركي يسمح له بتنفيذ أجندته المحلّية. قدرة الديمقراطيين على إيقافه ستكون محدودة. وهو ما سينقل المواجهة إلى حكّام الولايات الرافضة لقراراته. وفي بعض الأحيان قد تنتقل المعارضة إلى الشارع على شكل احتجاجات ومواجهات مع قوى تطبيق القانون. ومن المؤكّد أنّه سيكون للإعلام دور كبير في معارضة ترامب والتربّص به. وهو الذي لا يخفي ازدراءه للإعلام “الليبرالي” واستعداده لمعاقبة وسائل إعلام تنتقده إذا سمح له القانون بذلك.

عادة ما يحصل الرئيس الجديد على فترة سماح في الأشهر الأولى لتحقيق إنجازات وإشعار المواطن بأنّ الأمور تسير بالمسار الصحيح، وهي فترة تعرف عادةً بأنّها “شهر العسل”.

في ولايته الأولى كان شهر العسل مع ترامب الأقصر في تاريخ الولايات المتحدة.

واليوم الأميركيون والعالم بانتظار معرفة كيف سيتصرّف “ترامب الثاني”. هل يكون رئيساً يسعى إلى دخول التاريخ بسمعة طيّبة؟ أم رئيساً يريد الانتقام من خصومه وتصفية حسابات مع كلّ من عارضه ونال من سمعته؟

موفق حرب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.