شروق وغروب – بقلم خليل الخوري – العلاقة اللبنانية – السورية محكومة بحسن الجوار
أيّاً كانت نتائج زيارة رئيس الحكومة الى سوريا، أمس، فإن بين البلَدين الأقربين كمّاً كبيراً من المصالح المشتركة. وفي المقابل كمٌّ أكبرُ من القضايا العالقة معظمها أساسي وستراتيجي، تبدأ عند ترسيم الحدود البحرية، ولا تنتهي عند رفض سوريا (حتى الآن على الأقل) توجيه رسالة الى الأمم المتحدة تقر فيها بحق لبنان في مزارع وقرى يحتلها العدو الإسرائيلي منذ عقود، ما أدّى الى مشاكل وإشكالات وكوارث عانى منها لبنان، ما وفّر للاحتلال ذرائع معروفة.
الى هذه المسألة الحدودية الستراتيجية، ثمة قضايا أمنيّة كبرى بعضها تاريخي نجم عن عدم اعتراف الجانب السوري بلبنان البلد الحر السيد المستقل، وهو موقف تمسكت به الأنظمة السورية المتعاقبة التي لم توافق على تبادل التمثيل الديبلوماسي بين البلَدين بالرغم من الاختلاف الكبير في ما بينها على صعيد الإيديولوجيا وتركيبة كل نظام منها.
وإذ يُعترَف للنظام السوري السابق القبول بالتمثيل الديبلوماسي، فإنه أبقى عليه شكلياً وحسب، لأن دورَي السفارتين بقي شكلياً، وحتى العلاقات بين القيادتين الرسميتين بقيت شكلية لأن «عنجر» غازي كنعان ورستم غزالي كانت هي صاحبة القرار الفعلي في لبنان، من الناطور الى قمة الحكم اللبناني: هي التي تعين الوزراء، وهي التي «تعين» النواب بالانتخاب المشبوه! وهي التي تتدخل في تعيين السفراء والملحقين العسكريين أحياناً كثيرة (وأنا مطلع، شخصياً، على ثلاثة أمثلة في هذا الشأن)، إضافة الى أمثلة كثيرة لا تحصى ولا تُعَدّ. فكان وجود السفارة مجرّد حالٍ شكلية لا أكثر ولا أقلّ. طبعاً ساعد في هذا الأمر الخنوع والإنبطاح والتبعية غير المسبوقة من قبل الكثيرين في «الجماعة السياسية» الفاسدة حتى اللامعقول.
المهم أن هذه الظاهرة المعيبة سقطت تدريجاً منذ العام 2011، لتختفي مع قيام الحكم السوري الجديد الذي وعد رئيسه الموقت أحمد الشرع بأنه سيتعامل مع لبنان من دولة الى دولة… ومن أسف أن هذا الوعد أُصيب بغير انتكاسة في الأحداث التي توالت، منذ قيامه، في الحدود الشرقية والشمالية، وكان التبريرُ كثرةَ الفصائل المسلحة السورية (38 فصيلاً على الأقل) ذات الصلة بالنظام.
المهم أن لبنان وسوريا هما البلدان الأقربان ليس في المجموعة العربية وحسب، بل ربما على المستوى العالمي كذلك. وهما محكومان ليس فقط بحسن الجوار إنما بالمشترَك بينهما وهو كثير في سلبياته ويفترَض أن يكون كثير الإيجابيات. ولعلّنا لا نبالغ إذ نزعم أن المسألة تعود الى الجانب السوري، فلبنان ليست له أطماع ولا حتى مطامح في سوريا، ولا هو اعتدى عليها مرّة واحدة، ولا تحكم في شؤونها، ولا أخفى حقيقة آلاف المفقودين من جيشها وشعبها في دهاليز سجونه، ولا حجب عنها مساعدة في قدرته على القيام بها. جلّ ما «فعله» أن مقاهيه (لا سيما مقهى عيروت في منطقة الروشة) كانت تستقبل ميشال عفلق وصلاح جديد وأكرم الحوراني «على فنجان قهوة»، أو أمين الحافظ في بعل (جبل) محسن… ولم تكن الأنظمة السورية لتقصّر في مطاردتهم(…).
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.