خلف ينبّه الدولة من «تحريك المياه الراكدة» ولا يمكن للمصارف أن تتحمّ ل مسؤولية التقاعس
رأى الأمين العام لجمعية مصارف لبنان الدكتور فادي خلف أن «التحديات التي تواجه المصارف والدولة على حدّ سواء تتطلب تعاوناً وثيقاً وحلولاً مبتكرة. لا يمكن للمصارف أن تتحمّل مسؤولية التقاعس عن المطالبة بحقوقها، ولا يمكن للدولة أن تدير ظهرها لهذه المشكلة المعقدة. المطلوب اليوم هو قرارات جريئة، وإجراءات عملية، خلال النصف الأول من شهر كانون الثاني 2025 على أبعد تقدير، وذلك قبل أن يصل الجميع إلى نقطة تضطر فيها المصارف إلى القول للدولة: «مرغماً أخاك لا بطل»، وأشار إلى أنه «في حال قررت المصارف رفع دعاوى قضائية ضد الدولة، فإنّ ذلك سيضع مزيداً من الضغوط على ما تبقى من أصول الدولة، وقد يؤدي ذلك إلى نتائج تعجز الدولة عن تحملها»، منبّهاً إلى أن «رفع الدعاوى من قبل المصارف المحلية قد يؤدي إلى تحريك المياه الراكدة وتحفيز حملة السندات الدوليين على اتخاذ إجراءات مشابهة، مما يفاقم الأزمة بدلاً من حلها».
مواقف خلف جاءت في افتتاحية التقرير الشهري لجمعية المصارف عنوَنَها بـ»اليوروبوندز ومهلة السنوات الخمس»، وهنا نصّها:
«خمسة أعوام من التوقف عن السداد: بين الواقع والتحديات
مرّت ما يقارب خمس سنوات منذ أن توقفت الدولة اللبنانية عن الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بسندات اليوروبوندز. أدخل هذا التوقف التاريخي النظام المصرفي والاقتصاد الوطني في دوامة من التعقيدات القانونية والمالية وصلت إلى حد الأزمة النظامية التي لم تنتهِ فصولها بعد. اليوم، نحن أمام محطة حرجة تتطلب إجراءات سريعة من قبل الدولة تضمن في آنٍ معاً حقوق المصارف والمودعين.
المخاطر القانونية على المصارف: مرور الزمن وضياع الحقوق
- فقدان الحق بالمطالبة بالفوائد:
* وفقاً للقوانين النافذة، فإنّ حق المصارف في المطالبة بالفوائد على سندات اليوروبوندز سيسقط في حال عدم تحريك الدعاوى القضائية ضد الدولة قبل انتهاء مدة مرور الزمن البالغة خمس سنوات. هذا الواقع القانوني يضع المصارف أمام معضلة كبرى، حيث أنّ تقاعسها عن اتخاذ خطوات قانونية الآن سيؤدي إلى فقدان حقها وحق المودعين الذين أودعت سنداتهم لديها في استرداد الفوائد المستحقة.
- خطر فقدان أصل الدين:
* الأخطر من ذلك، أنه في حال مرور ست سنوات دون رفع دعاوى قضائية على الدولة، ستسقط أيضاً حقوق المصارف في المطالبة بأصل هذا الدين. هذا الوضع يشكل تهديداً مباشراً على حقوق المودعين الذين أودعوا أموالهم في المصارف، وعلى حقوق المساهمين، مما يضع المصارف في موقف لا يمكن التهاون به.
التريث في البدء بالإجراءات القانونية:
رغم أنّ رفع الدعاوى القضائية ضرورة ملحّة للحفاظ على الحقوق، إلا أن المصارف تريثت حتى الآن إذ إن إجراءً كهذا قد يحمل في طياته تبعات جسيمة على الاقتصاد الوطني، ومنها:
- إثقال كاهل الدولة:
* في حال قررت المصارف رفع دعاوى قضائية ضد الدولة، فإنّ ذلك سيضع مزيداً من الضغوط على ما تبقى من أصول الدولة. وقد يؤدي ذلك إلى نتائج تعجز الدولة عن تحملها.
- التأثير السلبي على الاقتصاد:
* رفع الدعاوى من قبل المصارف المحلية قد يؤدي إلى تحريك المياه الراكدة وتحفيز حملة السندات الدوليين على اتخاذ إجراءات مشابهة، مما يفاقم الأزمة بدلاً من حلها.
- خسارة الوقت والمصداقية:
* أي تأخير أو مماطلة من قبل الدولة سيدفع المصارف إلى التسريع في اتخاذ هذه الخطوة للحفاظ على حقوقها، مما يعقد المشهد ويضع الجميع في مواجهة لا تحمد عقباها.
الحلول المقترحة: طريق النجاة من الكأس المُرّة
إدراكاً لحجم التحديات، قامت جمعية المصارف بسلسلة من الاتصالات المكثفة وعلى أعلى المستويات مع الجهات الرسمية، بهدف التوصل إلى حلول قانونية تُجَنِّب المصارف الاضطرار إلى اللجوء إلى القضاء. الوضع حتى الآن يمكن تلخيصه بالتالي:
- التطمينات الرسمية:
* حصلت الجمعية على تطمينات مبدئية من الجهات الحكومية بشأن إيجاد حلول قانونية لتمديد المهل الزمنية تفسح المجال أمام معالجة الوضع بطريقة متوازنة. إلا أنه لم تتّخذ أية إجراءات تنفيذية من قبل الدولة حتى الآن.
- العمل على حلول توافقية:
* ما زالت جمعية المصارف تسعى مع الجهات المعنية للتوصل إلى آلية قانونية تتيح تمديد المهل الزمنية والتوصل إلى حلول تضمن حقوق المصارف ومودعيها من جهة كما وتمنح الدولة الوقت اللازم للتعافي المالي.
المطلوب: خطوات عاجلة
في ظل هذا الوضع الحرج، تبرز الحاجة الملحّة لتحرّك الدولة بجدية وعلى وجه السرعة عبر:
- إصدار القوانين بصورة طارئة:
* ينبغي للسلطة التشريعية أن تتحرك فوراً لإقرار القوانين التي تعالج هذه الإشكالية، بما يضمن عدم ضياع حقوق المصارف والمودعين.
- تعزيز الحوار بين الأطراف المعنية:
* يجب أن تُستتبع أية معالجات آنية بحوار شفاف ومفتوح يجمع بين الدولة والمصارف وحملة السندات المحليين والدوليين للوصول إلى حلول عادلة ومستدامة.
ختاماً: «مرغماً أخاك لا بطل»
إنّ التحديات التي تواجه المصارف والدولة على حد سواء تتطلب تعاوناً وثيقاً وحلولاً مبتكرة. لا يمكن للمصارف أن تتحمل مسؤولية التقاعس عن المطالبة بحقوقها، ولا يمكن للدولة أن تدير ظهرها لهذه المشكلة المعقدة. المطلوب اليوم هو قرارات جريئة، وإجراءات عملية، خلال النصف الأول من شهر كانون الثاني 2025 على أبعد تقدير، وذلك قبل أن يصل الجميع إلى نقطة تضطر فيها المصارف إلى القول للدولة: «مرغماً أخاك لا بطل».