ثلاث نساء قد يغيّرن سياسات أوروبا

62

إيمان شمص
«أساس ميديا»
الوحدة الأوروبية في خطر، تحذّر مجلة إيكونوميست البريطانية. ففي حين تحتدم في أوكرانيا الحرب الأكثر دموية في القارّة منذ عام 1945، وتشكّل روسيا تهديداً من منطقة البلطيق إلى الفضاء الإلكتروني، وتهدّد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض الحلف الأطلسي، أساس الأمن الأوروبي، ويتعرّض اقتصاد القارّة للصدمات الناجمة عن السياسة الصناعية والحمائية في أماكن أخرى، تتزايد الشعبوية المناهضة للاتحاد الأوروبي ويتنامى نفوذ الشعبويين المتشكّكين فيه ويمتدّ من المستوى الوطني إلى مستوى قارّي، حيث تكشف الاستطلاعات نوايا تصويت الناخبين عن تقدّم هذا التيار في انتخابات البرلمان الأوروبي المقبلة (بين 6 و9 حزيران).
لمواجهة هذه المخاطر، تحتاج أوروبا، على الأقلّ، بحسب المجلّة إلى قيادة متماسكة على مستوى الاتحاد الأوروبي. كما تحتاج أيضاً إلى منع المتطرّفين من الوصول إلى السلطة. النجاح في مواجهة هذه المخاطر يعتمد جزئياً على اختيارات ثلاث نساء: أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، وجورجيا ميلوني، رئيسة الوزراء الإيطالية، ومارين لوبان، الشعبوية الفرنسية الرئيسية، في رأي المجلة التي خصّصت غلاف عددها للأوّل من شهر حزيران الجاري لصور النساء الثلاث… فمن هنّ هؤلاء النساء؟ لكن وفقاً للمجلّة، ستحتاج فون دير لاين للفوز بولاية ثانية، إلى أن تكسب أوّلاً دعم زعماء الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين. ثمّ يتعيّن عليها الفوز بالأغلبية في البرلمان الأوروبي، الذي سيجري انتخابات في الفترة من 6 إلى 9 حزيران الجاري، حيث يحقّ لأكثر من 350 مليون مواطن التصويت.
لا تستبعد المجلّة، من الناحية النظرية، أن تتمتّع دير لاين بدعم التجمّعات المحافظة والليبرالية والاشتراكية التي تشكّل المؤسّسة السياسية. مع ذلك، بسبب تجزئة الحياة السياسية إلى حدّ كبير، فمن المتوقّع أن تفوز هذه التجمّعات الثلاثة مجتمعة بأغلبية ضئيلة من المقاعد، وقد ينشقّ بعض أعضائها في البرلمان عن الصفوف. فقد تمكّنت فون دير لاين من الفوز بأوّل تصويت لها في عام 2019 بصعوبة. لكنّ النصر هذه المرّة ليس مضموناً.
“المتطرّفتان” ميلوني ولوبان
على عكس حال دير لاين، تتوقّع “إيكونوميست” لجورجيا ميلوني، رئيسة وزراء إيطاليا منذ عام 2022 وزعيمة “حزب الإخوة”* الإيطالي اليميني المتشدّد، الذي تحوّل من كونه قوّة متمرّدة إلى إدارة البلاد، أن تحقّق نتائج جيّدة في انتخابات الاتحاد الأوروبي. وقد يساعد دعمها لفون دير لاين على إتاحة فرصة أفضل لرئيسة المفوضية الأوروبية للفوز بأغلبية برلمانية لولاية ثانية على رأس الاتحاد الأوروبي، وخاصة أنّ دير لاين التي لم تكفّ أخيراً عن التودّد إلى رئيسة وزراء إيطاليا، قالت في 23 أيار إنّ “العمل مع جورجيا ميلوني كان ممتازاً”. فأثارت هذه التصريحات، كما فكرة أيّ نوع من التحالف، بما في ذلك أيّ اتفاق يشمل “حزب الإخوة” الإيطالي (the Brothers)، غضب الليبراليين وشخصيات المؤسّسة. بما في ذلك بعض أعضاء الحزب الديمقراطي الاشتراكي الحاكم في ألمانيا وحزب إيمانويل ماكرون في فرنسا.
رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين قادت الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي منذ عام 2019 وتترشّح لولاية ثانية. وهي تستحق ذلك. لقد قامت بعمل جيد: فقد نظّمت استجابة جماعية قويّة من الاتحاد الأوروبي في مواجهة عدوان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وساعدت في تعميق التكامل الأوروبي في وقت حرج، على سبيل المثال من خلال إطلاق برنامج ديون مشترك مبتكر. وهي ألمانية محافظة هادئة، وضعت المفوضية الأوروبية في قلب عملية صنع القرار عندما توتّرت العلاقات الفرنسية الألمانية. ونظراً للتهديدات التي تواجه أوروبا، لا شكّ أنّ الحاجة إلى قيادة قويّة وموحّدة هي أكثر إلحاحاً من أيّ وقت مضى.
بالنسبة لهؤلاء، ميلوني مرفوضة وتتجاوز الحدود المقبولة. فهي ترتبط بفيكتور أوربان، رجل المجر القويّ، وغيره من الأشخاص البغيضين. وتضفي مصداقية على نظريّات المؤامرة العنصرية مثل نظرية “الاستبدال العظيم”* التي يروّج لها حزب “البديل لأجل ألمانيا”. ولقد شبّهت الاتحاد الأوروبي بالاتحاد السوفيتي. باختصار، إنّها بالضبط نوع الشخصية اليمينية المتشدّدة التي يجب استبعادها من عملية صنع القرار، كما تنقل المجلّة عن العديد من المراقبين.
من المؤكّد أنّ لدى ميلوني العديد من السياسات والصفات غير المرغوب فيها. ومع ذلك، تعتقد المجلة أنّ “استبعاد العمل معها من حيث المبدأ سيكون بمنزلة قصر نظر. فسجلّها ليس سجلّ إشعال الحرائق السياسية. لقد أقامت قضية مشتركة مع فون دير لاين بشأن مسائل مثل الهجرة غير الشرعية. قامت المرأتان بزيارات مشتركة لدول شمال إفريقيا، وأبرمتا صفقات مع الحكّام لوقف التدفّق.
كانت من أشدّ المؤيّدين لأوكرانيا، على عكس بعض زملائها اليمينيين الشعبويين. ويخوض حزبها حروباً ثقافية داخل البلاد، لكن في ما يتعلّق بالأمن والاقتصاد، فقد أدارت إيطاليا بطريقة براغماتية. ولا ينبغي استبعادها من التيار السياسي الرئيسي”. بالإضافة الى ذلك، فإنّ التوصّل إلى اتفاق معها يمكن أن تكون له، في رأي المجلّة، ميزة إضافية: تقسيم اليمين الشعبوي بين عناصره الأكثر اعتدالاً وعناصره المتطرّفة.
هنا يأتي، بالنسبة لـ”إيكونوميست”، دور مارين لوبان، الشعبوية الفرنسية الرئيسية التي من المتوقّع أن يحقّق حزبها، “التجمّع الوطني”، أداءً جيّداً في الانتخابات الأوروبية أيضاً. لقد حاولت لوبان إعادة تصنيف نفسها كشخصية رئيسية، لكنها شخصية مثيرة للجدل ولها تاريخ طويل من كراهية الأجانب، وهي تتملّق روسيا وتريد إنشاء مجموعة ضخمة من القوميين القادرين على سحب أوروبا بقوّة نحو اليمين. وللقيام بذلك، فهي تريد أن تتعاون مع ميلوني.
لذا من الأفضل والأكثر منطقية، في رأي “إيكونوميست”، جذب ميلوني نحو الوسط بدلاً من ذلك. فهذا من شأنه أن يعيق خطة لوبان ويؤدّي إلى تفتيت اليمين المتشدّد. فلقد انهار حزب “البديل من أجل ألمانيا” جزئياً بالفعل بعدما بدا أنّ مرشّحه الأوروبي الرئيسي قد استخفّ بالجرائم النازية. وإنّ إضعاف لوبان قد يقلّل أيضاً من جاذبيّتها في فرنسا، حيث يتصدّر حزبها استطلاعات الرأي قبل الانتخابات الوطنية في عام 2027.
مسار كارثيّ
تعتبر “إيكونوميست” احتمال وصول لوبان إلى منصب الرئيس أمراً مثيراً للقلق. وتتوقّع أن تستمرّ المساومات لأشهر بعد نتيجة الانتخابات الأوروبية، وتختبر مهارة فون دير لاين. وترى أنّ المخاطر والرهانات عالية، وقد يؤدّي مسار إلى توفير قيادة مستقرّة على مستوى الاتحاد الأوروبي، وإظهار كيف يمكن للمعتدلين أن يتعاملوا بذكاء مع اليمين الشعبوي. لكنّ السؤال لم يعد حول ما إذا كان يمكن احتواء الشعبويين، بل حول كيفية الردّ على صعودهم. ووفقاً للمجلة “ميلوني لا تكشف عن لعبتها. ولكن سيكون من الغرابة أن يبقى على الهامش الأوروبي شخص مثلها مهتمّ بالسلطة أكثر من اهتمامه بالوضع”.
تحذّر “إيكونوميست” من مسار بديل كارثي. فلقد أصبحت السياسة الأوروبية مجزّأة للغاية لدرجة أنّ من غير المستبعد عدم العثور على أغلبية برلمانية لفون دير لاين أو أيّ مرشّح آخر لرئاسة المفوضية. وهذا من شأنه أن يثير أزمة دستورية في أسوأ الأوقات، حيث يتعثّر الوضع في أوكرانيا وتلوح في الأفق رئاسة ترامب المحتملة. يضاف إلى ذلك أنّه إذا لم تجد ميلوني أيّ فائدة من العمل مع الوسط فقد تميل إلى العمل مع لوبان. من جهتهم، وإذا اتّخذوا الاختيار الخاطئ، فقد يعمل الوسطيون في أوروبا على زعزعة استقرار الاتحاد الأوروبي والمساعدة في خلق ما كانوا يخشونه منذ فترة طويلة: حركة يمينية متطرّفة موحّدة في عموم القارّة.
لتجنّب ذلك، تختم “إيكونوميست” بتوصية مفادها أنّه سيكون من المفيد التعامل مع ميلوني.
– حزب الإخوة (the Brothers): حزب إخوة إيطاليا، هو حزب محافظ وطني ترأسه ميلوني، وتمّ إنشاؤه من انقسام عن حزب شعب الحرّية في 2012. وهو الوريث الرئيسي للحركة الإيطالية الفاشية الجديدة. تتضمّن أيديولوجيته القومية والمحافظة التشكيك في الوحدة الأوروبية.
– نظريّات مؤامرة “الاستبدال العظيم” المنتشرة في العديد من البلدان في أوروبا وأميركا الشمالية، أحياها دونالد ترامب ويروّج لها حزب “البديل من أجل ألمانيا”. وهي تعتبر أنّ هناك مخطّطاً لمهاجرين من غير البيض ليكونوا بديلاً للشعوب الغربية الأصليّة.
إيمان شمص

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.