سوريا: أخطاء الأسد… أعادت المتطرّفين
بقلم أمين قمورية
«أساس ميديا»
أخطأ الرئيس بشار الأسد عندما تصرّف وكأنّه المنتصر في الحرب قبل أن تضع أوزارها ويستعيد السيطرة على كامل الأراضي السورية. اتّكأ على إيران وروسيا أكثر من اعتماده على قواه الذاتية. استخفّ بإمكانات تركيا المجاورة له وقدراتها ودورها ورفض عقد أيّ لقاء مع الرئيس رجب طيب إردوغان، على الرغم من تطبيعه العلاقات مع قادة آخرين اضطلعوا بأدوار كبيرة ضدّه في الانتفاضة المستمرّة ضدّ نظامه منذ 13 عاماً… وها هي التطوّرات تضع سوريا مجدّداً بين “الجزمة العسكرية” وبين المتطرّفين الأشدّ عنفاً وقسوةً.
راكم الخطأ تلو الآخر، وتجاهل السير في ركب إيجاد حلّ سياسي يساوي بين كلّ الفئات السورية ويعيد الوحدة الوطنية إلى البلاد ويسمح لجميع السوريين بالمشاركة في صنع مستقبلهم. وهذا ما فتح ثغرة في حلب استغلّها المتطرّفون والمتربّصون شرّاً بسوريا لوضع البلد ومعه الشرق الأوسط مجدّداً على كفّ عفريت، وكأنّه لا تكفي المنطقة المآسي والويلات التي خلّفها فتح بنيامين نتنياهو لصندوق “باندورا” في لبنان وغزة.
لماذا الآن؟ وما علاقة تركيا؟
عناوين كثيرة دفعت المعارضة للتحرّك في هذه اللحظة:
- العنوان الأوّل هو تصحيح مسار خفض التصعيد.
- استغلال الفراغ الذي خلّفه الانشغال الروسي بالحرب الأوكرانية.
- انخراط الحزب بالحرب الضروس ضدّه في لبنان.
- تراجع دور المستشارين الإيرانيين والميليشيات الموالين لهم تحت وقع الضربات الجوّية الإسرائيلية.
- بروز التململ والترهّل والفوضى والفساد في أوساط النظام.
ليست تركيا بعيدة عن هذا التحرّك، ذلك أنّ مشاركة الفصائل المنضوية في “الجيش الوطني السوري” الموالية لها في الهجوم تشير إلى انخراطها. وكانت عبّرت مراراً عن قلقها من أن تؤدّي الهجمات المتزايدة للنظام على إدلب إلى موجة هجرة جديدة نحوها، وأبدت استياءها من رفض الأسد تطبيع العلاقات معها. كما لا ترى ضيراً في تقويض قدرة النظام على تهديد مناطق سيطرتها، وإضعاف الوجود الإيراني في شمال سوريا، لا سيما أنّ طهران ضغطت على دمشق لمنع تقاربها مع أنقرة.
“جبهة النّصرة”… وموقف واشنطن
لكنّ الانخراط الفاعل لـ”جبهة تحرير الشام” الخارجة من عباءة تنظيم “القاعدة” والخليط العجيب الغريب من فصائل المتشدّدين في “جيش المجاهدين” و”لواء التوحيد” وفصيلَي “العمشات” و”الحمزات” و”الحزب الإسلامي التركستاني” و”العصائب الحمر” وجماعة “تكتيكات الملاحم” و”حرّاس الدين”، ليس من شأنه مساعدة أنقرة في التطبيع مع دمشق أو توطيد العلاقة مع روسيا في سوريا، بل على العكس من ذلك قد يدفع نحو المزيد من التصعيد.
لقد سبق لواشنطن وأنقرة أن صنّفت هذه الفصائل “منظّمات إرهابية”، وخصّصت ملايين الدولارات لمن يساعد في القبض على قادتها. هذه الجماعات لم يُسمع لها صوتٌ إزاء ما يجري في غزة من مذابح وإبادة، ولا أحد يعرف أهدافها بالضبط، وتدّعي الإسلام فيما معظم ضحاياها من المسلمين، وتشكّل أكبر خطر على “العروبة”، بما هي حاضن ووعاء حضاري لكلّ الأقلّيات والتنوّع الفريد في هذه النقطة من العالم.
بين الجزمة العسكريّة.. ولحى المتطرّفين
تحت مبرّرات أنّها تشارك في ثورة شعب يقاتل ضدّ نظام ديكتاتوري، تحوّلت هي نفسها إلى محاكم تفتيش لقطع الرؤوس والأنفاس، عابرة للحدود والجغرافيا والخرائط، وجعلت من وقعوا تحت رحمتها في مناطق سيطرتها يترحّمون على أشدّ التوتاليتاريين بأساً وقمعاً وتعسّفاً.
المعضلة التي تواجه التغيير في المنطقة منذ 2011 هي المراوحة بين حدّين:
- “الجزمة العسكرية”: أي الجيش والحكّام “الخالدين”.
- والمتطرّفين الذين جاؤوا بالخراب والفوضى والاستبداد الديني بديلاً عن الاستبداد السياسي.
ما يجري في شمال سوريا لن يقف عند حدود محافظتَي حلب وإدلب:
- قد نشهد مثله في الجنوب الذي عاد إلى الظهور على رادار بنيامين نتنياهو، الذي توعّد دمشق بالحساب العسير إذا لم تستجِب لمطالبه وشروطه.
- وفي الشرق حيث تنتظر أنقرة وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض لفتح الحساب القديم مع الأكراد ومع قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.
سوريا التي تتنازعها خمسة جيوش تضيق أمامها فرصة التوصّل إلى حلّ سياسي وإعادة توحيد أراضيها لتسير على درب قيام الدويلات المتطرّفة التي يفرّق بينها أكثر ممّا يجمع، مثلها مثل السودان واليمن وليبيا والصومال.
ما يجري بوتيرة متسارعة في سوريا ليس بداية نهج إقليمي ودولي جديد في الصراع السوري، وليس جزءاً من تغيير الشرق الأوسط، بل هو فعلاً محاولة لرميه في أتون الفوضى والخراب.
أمين قمورية