“حماس” والسلطة في مأزق… لكن المأزق الأكبر إسرائيلي!

46

بقلم خيرالله خيرالله
الأكيد أن “حماس” في مأزق تسبب به “طوفان الأقصى”، وهو هجوم شنته على مستوطنات غلاف غزّة من دون أفق سياسي. لا يدل على عمق هذا المأزق أكثر من اضطرارها إلى إعدام ست رهائن إسرائيلية خشية وصول الجيش الإسرائيلي إليها تمهيدا لتحريرها. بين الرهائن إسرائيلي يحمل أيضا الجنسية الأميركية. حمل ذلك الرئيس جو بايدن على التحدث عن هذا العمل الشنيع علنا. حمل ذلك أيضا نائبة الرئيس كمالا هاريس، مرشحة الحزب الديموقراطي للرئاسة، على إصدار بيان هاجمت فيه “حماس” بعنف لفظي ليس بعده عنف بصفة كونها، من المنظور الأميركي، منظمة “إرهابيّة”. تبدو تلك إشارة واضحة إلى منافسة بين المرشحة الديموقراطية للرئاسة وبين المرشح الجمهوري دونالد ترامب في مجال إسترضاء إسرائيل التي هي قوّة إحتلال ليس إلّا.
الأكيد أيضا أنّ السلطة الوطنيّة في مأزق يعبّر عنه استفاقة رئيس السلطة محمود عبّاس (أبو مازن)، بعد 19 عاما على الانسحاب الإسرائيلي من كلّ غزة، على ضرورة العودة إليها. لا تعني هذه الإستفاقة شيئا بمقدار ما تعني إفلاسا حقيقيا على كلّ الصعد في ضوء العجز عن ممارسة أي ضغط على إسرائيل من أجل وقف الحرب التي تشنها على غزة. يخشى من تحوّل الضفّة الغربيّة إمتدادا لحرب غزّة، خصوصا في ضوء ما يجري في مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين. يبدو أنّ إسرائيل مصرّة على التخلّص من هذا المخيّم من دون التساؤل عن سبب وجوده أصلا. هناك رفض إسرائيلي للتعاطي مع واقع يتمثل في أنّ الدولة العبريّة مسؤولة أصلا عن تهجير مئات الالاف الفلسطينيين منذ قيامها في العام 1948. يشمل ذلك المقيمين في مخيم جنين…
ما يبدو أكيدا أكثر من ذلك كلّه، أنّ إسرائيل نفسها في مأزق، بل تعاني من أزمة وجودية تسبّب بها “طوفان الأقصى” الذي كشف عدم امتلاك اليمين الإسرائيلي غير مشروع مستحيل هو تصفية القضيّة الفلسطينيّة. هذه القضيّة هي قضيّة شعب موجود، في قسم منه، على أرض فلسطين، شعب لا يمكن إنكار وجوده بأي شكل.
ردّت إسرائيل على “طوفان الأقصى” بالسعي إلى تصفية القضيّة الفلسطينيّة من دون امتلاك أي خيار سياسي كان مفترضا أن يترافق مع هجومها على غزّة والإنتقال حاليا إلى ما يمكن وصفه ببداية حملة واسعة على الضفّة الغربيّة. مثلما لم يكن من أفق سياسي لـ”طوفان الأقصى”، لا وجود لأي أفق سياسي لكلّ ما تقوم به إسرائيل التي تحولت رهينة للمستقبل السياسي لرئيس الحكومة بنيامين نتانياهو. وضعت إسرائيل، بفضل حكومة نتانياهو، نفسها في موقع لا تحسد عليه وذلك على الرغم من كلّ الدعم الأميركي المتوافر لها.
هل تستطيع الحكومة اليمينيّة الموجودة حاليا في إسرائيل تصفية القضيّة الفلسطينيّة؟ الجواب أنّ مثل هذه المهمّة مستحيلة. هذا ما استوعبه باكرا إسحق رابين الذي وقّع إتفاق أوسلو مع ياسر عرفات، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، في خريف العام 1993 في حديقة البيت الأبيض. بغض النظر عن كلّ ما يمكن قوله عن إتفاق أوسلو المليء بالفجوات، يظلّ أنّه تضمن إعترافا متبادلا بين حكومة إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينيّة. أدرك رابين، الذي ما لبث أن إغتيل في تشرين الثاني – نوفمبر 1995، على يد يميني متطرف، أنّه لا يمكن إلغاء الشعب الفلسطيني وأن لا مجال لضمّ الغربيّة إلى ما نهاية. بكلام أوضح، لا مستقبل لإسرائيل، في حال كانت تريد البقاء دولة ذات أكثريّة يهودية من دون انفصال عن الفلسطينيين الذين سيكون عليهم بناء دولة خاصة بهم بدل أن يكونوا مواطنين إسرائيليين!
في مرحلة ما قبل توقيع إتفاق أوسلو، كان ياسر عرفات يعاني من حال ضعف كبيرة بعدما وقف مع صدّام حسين لدى إحتلاله الكويت. كان يعاني من عزلة عربيّة ودوليّة سبه شاملة. على الرغم من ذلك، وُجد في العالم من يعيد تأهيله من أجل المشاركة في مؤتمر مدريد في إطار “وفد مشترك” مع الأردن. بعد ذلك، ما لبث أن انفصل الفلسطينيون، بقيادة “أبو عمار” ومشيئته، عن “الوفد المشترك” وساروا في إتجاه أوسلو. لم يكن ياسر عرفات قادرا على ذلك لولا وجود ثقل للقضيّة الفلسطينيّة لا تستطيع إسرائيل تجاهله في حال كانت تريد بالفعل العيش في المنطقة.
حشرت إسرائيل نفسها في خيار لا علاقة له بالواقع والمنطق. حسنا، إستطاعت إلغاء غزّة من الوجود وحولتها إلى أرض طاردة لأهلها. ماذا ستفعل غدا بالضفّة الغربية التي يصرّ اليمين الإسرائيلي على بقائها تحت الاحتلال؟ الواضح أنّ اليمين الإسرائيلي لا يفكّر بأي حلول مستقبلية بمقدار ما يفكّر بهواجس مبنية على خرافات ذات طابع ديني يؤمن بها أمثال الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. الأخير لا يعترف بوجود شعب فلسطيني.
يظلّ أخطر ما في الأمر أنّ إسرائيل التي تنوي شن حرب على الضفّة الغربية بحجة الإنتهاء من القضيّة الفلسطينيّة ومن الفلسطينيين، تعد نفسها لحروب أخرى في وقت باتت جبهة لبنان مفتوحة على كله الإحتمالات. هل يمكن خوض كلّ هذه الحروب من دون خيارات سياسيّة واضحة المعالم ومن دون القوة البشرية القادرة على القتال باستمرار… وطوال سنوات؟ الجواب لا والف لا مهما بلغ الدعم الأميركي من جهة ومهما امتلكت الدولة العبريّة من تفوق تكنولوجي من جهة أخرى. المأزق الإسرائيلي أكبر بكثير مما يعتقد بقيت “حماس” أو انتهت، وهي انتهت كونها لا تدري أنّ غزة، التي هي حاضنتها، لم تعد موجودة.
يبقى سؤال أخير مرتبط بالداخل الإسرائيلي. هل توجد قوة شعبية تستطيع وقف الحروب التي يشنها بنيامين نتانياهو وهي حروب معروف كيف بدأت وليس معروفا كيف ستنتهي في غياب الخيارات السياسية؟…
خيرالله خيرالله

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.