حديث الجمعة_ مفهوم التفاؤل في الإسلام

82

المهندس بسام برغوت

الفأل هو الكلمة الصّالحة أو الكلمة الطّيّبة أو الكلمة الحسنة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:

«لا طِيَرَةَ، وخَيْرُها الفَأْلُ. قالوا: وما الفَأْلُ؟ قالَ: الكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُها أحَدُكُمْ « : وقد اهتم الإسلام بالتفاؤل اهتماماً كبيراً؛ حيث سلك كل سبيل في غرس روح التفاؤل في المجتمع المسلم.

لم ترد كلمة التفاؤل في القرآن الكريم ولكن وردت آيات عديدة كلها تدعي الى التفاؤل ومنها  قوله جل شأنه: « يسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ « (سورة آل عمران) وقوله لمن اصابه اليأس اوالاحباط الى التفاؤل بقوله : « لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا « ( سورة الطلاق ).

أمرنا رسول الله عليه افضل الصلاة واتم التسليم بأن نلقى إخواننا بوجه طلق، وإفشاء السلام بيننا؛ حتى تسود المحبة والألفة، وأرشدنا لحسن اختيار أسماء أبنائنا؛ مدعاةً للتفاؤل، وكل ذلك يصبُّ في مفهوم التفاؤل في الإسلام، وقد دعا الإسلام المسلمين وحثّهم على الرجاء والأمل الذي يدفعهم للانطلاق والجد والعمل، وأرشدهم لترك اليأس والقنوط والإحباط مهما اشتدت بهم الظروف؛ إذ هذا لا يليق بتفكير الإنسان المسلم ، ومن الأحاديث التي وردت عن النبي عليه السلام أنه : «كان إذا بعث أحدًا من أصحابِهِ في بعضِ أمرِهِ قال: بشِّرُوا ولا تُنَفِّرُوا ، ويسِّرُوا ولا تُعَسِّرُوا»  ، وقوله عليه الصلاة والسلام : «لا يَزالُ قَلْبُ الكَبِيرِ شابًّا في اثْنَتَيْنِ: في حُبِّ الدُّنْيا وطُولِ الأمَلِ» .

والتفاؤل مكونٌ أساسي من الرسالة التي جاء بها الإسلام، وتتضح معالم التفاؤل رغم عدم ورودها بشكل صريح  في القرآن الكريم ، الا ان هناك العديد من الآيات تدعو الى التفاؤل، كقوله تعالى: «وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ» (سورة المائدة ) ، ومن معاني الظلمات التي قد يستشعرها المؤمن فيه حياته؛ أنه ضائعٌ أو مبتلىً، وكل إنسانٍ في هذه الحياة معرضٌ للبلاء، بل وإن البلاءَ جزءٌ لا يتجزأ من حياة المسلم كما قال تعالى:

«إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا « (سورة الأنسان).

تعددت الفوائد العائدة لصفة التفاؤل، وفيما يأتي ذكر بعض هذه الفوائد:

يعتبر التفاؤل أعظم سلاح يواجه به الإنسان أمراضه المختلفة النفسيّة والبدنية والعقلية؛ ممّا يمنحه السعادة في جميع أحواله ويعزز صحته.

بالتفاؤل يواجه الانسان الصعاب بثبات، ويتخذ القرارات السليمة والمناسبة.

التفاؤل يجعل الإنسان أكثر قدرة على التعايش مع الناس؛ حيث يميل معظم الناس للاجتماع مع الناس المتفائلين.

التفاؤل يبعث في النفس الرجاء ويقوي العزائم ويبث الأمل في النفوس.

التفاؤل يحفز الإنسان لتخطي المحنة؛ حيث يحوّل المحنة لمنحة والمصيبة إلى غنيمة.

التفاؤل يجعل الإنسان متوكلاً على الله عز وجل ويحسن الظن به.

التفاؤل يمنح الإنسان السعادة والفرح والسرور، ويجعله منشرح الصدر مبتسم الثغر.

إن للتفاؤل دور كبير ومُهم في إحداث فرق في حياة الإنسان وتغييرها للأفضل، لذا وفيما يلي بعض النقاط التي تُساعد على أن يكون الشخص متفائلاً:

التوقف عن مقارنة أنفسنا مع الآخرين والإيمان بأنّ كل شخص لديه ما يُميزه بطريقة فريدة عن غيره.

مواجهة التحديات الصعبة في التركيز على النتيجة الإيجابية التي يُمكن أن تحدث وعدم التركيز على الفشل والهزيمة.

اتباع عادات وأنظمة صحية؛ وذلك من خلال المعرفة التي هي أساس الصحة الجيدة، حيث يعرف الأشخاص المتفائلون جيداً ما هي الشروط والأساسيات للحفاظ على صحته واجتنباهم للعادات المدمرة للصحة مثل التدخين وتناول الكحول وتعريض أنفسهم للإجهاد لمدة زمنية طويلة وحفاظهم على عادات صحية كثيرة مثل  تنظيم حياته واعطاء كل ذي حق حقه والعمل بإنتظام واخذ القسط الكافٍ من الراحة وغيره من متطلبات الحياة والابتعاد عن العادات السيئة.

تجنب الأشخاص المتشائمين الذين يمتصون الطاقة الإيجابية وينظرون لكل شيء بأنّه سيئ؛ وغالباً لا يتعاطف هؤلاء الأشخاص مع غيرهم.

لكل ذلك امرنا الله جل شأنه ورسوله عليه افضل الصلاة واتم التسليم بضرورة إحاطة النفس بأشخاص إيجابيين وقضاء معظم الوقت معهم، ومحاولة دمج الإيجابية بأنماط التفكير الخاصة، ويمكن القيام بذلك من خلال التعرف على قصص أناس ملهمين وإيجابيين، ومعرفة التغييرات التي حولت حياتهم للأفضل. ولزيادة التفاؤل يفضل زيادة تركيز الفرد على الحاضر، لأن العواطف هي نتاج للحاضر، والتوقف عن التفكير بالماضي والتوقف عن اختراع قصص وروايات خيالية بعيدة عن الواقع، وتجنب التفكير بآراء ونظرة الآخرين فهذا يزيد من التشاؤم، ويمكن التركيز على الواقع من خلال عدة أمور ومنها اضافة الى الصلاة وكافة العبادات ، القيام بتمارين رياضية من تنفس وتأمل ويوغا وغيرها، والتوقف عن تشتيت الإنتباه، ومحاولة التركيز على الحاضر لمنع جميع الأفكار السلبية التي من الممكن أن تنشأ في العقل.

ختاماً ، التفاؤل يعني وجود الأمل دائماً وبقاءه، والنظر للجانب الجيد مما يحدث من أحداث غير مُحببة، والاعتقاد دائماً بأن شيئاً جميلاً سيحدث،  وقيل إنّ التفاؤل هو الاعتقاد الدائم بأنّ الخير سوف ينتصر في النهاية على الشر، كما أشارت الأبحاث إلى أنّ البشر الأكثر تفاؤلاً من غيرهم هم أشخاص رائعون بالفعل، ويساعدهم التفاؤل في الحفاظ على صحتهم البدنية والعقلية وتقليل الإجهاد الذي قد يشعرون به نتيجة أعباء الحياة وهذا يَمنحهم التمتع بحالة جيدة وعمراً أطول.

كما يمكن للفرد زيادة التفاؤل في حياته من خلال تطوير أنماط تفكير جديدة، والتخلي عن الأنماط القديمة، والتي تعتبر سبباً للتشاؤم، كون التشاؤم يقلل من الرؤية الكاملة للواقع، ويزيد شعور الفرد بالأمور السيئة، ويمكن تحليل وتحدي الأفكار السلبية، ومن ثم البحث عن طرق أخرى للتفكير.

المهندس بسام برغوت

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.