سقط بايدن… فاستقبل الحزب وساطة ألمانيّة

76

بقلم خيرالله خيرالله

«أساس ميديا»

يضع الغياب الأميركي، سياسياً على وجه التحديد، إسرائيل و”الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران وجهاً لوجه في لبنان. تكرّس الغياب الأميركي مع السقوط الذريع للرئيس جو بايدن في المناظرة مع خصمه الجمهوري دونالد ترامب. وزادت حظوظ دونالد ترامب في العودة إلى البيت الأبيض في ضوء القرار الذي اتّخذته المحكمة العليا الأميركية بالسماح له بالترشّح. وفّر القرار حصانة لترامب وجعل الرهان على تعثّر حملة الرئيس الجمهوري السابق، بسبب سجلّه القضائي، رهاناً في غير محلّه.

على الصعيد الإسرائيلي، بات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يشعر بحرّية أكبر في التصرّف في حربه التي يشنّها على غزّة، وهي حرب تتميّز بوحشيّة ليس بعدها وحشيّة. لم يعد وارداً وجود إدارة أميركيّة تضغط على الدولة العبريّة، لا سياسياً ولا في مجال تزويدها الأسلحة المطلوبة. ربح “بيبي”، منذ الآن، رهانه على ترامب الذي أيّد صراحة في المناظرة مع بايدن متابعة إسرائيل لحربها على “حماس”، وهي حرب يعتقد اليمين الإسرائيلي أنّها ستسمح له بتصفية القضيّة الفلسطينيّة.

المفارقة أنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة”، في ضوء ما بات يعاني منه جو بايدن، وجدت نفسها في وضع لا تُحسد عليه. يعود ذلك إلى أنّ الحروب التي تشنّها على هامش حرب غزّة باتت تحتاج إلى تحديد هدف جديد في غياب الهدف الأصلي من جهة، واستمرار الحرب الأصليّة في غزّة من جهة أخرى. يتمثّل الهدف الإيراني أساساً في التوصّل إلى صفقة، معلنة أو غير معلنة، مع إدارة بايدن تقبل بموجبها الولايات المتحدة بالدور الإيراني المهيمن في المنطقة، أي في الخليج وفي الشرق العربي.

إيران تلتزم… وتراعي أميركا

لم يكن في استطاعة الإدارة الحالية الذهاب بعيداً في أيّ صفقة علنيّة مع إيران. لا يعود ذلك إلى الحاجة إلى مراعاة الوضع الإقليمي، أي وضع الدول العربيّة الحليفة فحسب، بل هناك سبب آخر أيضاً في أساسه اعتراض أكثرية في الكونغرس على مثل هذا التساهل مع إيران.

اكتفت إدارة بايدن، منذ نشوب حرب غزّة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أي منذ شنّ “حماس” هجوم “طوفان الأقصى”، بالعمل على منع توسيع هذه الحرب. بدأ ذلك مع إرسال أكبر حاملات الطائرات الأميركية (جيرالد فورد) إلى البحر المتوسط مع مجموعة مرافقة لها. فهمت “الجمهوريّة الإسلاميّة” الرسالة على الرغم من طلبها من الحزب فتح جبهة جنوب لبنان مع احترام قواعد اللعبة المتفاهَم عليها بين الحزب وإسرائيل. خرقت إسرائيل القواعد، لكنّ الحزب لا يزال يصرّ على أنّه متقيّد بها.

عندما هاجمت إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق في نيسان الماضي وقتلت عدداً من كبار الضبّاط في “فيلق القدس”، لم يكن أمام “الجمهوريّة الإسلاميّة” غير الردّ على الدولة العبريّة. فعلت ذلك بمراعاة كاملة للإدارة الأميركية التي أطلعتها طهران مسبقاً على طبيعة الهجوم وحجمه. سمح ذلك بإسقاط معظم الصواريخ والمسيّرات الإيرانيّة قبل بلوغها أهدافاً في الداخل الإسرائيلي.

هدف إيران الجديد… الأردن؟

اللافت في مرحلة ما بعد سقوط جو بايدن في امتحان المناظرة متابعة “الجمهوريّة الإسلاميّة” للتصعيد، إن عبر الحزب في لبنان أو عبر الحوثيين في اليمن… أو عبر ميليشيات مذهبية عراقيّة تابعة لـ”الحرس الثوري”. تستخدم هذه الميليشيات العراقيّة في ممارسة ضغوط على المملكة الأردنيّة الهاشميّة من دون الأخذ في الاعتبار للواقع المتمثّل في أنّ الأردن ليس لقمة سائغة.

عاجلاً أم آجلاً، ومع احتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ستحتاج إيران إلى هدف جديد من وراء تصعيدها وإثبات أنّها تمتلك مفاتيح توسيع حرب غزّة، وأنّها صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في المنطقة كلّها، خصوصاً بسبب سيطرتها على العراق ووجودها على البحر المتوسّط وتحكّمها بالملاحة في البحر الأحمر .

لماذا عاد الألمان إلى الضاحية؟

في وجه إدارة أميركيّة سبق لرئيسها أن أصدر أمراً باغتيال قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” وإحدى أهمّ الشخصيّات الإيرانية مطلع عام 2020، كما سبق له أن مزّق الاتفاق النووي مع إيران، لا بدّ لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة” من إعادة النظر في حساباتها. تؤكّد ذلك عودة الحياة إلى الوساطة الألمانية، وهي وساطة بين إيران وإسرائيل. في النهاية، كانت هذه الوساطة وراء الترتيبات التي رافقت الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في أيار من عام 2000. كان الانسحاب بموجب تلك الترتيبات التي اتُّفق عليها بين إيران وإسرائيل عبر ألمانيا. عادت ألمانيا وأطلّت برأسها في أيّامنا هذه في ضوء الغياب الأميركي المستجدّ من جهة، واحتمال عودة ترامب إلى البيت الأبيض من جهة أخرى. فحطّ وفد ألماني في ضاحية بيروت الجنوبية حيث اجتمع إلى مسؤولين في الحزب.

من يستغرب مثل هذا التوجّه الإيراني، في اتّجاه الخيار الإسرائيلي، يستطيع التساؤل: هل صدفة توقيع الاتفاق في شأن ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل بالطريقة التي تمّ بها ذلك خريف عام 2022، قبيل انتهاء ولاية ميشال عون الذي كان آخر من يعلم بوجود مثل هذا الاتّفاق بين إيران وإسرائيل؟

هل صدفة، أيضاً، أنّ اتّفاق ترسيم الحدود البحريّة اللبنانية مع إسرائيل صامد كلّ الصمود؟ يعمل حقل “كاريش” الإسرائيلي كأن لا حرب في جنوب لبنان وشمال إسرائيل. لماذا لا يكون اتّفاق الحدود البحريّة بمنزلة تقديم إيران لأوراق اعتماد لإسرائيل إظهاراً لحسن نيّاتها وقدرتها على احترام أيّ اتّفاق يتمّ التوصّل إليه في شأن لبنان؟

يبقى سؤال في غاية البساطة: ما الثمن الذي تريده إيران لبنانياً في حال ضمنت الحدود البرّيّة مع إسرائيل على غرار ضمانها للحدود البحريّة؟

خيرالله خيرالله

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.