حديث الجمعة – “لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون“

17

بقلم المهندس بسام برغوت

قال الله تعالى في كتابه الكريم: “وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ“ (سورة يوسف). وهذا يعني ان عدم اليأس وان الثقة برحمة الله وكرمه تشكل قواعد الايمان السليم.

ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى الاستبشار بهذه الآية حيث يرى الكثير من صنوف الإحباطات والهزائم ومن ألوان القهر والنكد؛ مما أدى إلى سيادة روح التشاؤم واليأس، وصار الكثيرون يشعرون بانقطاع الحيلة والاستسلام للظروف والمتغيرات. وأفرز هذا الوضع مقولات يمكن أن نسميها بـ ” أدبيات الطريق المسدود ” ! هذه الأدبيات تتمثل بالشكوى الدائبة من كل شيء.

تدور بنا الحياة بين عُسر ويُسر، وشدة وفرج، وضيق يعقبه سَعة وسرور ورضا؛ فلا بد أن نحمد الله على كل حال، وهذا المعنى الحقيقي للصبر وقتَ العسر. ان من أجمل المعاني “التأكيدات” التي حملتها آيات الكتاب العزيز قول الله جل شأنه مخاطباً رسوله الكريم عليه افضل الصلاة واتم التسليم يبشره فيها باليسر بعد العسر في قوله عزوجل: “ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا” (سورة الشرح ).

بعد كل شدة لا بد ان يأتي رخاءٌ، وما من عُسر في هذه الدنيا إلا ويعقبه يسرٌ؛ فليس لليأس مكان في نفس المؤمن الواثق بكل خير من ربه. وكرر الله تعالى اليُسر في هذه السورة مرَّتين وكذالك العُسر؛ ليُبيِّن أن مع العسر يسرًا، وأنه عقب الشدة رخاءً، والكرب يعقبه فرج، والتقتير يتلوه تيسير، وانه عز وجل يُبدِّل الضيقَ سَعةً، والفقرَ غِنًى، والشقاء سعادةً، ويُخلِف الصعوبةَ سهولةً، وبقدر ما يشتد البلاء بالعبد فيعقبه بلا شك الأجرُ والرخاء، وعلى قدر المشقة يكون الأجر والثواب، فليعلم كل مهموم متعسِّر أن الحال لا يدوم وأن الايام تتعاقب على أهلها. ومن جميل كلام السلف قولهم: “لن يغلب عُسرٌ يُسرَيْن”.

وهؤلاء المتأزمون يسلطون أشعة النقد دائماً نحو الخارج؛ فهم في ذات أنفسهم على مايرام، وغيرهم هو الذي يفعل كل ما يحدث لهم ! وإذا رأوا من يتجه إلى الصيغ العملية بعيداً عن الرسم في الفراغ أطفؤوا حماسته بالقول: لن يدعوك تعمل، ولن يدعوك تنجح، ولن يدعوك تصل الى مبتغاك، ولن يدعوك… ولن يدعوك… ولن يدعوك…

فرسالتي إلى كل صاحب ضيق وَهَمٍّ وتعسير سواء في عمله أو حياته الشخصية أو في أي أمر من أمور الدنيا: لا تحزن أيها المسلم تفاءلْ بالخير من الله، واحمَدِه، ولا تسخط على أقداره، فلا تعلم من أين يأتيك الخير! انتظر الخير واليُسر من ربك عز وجل ولا تدع اليأس يتسلل إلى قلبك، وكُن حَسَن الظن بربِّك عز وجل وانتظر منه التيسير والفرج وكل خيرٍ ترجوه وتأمله،لا بد أن يعلم المسلم أن العسر والشدة ابتلاءٌ وقدرٌ من أقدار الله تعالى أصيب بها الانبياء ليمتحن صبرهم وحُسن ظنهم باليُسر والفرج من الله. فلا تجزع ولا تيأس يا من تعسَّرتَ ولم تُوفَّق في تحقيق حلمك، أكمل مشوارك، وجاهد واسعَ لتحقيقِ هدفك بالصبر على كل عسر وإخفاق. وأُستبشر بقول الله تعالى: “وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ “ (سورة الضحى ).

‏إِنَّ الذي يتحمل الصعاب، ويقاوم العواصف سوف ينال يوما ثمار جهوده، وستخمد عربدة الأعداء، وتحبط دسائسهم، ويتمهّد طريق التقدم والتكامل ويتذلل طريق الحق، بعض المفسّرين ذهب إلی أنّ هذه الآيات تشير إلی فقر المسلمين في معيشتهم خلال الفترة الاولی من الدعوة، لكن المفهوم الواسع للآيات يستوعب كلّ ألوان المشاكل.

كما ان أسلوب الآيات الكريمة والتي وردت في محكم كتابه عزوجل تجعلها لا تختص بشخص النّبي محمد عليه افضل الصلاة واتم التسليم وزمانه، بل بصورة قاعدة عامّة مستنبطة ممّا سبق. وتبشّر كلّ البشرية المؤمنة المخلصة الكادحة، وتقول لها: كلّ عسر إلی جانبه يسر، ولم ترد في الآية كلمة «بعد» بل «مع» للدلالة علی الاقتران، نعم، كلّ معضلة ممزوجة بالانفراج، وكلّ صعوبة باليسر، والاقتران قائم بين الإثنين أبدا، وهذا الوعد الإلهي يغمر القلب نورا وصفاء. ويبعث فيه الأمل بالنصر، ويزيل غبار اليأس عن روح الإنسان، وعن رسول اللّه صلّی اللّه عليه وآله و سلّم قال: “ و اعلم أنّ مع العسر يسرا، وأنّ مع الصبر النصر، وأنّ الفرج مع الكرب… “.

ختاماً،

يُبدّل الله عسر المؤمنين يسراً، فلا لليأس من رحمة الله ولا للقنوط من فرجه، فالله الذي يملك خزائن السماوات والأرض قادرٌ على تغيير موازين الأمور وتبديل الحال من ضيقٍ إلى سعة وفي الظروف الحالية حيث تحيط بالمجتمعات الاسلامية صعوبات وتحديات من حدب وصوب، لتناديهم الآية القرانية الكريمة: “ لا تَيأَسوا مِن رَوحِ اللَّـهِ” ؛ فتشد من ازرهم وتقوى من عزيمتهم وتسندهم إلى ركنٍ شديد، ركن الله القادر على تغيير الأمور وتبديل الهمّ إلى فرجٍ، والعسر إلى يسرٍ، فقط عليهم حسن الظن بالله، التفاؤل رغم صعوبة الظروف، عمل كل ما يستطيعون فعله والتوكل على الله جل شأنه، فهو لن يخذلهم.

المهندس بسام برغوت

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.