ثلاث سوابق مارونيّة “تنتخب” الرّئيس المقبل

42

ملاك عقيل

«أساس ميديا»

ثلاث سوابق لم يشهدها لبنان في تاريخه السياسي الحديث تكمن أهميّتها ليس فقط في حصولها بل في تزامن بعضها مع بعض مع قاسم مشترك وحيد هو… الموارنة: حاكم مصرف لبنان “قدس أقداس” المنظومة الحاكمة خلف القضبان، حاكمية مصرف لبنان المارونية بيد موظّف شيعي، وتمرّد ثلاثة نواب موارنة وواحد أرثوذكسي على رئيس أكبر كتلة مارونية!

لا يمكن اعتبار ما يحدث على الساحة المارونية أمراً عابراً. صحيح أن لا رابط عضويّاً بين هذه السوابق لكنّها بالتأكيد ستقود إلى مشهد انقلابي على الساحة المسيحية حين يحلّ أوان ترتيبات مرحلة ما بعد الإعصار.

لا يكتمل هذا المشهد إلّا عبر التذكير بالشغور الرئاسي الذي يُطفئ شمعته الثانية بعد أقلّ من شهرين مع استمرار رئاسة الحكومة بتولّي صلاحيّات رئيس الجمهورية، فيما تضجّ كواليس العدلية بالاستدعاءات المتجدّدة لثلاثة ضبّاط موارنة هم قائد الجيش السابق جان قهوجي ومديرا المخابرات السابقان إدمون فاضل وكميل ضاهر في ملفّات مرتبطة بالإثراء غير المشروع وإساءة استخدام السلطة، وهي أيضاً سابقة في تاريخ المؤسّسة العسكرية وفي السياسة لا يستبعد كثر أن تقود إلى مفاجأة تؤسّس لمرحلة جديدة داخل الجيش مستقاة من عِبَر عهد ما بعد الخروج السوري من لبنان.

سقوط “بروتوكول” الحماية

تتفرّع عن هذه السوابق “المارونية” وقائع ومعطيات هي الآتية:

1- أحيط مثول حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة أمام مدّعي عام التمييز بالوكالة القاضي جمال الحجّار، ابن شحيم، بسرّيّة تامّة باستثناء مرجعيّتين أساسيّتين أُبلغتا بالأمر قبل وقت قصير من حضور سلامة إلى قصر العدل. مشهد سلامة مخفوراً ومُواكَباً بعناصر أمنيّة نحو غرفة فوق الأرض في سجن المديرية حيث قَبَع الضبّاط الأربعة لأربع سنوات أسّس لسابقة لا مثيل لها دفعت كثيرين إلى تحسّس رقابهم، والأهمّ تكريس سابقة إسقاط “الحاكم الماروني”، الموقع الأرفع بعد رئيس الجمهورية. وبغضّ النظر عن نهاية ملفّ الفساد المالي لحاكم مصرف لبنان بالإدانة أو البراءة ومدى توسيع دائرة محاسبة المرتكبين وفتح ملفّاتهم، وهم كثر، فإنّ توقيفه، ولو لليلة واحدة، شكّل كسراً للمحظور وتجاوزاً لـ “بروتوكول” حماية رموز الطبقة الحاكمة، وهو ما عزّز بالنسبة لكثيرين فرضية تدشين مسار المحاسبة من أعلى الدرج ونزولاً، فيما سلّم آخرون باستحالة وضع الرؤوس الكبيرة خلف القضبان لأنّ سلامة سيجرّ معه… ألف سلامة.

2- تزامن توقيف سلامة مع وجود حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري في لندن بمهمّة تجنيب إدراج لبنان على اللائحة الرمادية من قبل مجموعة العمل المالي الدولية FATF، فيما كثرت التحليلات عن الربط القائم بين “تقديم رأس” سلامة للقضاء وإبعاد لبنان عن محنة “الإعدام” الماليّ. من المسلّم به أنّ منصوري لن يصبح خارج الحاكمية أو يجلس مجدّداً كعضو إلى طاولتها إلا بعد أشهر طويلة تلي انتخاب الرئيس ثمّ تعيين حكومة بعد اختيار طاقمها من الوزراء. لكن على ما يبدو عدم وجود حاكم أصيل لا يستفزّ أحداً، خصوصاً أنّ منصوري حَصد تقديراً في الداخل والخارج لجهة أدائه المتّزن.

لكن هنا أيضاً يرتسم مشهد بالغ الدلالات تتوقّف عنده مصادر مطّلعة مشيرة إلى الدور الحاسم الذي لعبه منصوري القريب من الرئيس نبيه بري في تكريس “الانقضاض” القضائي بعد طول انتظار على سلامة لجهة الملفّ الذي أحاله إلى مدّعي عام التمييز بناء على تحقيقات هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان برئاسته في ملفَّيْ عمولات غير شرعية لشركتَيْ Forry وOPTIMUM، وذلك استناداً إلى تقرير التدقيق الجنائي، ثمّ إحالة القاضي الحجّار ملفّه إلى المدّعي العام المالي القاضي علي إبراهيم، رجل برّي الأوّل في سلك القضاء، الذي ادّعى بفترة قياسية على سلامة وحوّله موقوفاً إلى قاضي التحقيق الأوّل بلال حلاوي بجرائم الاختلاس والإثراء غير المشروع والتزوير وسرقة المال العامّ، مع العلم أنّ القاضي إبراهيم سبق أن نحّى نفسه عن ملفّ “فوري” بعد تسلّمه إيّاه من النائب العامّ الاستئنافي السابق جان طنّوس. مفارقة مارونية شيعية لا يمكن فكّ لغزها إلا بعد تكشّف كامل خفايا “سلامة غايت”.

3- في المقلب الماروني الآخر قد يبدو الإعصار أقلّ وطأة لكنّ تداعياته ستكون حتمية على استحقاق رئاسة الجمهورية والانتخابات النيابية المقبلة. فانفصال النواب الأربعة آلان عون وإبراهيم كنعان وسيمون أبي رميا والياس بوصعب عن مؤسّس “التيار الوطني الحر” الزعيم الماروني ميشال عون ووريثه جبران باسيل يؤسّس لمشهدية قد تكسر قواعد الاشتباك التقليدية التي طَبَعَت المواجهات المسيحية منذ عام 2005 لجهة احتمال كسر الاصطفاف العوني – القوّاتي عبر إنشاء كتلة نيابية وسطية مختلطة طائفياً لكنّ وجهتها مسيحية بامتياز.

ربّما الامتحان الأوّل والأهمّ لهذه الكتلة التي لم تتّضح بعد لائحة المنضمّين إليها هو رصيد أصواتها في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وهل يمكن أن تكون على طرف نقيض من توجّه باسيل الرئاسي فتخسّره أصواتاً في معركته الرئاسية (إلا إذا حصلت تسوية كبيرة) وتصغِّر كتلته في الانتخابات النيابية التي ستلي انتخابات رئاسة الجمهورية غير معروفة التاريخ بعد؟لكنّ الأهمّ أنّها ستكون الانتخابات الفاصلة عن استحقاق “تحضير” جبران باسيل نفسه لكي يكون رئيس جمهورية ما بعد الرئيس الذي سيخلف ميشال عون، وفق تأكيد القريبين من باسيل.

ملاك عقيل

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.