شروق وغروب – بقلم خليل الخوري – عن الصحافة وكرامة المهنة

34

أعترف بأنني شديد التزمُّت في ما يتعلق بكرامة الصحافي وشرف المهنة وأخلاقها… وهذا مسار معروف عني على امتداد عقود طويلة وسأبقى عليه الى ما شاء الله(…). من هذا المنطلق لفتني التقرير الذي بثته قناة «الحرة» حول الاذاعية الأميركية التي عقدت مقابلة مع الرئيس الأميركي جو بايدن وطرحت عليه أسئلة بينها أربعة من أصل ثمانية أرسلها إليها، مسبقاً، البيت الأبيض لتطرحها على الرئيس بالطبع لأنه جرى تلقيمه الأجوبة كي لا يقع في «البهدلة» التي وقع فيها خلال المناظرة التلفزيونية الكارثية بينه وبين منافسه الرئاسي دونالد ترامب ما طرح، جدّياً، استبداله بنائبته أو بأي مرشح ديموقراطي آخر لخوض ما تبقى من أشهر أربعة في مشوار المعركة الرئاسية التي يبدو بايدن قد خسرها باكراً، لعلّ وعسى يمكن تدارك شيء… وما أن اكتُشِف الأمر حتى اعترفت المذيعة «الجريمة» التي ارتكبتها، وتم التوافق مع إدارة المحطة الإذاعية على أن تستقيل «فوراً». وشرحت مديرة الإذاعة الموقف الى قناة CNN معتبرة تصرف المذيعة «ينتهك ممارستنا المتمثلة في البقاء وسيلة إعلامية مستقلة ومسؤولة أمام مستمعينا ما يعرّض الثقة المتبادِلة بيننا وبينهم الى الخطر»!(…). واللافت أن التحرج والمهانة لم يُقتَصَرا على المذيعة وحدها، بل شملا أيضاً، الرئيس جو بايدن وفريق قيادة حملته الانتخابية الرئاسية اللذين لم يجدا ما يبرران به هذا الإرتكاب سوى الإدعاء بأن البيت الأبيض أرسل فعلاً الأسئلة المسبَقة، أما قرار طرحها عليه أو عدمه فيعود الى المذيعة، أي أن بايدن وفريقه تنصّلا من المسؤولية اللاأخلاقية وألقيا بها على الإعلامية، على حد ما نقلته وسائط الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي الأميركية العديدة التي قُيّضَ لي الإطلاع عليها في متابعتي هذه المسألة. وتلك ضربة موجعة للإعلامية التي خرقت قواعد الإعلام الكريم والنظيف، وتنكّر لها بايدن في اللحظة الحرجة.

ولعلّي أردت من تخصيص هذين «الشروق والغروب» لهذه المسألة بسبب أحوال إعلامنا اللبناني، وصحافتنا العريقة بالتحديد، وقد باتت أحوال هذين الإعلام والصحافة، عندنا، في الوضع الذي لا يحسدان عليه.

ولأن الشيء بالشيء يُذكر، أود أن أختم بطرفة كنت شاهداً عليها وخلاصتها أن زعيماً حزبياً لبنانياً كبيراً راحلاً كان يستعد لعقد مؤتمر صحافي في مناسبة حدث بارز الأهمية والخطورة، وأراد أن يتحدث في إحدى الجزئيات، ولكنه يريد أن يتفادى التطرق إليه بمبادرة منه، فاتصل، رحمه الله، بأحد الزملاء الصحافيين ورغب إليه أن يطرح عليه سؤالاً حول تلك الجزئية. وبعدما أنهى الزعيم الحزبي الكبير تلاوة بيانه أعطى حق الكلام للزملاء الإعلاميين ليطرحوا أسئلتهم، فرفع الحشد الأيدي لطرح الأسئلة، وكان حضورهم كبيراً، فجال الزعيم بنظره أماماً ثم الى يمين القاعة ومن ثَمّ الى يسارها، واختار أن يكون الزميل إياه مَن يطرح عليه السؤال الذي رغب إليه الزعيم في طرحه. وما إن أنهى الزميل السؤال، حتى اصطنع الزعيم الرسمَ على وجهه أمائر الاستغراب والتعجب وقال وكأنه يعاتب الزميل: ولو يا أستاذ(…) حتى أنت تطرح عليّ مثل هذا السؤال؟!. وأضاف: ولكن لا بأس، سأجيبك بالتفصيل.

khalilelkhoury@elshark.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.