حديث الجمعة _ الطاعة حق للمعبود الحق
المهندس بسام برغوت
عند التأمل في تعريف مصطلح الطاعة في الاسلام؛ نرى أنّها تعني الاستسلام، والانقياد، وموافقة الأمر طواعية دون إكراه، وامتثال الأوامر، وكلها تتفق من حيث المعنى والمفهوم حتى لو اختلفت في ألفاظها، وهي الإتيان بما أمر الله حتى لو كانت النفس لا تحب فعله، والانتهاء عما نهانا عنه، حتى لو كانت النفس تحبه.
لقد ركز القرآن الكريم على مفهوم أساسي للطّاعة بشكل يوحي بأنّه القاعدة العامة التّي تنبثق عنها أو تستند إليها كلّ أنواع الطاعات الأخرى، فقرن الطّاعة بالعبوديّة، ونبه إلى هذه المسألة من هذه الزاوية حتى تظل الطاعة طاعة حقّة للمعبود الحق، ثمّ تكون قاعدة عامة تندرج تحتها كل الطاعات.
ونظرة خاطفة للقرآن الكريم تجعلنا نسلّم بهذا الإطار العام للمسألة. يقول عزّ وجلّ «إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ» (سورة نوح)، ويقول: وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ» (سورة الزخرف)، و» إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ» (سورة الشعراء).
كما وجعل القرآن الكريم طاعة الله جل شأنه وطاعة الرّسول الصلاة والسلام القاعدة العامّة والإطار العام لكلّ أنواع الطاعات نافيا في نفس الوقت كلّ طاعة تتنافى مع هذا الإطار العام. وليس هذا فحسب فقد ألغى القرآن ابتداء أنواعا من الطّاعات بغض النّظر عن الإطار العام للطاعة. يقول عزّ وجلّ « فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا» (سورة الفرقان)، «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا» (سورة الأحزاب)، وفي آية أخرى» وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا» (سورة الأحزاب)، ثم في آية أخرى يقول المولى عزّ وجلّ «فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ» (سورة القلم)، وفي سورة الإنسان «فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا» وفي سورة العلق» فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ».
وشدّد القرآن الكريم في هذا الإطار إلى حدّ أن قرّر بطلان أعمال الإنسان إذا لم تكن في إطار طاعة الله والرّسول صلى الله عليه وسلم، يقول سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ» (سورة محمد)، فطاعة الله وطاعة الرّسول صلى الله عليه وسلم هي الإطار العام والمحدّد لكلّ طاعة، وكلّ طاعة تتناقض مع هذا الإطار العام فهي لاغية ومذمومة، يقول عزّ وجلّ: «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ» (سورة التغابن)، ومما يؤكد على هذا أنّ الله سبحانه وتعالى أبطل كل طاعة تؤدّي إلى معصية الخالق وقد تضافرت الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تؤكّد هذا المعنى: قال تعالى: «وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» (سورة لقمان)، وقد ورد في الحديث النبوي الشريف: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».
ومن طاعة الله ورسوله كانت طاعة الوالدين فهي برّ لهما وواجب شرعي ومن أعظم القيم الإسلامية التي أوصى الله بها عباده في القرآن الكريم، وجعلها قرينة لطاعته، فقال: «وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا» (سورة الإسراء).
كما تعتبر طاعة ولي الأمر جزءاً من طاعة الله ورسوله. قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ» (سورة النساء)، وذلك لأنها تساهم في استقرار المجتمع وتحقيق العدالة، حيث يضمن القائد تنظيم الحياة العامة وتوجيهها بما يعود بالخير على المجتمع.
لأداء طاعة الله سبحانه فضائل كثيرة منها:
هي طريق الوصول إلى الجنّة، والنّجاة من نار جهنم.
هي دليل على خيرية العبد واستقامته على شرع الله تعالى.
تحقق محبّة الله تعالى ورضوانه.
هي سبب لجلب نعم الله واستحقاقها.
تحمي من الذّنوب وتوصل إلى حسن الخاتمة.
ختاماً،
إنّ مفهوم الطّاعة من المفاهيم الأساسية التي انبثقت عن العقيدة الإسلامية، التي تقوي علاقة الانسان بربه، وتنظم علاقة الانسان بمحيطه، لذلك لا بد أن تكون الطاعة مبنية على أسس الايمان بالله والتصديق برسله، والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم باعتباره لا ينطق عن الهوى، فتستقطب كلّ أنواع أعمال الإنسان، وبهذا لا تخرج الأعمال والأشياء عن دائرة الحلال والحرام ويكون هذا المقياس من أعظم المقاييس وأهمّهم على الإطلاق في حياة المسلمين، وكل دعوات الرّسل والانبياء كانت مقرونة بالطاعة والتقوى والعبوديّة لله تعالى الذي قال في محكم كتابه: «قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولّوا فإنما عليه ما حُمّل وعليكم ما حُمّلتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين» (سورة النور).
المهندس بسام برغوت