درس في السياسة واستشراف للمستقبل
منقول عن منشورات المهندس عبد الحكيم جمال عبد الناصر
ان كلمة جواهر لال نهرو رئيس وزراء الهند آنذاك والتى ألقاها فى عام 1955 كأنها تتحدث عن الواقع المأساوى الحالى لدولنا العربيه، ان من يستشرف المستقبل يجد له مكاناً فى المجتمع الدولى فهل لايزال لنا موقع؟
درس في السياسه وأستشراف للمستقبل يجب ان يقرأ.
قدمه لرؤساء دول عدم الانحياز في مؤتمرهم الذي عقد في باندونغ في عام 1955 رئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو:
(قلت لكم انكم تثيرون فزعي، لأنكم لا ترون ما هو ابعد من موقع اقدامكم، تشغلون انفسكم باللحظة التي مضت وليس باللحظة القادمة:
تطلبون الاستقلال حسناً،
تطلبون الحرًية حسناً ايضاً،
سوف يعطونكم ما تطلبون،
وسوف يوقعون معكم قصصات من الورق لم يعد في ذلك شك لأسباب كثيرة،
أولها أنه لم يعد في مقدورهم أن يسيطروا عليكم بالسلاح،
ولسبب ثاني هو أنهم لم يعودوا راغبين في السيطرة عليكم بالسلاح.
سوف تتولون المسؤولية وسوف تجدون انفسكم رؤوساء لشعوبكم، لديكم قصور رئاسية،
ولديكم حرس وناس، ولديكم سيارات رئاسية وربما طائرات.
ليس هذا هو المهم، المهم هو هل تجدون لديكم سلطة رئاسات؟ لست متأكد من ذلك.
سوف تجدون لأنفسكم سلطة على رعاياكم، ولكن لن تجدوا لأنفسكم سلطة على غيرهم.
رعاياكم سوف يطلبون منكم «فوائد» الاستقلال، ومن حقهم أن يتوقعوا تحسين احوالهم بعد الاستقلال،
فهل لديكم ما تعطونه لهم؟
اشك كثيراً بذلك.
لماذا؟ لأنكم جميعاً منهوبون،
مواردكم نهبت فعلاً أو هي مرتبطة بنظم دولية تقوم بنهبها أمام أعينكم.
وإذا لم تكن لديكم سلطة غير سلطتكم على رعاياكم،
وإذا كان هؤلاء الرعايا سوف يطالبونكم بما سوف تكتشفون أنه غير موجود،
فماذا سوف تفعلون؟
تغيرون اتجاه سلاحكم من اعدائكم القدامى لأعداء جدد،
سوف ترونهم داخل بلادكم؟
ماذا ستفعلون؟ سوف تجدون في بلادكم طبقات أكثر قوة من جماهير شعوبكم،
لأنهم تعلموا كيف يتعاملون مع النظام القديم، وفي ظله وفي حماه كوٌنوا ثروات ورتبوا مصالح، فإلى من سوف تنحازون؟؟
إلى القلة القوية
أم إلى الاغلبية المقهورة؟
بعضكم سوف يقول إن لديه موارد ولكنها مستغلة بواسطة
الآخرين ولصالحهم.
حسناً، بعض رفاقنا هنا في هذه القاعة، لديهم بترول، وبعضهم لديهم نحاس،
وبعضهم زنك وحديد وذهب وماس أيضاً،
ماذا سيفعلون بهذه الموارد؟
احدهم سوف يتحمس ويعلن أمامنا أنه ينوي استرداد هذا الموارد من أيدي غاصبيها، حسناً، فالرئيس الايرانى محمد مصّدق فعلها في تأميم البترول، فماذا كانت النتيجة ؟
لقد وجد نفسه في طريق مسدود بالحصار،
ثم وجد نفسه في بانقلاب المضاد
ثم أدخل السجن.
إن مستعمريكم السابقين رتبوا أنفسهم قبل أن يوافقوا على الاستقلال،
واقاموا أوضاعاً جديدة،
فبدّلوا اعلامهم القديمة باعلامكم الجديدة،
ولكن هل سيغير هذا من واقع الأمر شيئاً؟
سوف تجدون أنفسكم أمام مشاكل وسوف يندفع بعضكم إلى أن يطلب من صندوق النقد الدولي أو من البنك الدولي قروضاً.
فهل سألتم أنفسكم من هؤلاء الذين يسيطرون على صندوق النقد الدولي؟ وعلى البنك الدولي ؟
إنهم نفس جلاديكم السابقين.
أخشى أن اقول لكم بأنكم فعلا تذهبون إلى الأسياد القدامى، طالبين منهم مساعدتكم
على مسؤولية الاستقلال.
فأي وضع هذا الذي تستنجد فيه الضحية بالجاني، حتى يساعده على تلافي آثار جريمته.
جريمة الاستعمار لن تصححها قروضه وإنما سوف تزيدها سوءاً.
لن تكون هذه المشكلة الوحيدة التي تواجهكم.
لاحظوا أن حقوق الحرية التي طالبنا بها لن تكون هذه المشكلة الوحيدة التي تواجهكم. لاحظوا أن حقوق الحرية التي طالبنا بها وناضلنا من أجلها كأوطان سوف تحدث أثرها في داخل هذه الأوطان نفسها، بمعنى أن جماعات داخل أوطانكم سوف تطالب بحقوقها في الداخل،
فهى سكتت عليها مؤقتا لأنها اختارت أن لا تكسر الوحدة الوطنية في ظروف المطالبة بالاستقلال،
لكنها بعد توقيع قصاصة ورق الاستقلال
سوف تجد أن الفرصة ملائمة لتطالب بحقوقها
وحقوف أقليات عرقية ودينية وعنصرية.
سوف تطالب بترتيبات خاصة مثل:
-نوع من الحكم الذاتي.
-نوع من تحقيق الهوية الذاتية.
وربما يكون هناك تشجيع من قوى السيطرة القديمة،
فقد تعلمت تلك القوى بتجربتها أن تتعامل مع الاقليات من كل نوع.
سمعت بعضكم يتحدث عن عضوية الأمم المتحدة، وكأنها ملكوت الله تطلبون فتجابون. هل هذا صحيح؟
الأمم المتحدة بلا فاعلية.
ربما يقول بعضكم إن دخول عدد كبير من الدول حديثة الاستقلال إليها، سوف يحقنها بالفاعلية.
اخشى أن العكس سيحدث.
أستطيع أن أرى المستقبل أمامي بوضوح فحين يصبح عدد اعضاء الأمم المتحدة مائة أو مائة وعشرين أو مائة واربعين عضواً، وليكن أن من بينهم مائة دولة حديثة الاستقلال فما هو أثر ذلك ؟؟ أثره كارثة محققة. هل هي عدد أصوات؟
وماذا سيفعل عدد الأصوات في الأمم المتحدة؟
كيف يمكن أن تقبل الولايات المتحدة أن يتساوى صوتها مع صوت كوستاريكا؟
أو يقبل الاتحاد السوفياتي أن تصبح قيمة صوته هي نفس قيمة صوت افغانستان؟ مع اعتذاري للملك ظاهرشاه الذي لا أراه معنا في هذه الجلسة.
وإن كان رئيس وزرائه السردار داوود يجلس الآن في مقعده.
لن يقبلوا المساواة في الأصوات أو في قوة الاصوات.
وبصراحة شديدة فأنني معهم،
فالقوة الحقيقية في العالم لا يمكن أن تتحقق بعملية حساب تجمع أو تطرح فيها الاصوات.
وعليه سوف يتركون لكم الأمم المتحدة تتكلمون فيها على هواكم، ثم تكتشفون انها اصبحت مجرد نادي أو مقهى يذهب إليه المندوبون ليشربوا الشاي ويلعبوا.
وبدل أن يلعبوا بالورق سوف يلعبوا بالكلام.
أريدكم أن تستشعروا أن
كلمة «الاستقلال»
وكلمة «الحرية»
ليست تعبيرات فرح،
وإنما هي أثقال مسؤولية مخيفة. هذا ما أريدكم أن تفهموه.
إن السيطرة الجديدة، لن تكون بالجيوش ولكن بالتقدم.
التقدم هو وسيلة السيطرة الجيدة.
أنتم متقدمون،
إذاً فأنتم سادة.
أنتم متخلفون
إذاً فأنتم مقهورون، مهما وقعّتم من قصاصات ورق الاستقلال
ومهما رفعتم من قصاصات قماش سميتموها أعلاماً.
وأسالكم، ما هو التقدم؟
هو التقدم الاجتماعي بالدرجة الأولى.
من منكم يستطيع ان يعطي لشعبه نظاماً اجتماعياً يحقق العدل لجماهيره وبأي ثمن؟
سوف تأخذنا جميعاً حمى التنمية وسوف نتكلم عنها ونملأ الدنيا كلاماً.
أنما هناك سبيل واحد إلى التنمية وهو العلم .
فماذا لدينا منه؟).