شروق وغروب – بقلم خليل الخوري – لا… ليس ترَفاً
لسنا ندري ما إذا كانت المطالبة بأدنى حقوق الناس تدخل في باب الترَف وحتى الغنج في هذه الحقبة الظلامية التي يجتازها اللبنانيون في هذا الزمن الرديء. نعرف أن هناك حرباً قاسية على الحدود مع فلسطين المحتلة، وأنها مرشحة الى المزيد من القساوة. ونعرف أن حكومة تصريف الأعمال تصرّف ما تشاء ساعة تشاء، وتمنع عن التصريف أيضاً ساعة تشاء، أو من باب الدقة والصدقية، ساعة يُشاء لها أن تشاء من قِبَل أصحاب القرار والحل والربط. ونعرف أن أوضاع الخزانة العامّة يصيبها الخواء حيناً والملاءة أحياناً، وفق ما يتقرر في «قانون» المصالح (وما أدراك ما المصالح؟!.).
ولكننا نعرف أن ثمة مواطنين ينامون على طوى، وسواهم يعجزون عن القيام بأدنى تكاليف الحياة، وأن آخرين يموتون على أبواب المستشفيات، وأن حبل الأمن فالت على غاربه إذ لا يمر يوم من دون قتيل واثنين وثلاثة، وإن عاصمتنا الثانية التي نحب وفيها نشأنا ونهلنا العلم لم يعد فيها من الفيحاء شيء حتى فوح عطر زهر الليمون غاب الى لارجعة بعدما اندحر مهزوماً أمام عشوائية «حدائق» الإسمنت المغرقة في البشاعة. ونعرف أن أموال الناس وجنى أعمارهم يتنعم بها اللصوص والفاسدون أمام أعين اصحابها الذين باتوا فريسة العوَز. ونعرف أن الزعران في المواقع الرسمية وخارجها، وما أكثرهم لا يخافون الله فهل سيخافون أصحاب الحقوق في هذه الدنيا. ونعرف أن رئيس الحكومة وعد علناً وعلى رؤوس الأشهاد بتعديل سعر صرف الدولار المصرفي ابتداءً من آخر شهر ايار الماضي وها نحن نقترب من أواخر شهر تموز والكمّون لا يزال بالوعد، مثل الوعود السابقة، ونعرف أن الموازنة التي وصفها لنا بالتاريخية قضت بسحب آخر فلس من جيب الأرملة. ونعرف أن قضايا الناس ودعاواهم أمام المحاكم ليس يُعرف لها مصير مع حال قضائية مخزية. ونعرف أن الهجرة استنفدت شبان لبنان وشاباته من أصحاب التخصص والكفاءة والخبرة والمهارة. ونعرف أن طرقاتنا باتت مسالك للحوادث القاتلة، وأن البنى التحتية صارت مضرب مثل في الرداءة والانهيار. ونعرف أن شوارعنا كانت أكثر نظافة زمن مكنسة البلّان والقندول. ونعرف أن شواطئنا خلت من الرمال لتصبح مكبات للنفايات، وأن بحرنا (أو ما تركه لنا منه المعتدون عليه) بات مصيدة لقتل الفقراء الذين تسحبهم الأمواج وتقتلهم التيارات الهائجة فيما السلطات المعنية تبدو (بل هي هكذا) غائبة عن الوعي.
نعرف ونعرف ونعرف… و «هم» أيضا يعرفون… فهل نكون في سرحة ترَف إذا أثرنا هذه الأوضاع ورميناها في وجوه أركان هذا الجيل المجرم والفاسد من الذين يتحكمون بنا، سواء أكانوا في صلب المسؤولية الرسمية أم خارجها؟!.