فريدمان: ماذا يقول بيرنز لرئيس الاستخبارات الإيرانيّة؟

29

إيمان شمص
«أساس ميديا»
لماذا لا ترسل واشنطن مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بيل بيرنز للقاء نظيره الإيراني على أرض محايدة في مسقط، عاصمة عُمان، مع استراتيجية حقيقية للدبلوماسية القسرية في مواجهة إيران قد تنجح في تغيير سلوك نظام طهران؟
اقتراح تقدّم به الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان يتصوّر فيه سيناريو لحديث محتمل يتضمّن ما يمكن لبيرنز أن يقوله لرئيس الاستخبارات الإيرانية، والتالي هو نصّه:
تغيير السّلوك أو المخاطرة بالانهيار
“دعني أخبرك كيف تبدو بلادك من مقرّ وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية: بلادك مخترقة ومكشوفة ومعزولة.
لماذا مخترقة؟ لقد سمعنا أنّ أحدث النكات المتداولة في طهران هي أنّ زعيمك الأعلى مختبئ، وأنّ الإسرائيليين هم الوحيدون الذين يعرفون مكانه. الاستخبارات الإسرائيلية جيّدة للغاية، لكنّ السبب الوحيد الذي جعلها تخترق قيادتك وقيادة الحزب بعمق هو أنّ العديد من الشيعة الإيرانيين واللبنانيين يكرهون كلا النظامين ومستعدّون للتجسّس من أجل إسرائيل. لذا أنت لا تعرف اليوم عندما يتحدّث بعضكم مع بعض أو مع الحزب ما إذا كان الشخص الذي تتحدّث معه يعمل لإسرائيل أو من أجلك.
ولماذا بلادك مكشوفة؟ لقد أطلقتم من إيران ما يقرب من 500 صاروخ على إسرائيل منذ نيسان ولم تدمّروا هدفاً عسكرياً واحداً أو تقتلوا جندياً إسرائيلياً واحداً. ولست بحاجة إلى أن أخبركم أنّه في 19 من نيسان أدّت غارة جوّية إسرائيلية على إيران إلى إتلاف نظام دفاع جوّي من طراز إس-300 في قاعدة شكاري الجوّية الثامنة في أصفهان. لقد وردت أنباء عن أنّ إسرائيل نشرت طائرات بدون طيار وأطلقت صاروخاً واحداً على الأقلّ من طائرة حربية مزوّدة بتكنولوجيا التخفّي ولم يرها أحد قطّ.
وأخيراً أنتم في إيران معزولون. لقد ألحقت إسرائيل أضراراً بالغة بميليشيا الحزب ولم يعد يشكّل حماية لكم من الضربة الإسرائيلية على منشآتكم النووية. وألحقنا أضراراً جسيمة بميليشيا الحوثي في اليمن. لقد سئم الرئيس السوري بشار الأسد منكم ويريدكم خارج بلاده، وتبذل دول الخليج العربي كلّ ما في وسعها لإبعاد الأسد عن إيران. يكرهكم الحزب الشيعي العراقي الرئيسي بقيادة مقتدى الصدر بسبب سرقة نظامكم وميليشياتكم للكثير من عائدات النفط من العراق وجرّ وكلائكم العراقيين إلى معركتكم مع إسرائيل. تُظهر استطلاعات الرأي مدى عدم شعبية نظامكم في جميع أنحاء العالم العربي. حتى فلاديمير بوتين لا يريدكم أن تحصلوا على قنبلة نووية. إيران مسلّحة نووياً إلى الجنوب من أراضيه؟ هو ليس مجنوناً إلى هذا الحدّ.
لديكم خياران: إمّا تغيير سلوككم أو المخاطرة بالانهيار تحت وطأة تهوّركم. وعندما أقول “غيّروا سلوككم”، فإنّني أعني هذه المرّة شيئاً مختلفاً عمّا حدث عندما تفاوضنا معكم على الاتفاق النووي خلال إدارة أوباما. لقد ارتكبنا خطأ في ذلك الوقت. كنّا مهووسين بالحدّ من السلاح الذي لم يكن من المرجّح أن تستخدموه أبداً، القنبلة النووية، إذا كان بوسعكم حتى صنعها، بينما تجاهلنا السلاح الذي كنتم تستخدمونه كلّ يوم لتقويض مصالحنا ومصالح حلفائنا العرب ومعظم المواطنين في المنطقة الذين يتوقون إلى الاستقرار، إضافة إلى إسرائيل. وكان ذلك هو إمداد الميليشيات المسلّحة بصواريخ أكثر دقّة وأطول مدى في لبنان وغزة وسوريا واليمن والعراق. لقد شلّ وكلاؤكم تلك الدول من الداخل وهدّدوا إسرائيل وحلفاءنا العرب من الخارج.
لم نعد نلعب هذه اللعبة. إذا واصلتم استخدام ميليشياتكم الإقليمية لمهاجمة إسرائيل ودخلتم في مواجهة صاروخية بلا حدود مع تل أبيب، فإنّنا سنحمي الإسرائيليين، وستتعرّضون لضربة ساحقة. وإذا نفّذتم تهديدكم بمهاجمة حقول النفط السعودية أو الإماراتية لردعنا، أو إغلاق مضيق هرمز، فستُسحق صناعتكم النفطية. ولن يغفر لكم شعبكم. فلا عجب أن تخبرنا معلوماتنا الاستخبارية أنّكم مذعورون من ضربة إسرائيلية.
.. ترتيبات أمنيّة جماعيّة
لذا إليكم ما نقترحه:
– إنهاء الاستعمار الإيراني في لبنان والعراق وسوريا واليمن وغزة مقابل التزامنا بعدم إسقاط نظامكم.
– بل بدلاً من ذلك الانخراط معكم في بناء ترتيبات أمنيّة جماعية على مستوى المنطقة.
– تتراجعون، ونحن نتراجع، وإسرائيل تتراجع. ويتوقّف كلّ الهراء المتمثّل في رعاية الدول الفاشلة في لبنان واليمن وسوريا والعراق حتى تتمكّن شعوبها جميعاً من القتال والموت بينما تبتهجون بأمان من طهران.
نحن لسنا هنا لإذلالكم. يمكنكم أن تعتبروا أنّ اعتراف الشيطان الأكبر بإيران كجزء ضروري من أيّ نظام إقليمي للأمن الجماعي انتصاراً لنظامكم، لكنّ تسليح الحزب والحوثيين والميليشيات الشيعية في العراق انتهى. وإذا توقّفتم عن ذلك فسنجبر الإسرائيليين على الانسحاب من جنوب لبنان وغزة وسيحلّ الجيش اللبناني وقوة دولية ذات مصداقية محلّ الحزب وستحلّ قوّة حفظ سلام عربية محلّ حماس وسنشجّع إسرائيل أيضاً على الحدّ من أيّ ضربة انتقامية ضدّكم.
“وإلّا فأنتم وحدكم”.
خيار إيران: تغيير النّظام
يعتقد فريدمان أنّ وجود شرق أوسط سلميّ أفضل يتطلّب توضيح الخيارات للقيادة الدينية في إيران:
– استئناف المحادثات النووية وإنهاء تزويد وكلائها بالآلاف من الصواريخ والقدرة على البقاء في السلطة.
– أو نعطي إسرائيل كلّ سلاح في ترسانتنا التقليدية بما في ذلك القنابل الخارقة للتحصينات المصمّمة لتدمير منشآتهم النووية المدفونة على عمق كبير والقاذفات من طراز بي-2.
ينقل عن كريم سجادبور، الخبير في الشؤون الإيرانية في مؤسّسة كارنيغي للسلام الدولي، قوله إنّ “العداء المستمرّ للولايات المتحدة وإسرائيل أكثر أهمّية لبقاء النظام الإيراني من المصالحة أو الإصلاح. لكي تتغيّر هذه الديناميكية، يجب أن يواجه خامنئي قلقاً وجودياً يقنعه بأنّ المسار الحالي يهدّد بانهيار نظامه”. ويعتبر أنّ واشنطن قد تكون بحاجة إلى مواجهة إيران بتهديد حقيقي وساحق باستخدام القوّة، إلى جانب إيجاد مخرج دبلوماسي للخروج من المأزق، لكنّه يرى أنّ “هذا التهديد يتصدّى هذه المرّة للتهديد النووي الإيراني والسلوك الإقليمي. وبالتالي تتلخّص المهمّة في تغيير سلوك إيران. أمّا تغيير النظام فهذه مهمّة الشعب الإيراني”. ويعتقد أنّ “أفضل وسيلة لتخليص الإيرانيين من قبضة هذا النظام هي حرمانه من الأوكسجين الذي يوفّره الصراع الدائم مع إسرائيل وأميركا وكلّ الأعذار التي يقدّمها قادة إيران لتبرير عزلة شعبهم وإفقاره”.
خيار إسرائيل: التّمهيد لحلّ الدّولتين
يعتبر فريدمان أنّ واشنطن بحاجة أيضاً إلى تحسين خيارات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو:
– يجب ألّا ننخرط في العمل على جعل إسرائيل آمنة حتى تتمكّن حكومة متطرّفة دينياً من ضمّ الضفة الغربية.
– إذا واصلنا إمداد إسرائيل بالصواريخ وحتى إرسال أنظمة الصواريخ فعلى نتنياهو التخلّص من المستوطنين المجانين في حكومته، لتشكيل ائتلاف وحدة وطنية والدخول في محادثات بشأن حلّ الدولتين مع سلطة فلسطينية تمّ إصلاحها مع تشكيل حكومة تكنوقراطية جديدة بقيادة زعماء موثوق بهم مثل رئيس الوزراء السابق سلام فياض.
من شأن هذا الأمر، وفقاً لفريدمان، “أن يمهّد الطريق أمام الإمارات العربية المتحدة وغيرها من الدول العربية المعتدلة لنشر قواتها في غزة، ولتقوم السعودية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل وإبرام اتفاقية أمنيّة مع واشنطن”. لكن في رأيه “الأزمة في الشرق الأوسط لن تنتهي حتى تحدّد إسرائيل حدودها الشرقية وتعلن أنّ كلّ ما وراءها محجوز لدولة فلسطينية في الضفة الغربية، بمجرد أن يفي الفلسطينيون بالمتطلّبات الأمنيّة المشروعة التي تحتاج إليها إسرائيل لقبول حلّ الدولتين. وعلى إسرائيل الانسحاب من منطقة المستوطنات اليهودية وعدم ضمّ إسرائيل للضفة الغربية لأنّه يدمّر شرعيّتها كديمقراطية”.
خيار واشنطن: دبلوماسيّة خلّاقة وقسريّة
يخلص الى القول: “نحتاج اليوم إلى دبلوماسية أميركية خلّاقة وقسرية لوضع حدّ نهائي للمشاريع الاستعمارية المتبادلة لإسرائيل وإيران. هذا هو الشرط الضروري، لكنّه غير كافٍ لنزع فتيل الجنون في هذه المنطقة. لا تستطيع إسرائيل الانخراط في حرب صواريخ طويلة الأمد واسعة النطاق مع إيران. ولا تستطيع إيران الانخراط في حرب صاروخية واسعة النطاق مع إسرائيل لأنّ الولايات المتحدة وحلفاءها نفد صبرهم على مغامرتها المتهوّرة التي تزعزع استقرار المنطقة بأسرها”.
إيمان شمص

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.