توقع احتراق النظام المالي العالمي

8

بقلم مروان اسكندر

ان هذا العنوان هو على غلاف كتاب منجز باللغة الفرنسية من قبل George Ugeux الذي كان تولى نيابة رئاسة سوق نيويورك المالية لسنوات، وهو حسب رأي جان كلود تريشيه حاكم البنك المركزي الاوروبي اقتصادي غير تقليدي وباحث في العمق وكتابه يمثل محاولة اصلاحية حقيقية على صعيد دولي.

لقد تفحصت هذا الكتاب لسبيين: اولاً ان عنونه يبعث على التفكير ويدعو الى استفاقة دولية لشؤون عالم المال، والسبب الثاني ان جان كلود تريشيه حينما تولى رئاسة البنك المركزي الاوروبي كان على تواصل مع ابننا سامر الذي حاز على الدكتوراه في علم المال، ومن ثم مارس تدريس المادة في كلية معروفة في باريس وكانت محاضراته تركز على قناعة فرنسية، قبل غيابه عنا الى رحاب السماء والرحمة.

 سامر الذي كان متميزًا في دراسته وتفكيره كان من المقتنعين بان النظام المالي العالمي يحتاج الى اعادة تنظيم وان اعمال البنوك ذات الانتشار الدولي يجب ان تحظى برقابة على اعمالها في كل بلد والتأكد من انها تلتزم القوانين، والسبب الرئيسي لحاجة الانضباط المالي في مجالات الاقراض، واستقراض الدول هو ان الاحتياط المالي العالمي هو بالدولار الاميركي على مستوى 50% من مجمل احتياطات البنوك المركزية العالمية.

ارتكاز النظام المالي العالمي على الدولار نتج عن دور الولايات المتحدة من انجاح الحلفاء بالتغلب على القوى الالمانية النازية واتجاهات الرئيس الايطالي الذي كان على تعاون وثيق مع القيادة الالمانية وخاصة هتلر.

اعادة اعمار المانيا، فرنسا، ايطاليا واليابان بعد تعرضها لهجومين على مدينتين رئيسيتين بالقنابل الذرية عام 1944 الامر الذي ادى الى استسلام اليابان بعد المانيا، ووفرت الولايات المتحدة الموارد المالية والمنتجات الصناعية لانجاز اعمال البنية التحتية في انجلترا، المانيا، النمسا، ايطاليا واليابان والى حد ما روسيا التي حرمت من حيازة الدبابات الاميركية، التي كانت متوافرة للعمل فقرر الحاكم الاميركي اغراقها في البحر دون تأمينها لروسيا التي تحملت اكبر خسارة بشرية وازت 25 مليون جندي ومواطن روسي.

خلال الستينات بدأت مساعي انتشار الوحدة الاقتصادية الاوروبية والتي لم تنتم اليها انجلترا لسنوات ثم انسحبت من الوحدة الاقتصادية، وقد عانت انجلترا من هذا الانسحاب وحققت المانيا افضل النتائج خاصة وان قيادتها الجديدة كانت بالغة الحساسية لسياسات التضخم.

عام 2007 و2008 واجه الاقتصاد العالمي انهيار بنكين في بريطانيا، كان من بينهم اكبر بنك في حينه وانقاذه اوجب شرائه من الحكومة مقابل 150 مليار جنيه اضافة لبنك اصغر بلغت اكلاف انقاذه حوالى 100 مليون جنيه استرليني.

بعد انسحاب بريطانيا من السوق الاوروبية توسعت حلقة الاعضاء الى حد وازى في مستوجباته بين بلدان من الكتلة الشيوعية مثل بولونيا، والجمهورية التشيكية، وغيرها من البلدان الصغيرة، وتطور السوق الاوروبية ادى الى قيام بنك مركزي اوروبي، الذي يتناوب على رئاسته ايطالي تولى رئاسة جمهورية ايطاليا منذ وقت قريب قبل انتخاب الرئيسة التي زارت لبنان مؤخرًا، ورئاسة البنك المركزي الاوروبي تولتها محامية لامعة ووزيرة سابقة للمالية وهي منذ 3 سنوات تقدر بان تسهيلات الاقراض من البلدان الاوروبية من قبل البنوك المركزية فرضت اقرار عملة تقدر ان تنافس الدولار، كما ان الولايات المتحدة التي كانت ملتزمة بتامين اونصة ذهب مقابل 35 دولارًا قد اضطرت الى التخلي عن هذه المسؤولية بسبب سرعة انخفاض الاحتياطي الذهبي، وخلال السنوات العشر المنصرمة حققت الصين نموًا جعل منها ثاني اكبر اقتصاد في العالم، الامر الذي فرض اقرار مركز قرار للصين في صندوق النقد الدولي.

خلال السنوات العشر المنصرمة بدأ تأثير برامج الذكاء الاصطناعي على النمو والصناعات وعمليات النقل وتشغيل السيارات بالاعتماد على شحن محركات السيارات السياحية والباصات الخ بالطاقة الكهربائية وهذا التوجه نحو اعتماد برامج الذكاء الاصطناعي ادى الى تحويل الصناعات ووسائل النقل السريع اليومي، وتوضيح متطلبات استيراد البلدان المعنية الى تعدل في الهيكلية الاقتصادية.

تترافق نمو روسيا منذ تولي رئاستها بعد يلتسين الرئيس بوتين وكان الرئيس بوتين قد اعلن ان روسيا تحتاج الى 25 سنة قبل ان تحقق مستوى من النمو يجعلها قريبة في الانجاز لاقتصادات اوروبا ومن بعد الاقتصاد الاميركي.

الواقع ان روسيا حققت قفزات في الانتاج خاصة وانها تحظى بثروة من الغاز الطبيعي هي الاكبر بالعالم وحققت مبيعات من الغاز على نطاق كبير مع المانيا ومن بعد مع الصين واصبحت الصين تحقق فائضًا على تجارتها مع الولايات المتحدة وبالتالي تزايدت الدولارات لدى الصين كما لدى روسيا واحتياطي روسيا يضاهي اليوم 750 مليار دولار منها 300 مليار دولار مجمدة في البنوك الاوروبية مع تحويل عوائد من الفوائد لاوكرانيا، وهذا التصرف مخالف النظام المالي الدولي بوضوح ولا يمكن استمراره.

المنهج الاميركي واجه تقارب الصين مع الهند الذي اصبحت تحقق معدلاً للدخل يفوق روسيا لان الهند ربما هي الدولة التي تتمتع باكبر عدد من مخترعي برامج الذكاء الاصطناعي وهي لديها مجموع سكان يضاهي 1.4 مليار نسمة، واليوم الصين والهند، وجنوب افريقيا، وروسيا حققوا كتلة للتقارب المالي والاقتصادي. وبالفعل وفرت الصين برنامجًا لمستوردي منتجاتها يمكنهم من تسديد المستحقات بما يوازي من العملة الصينية وهذا التحول اسهم في هبوط نسبة الدولار في ارقام التجارة العالمية خاصة وان صادرات السوق الاوروبية تسوق باليورو في المكان الاول.

نعود الى المشكلة الاساسية التي عنونا المقال حولها أي الخوف من ازمة مالية عالمية تتحكم بمستقبل التعامل الاقتصادي واعتماد العملات المناسبة للتسديد ونعتمد على بعض احصاءات الكتاب لتبيان اهمية المشكلة، ناهيك بتأثيرات الحرب في الشرق الاوسط على غزة وجنوب لبنان وخسارة اسرائيل عشرات مليارات الدولارت من دخلها القومي.

مؤلف الكتاب وفر صورة احصائية عن تكاليف ازمة 2007-2008 وقد اقرت البنوك المركزية اقرار تسليفات كبيرة لانقاذ البنوك بدأت تعاني من الخوف من الافلاس كما حدث مع بنك الاعمال الاميركي ليمان برزرذ الذي افلس على مستوى 640 مليار دولار توافرت من البنك المركزي، وعلى  مستوى اوسع كادت شركة التامين الاميركية التي مركزها برمودا الافلاس لولا قرار دعم لها على مستوى 180 مليار دولار، وشركة كرايزلر كادت تفلس لولا دعم على مستوى 50 مليار دولار.

بالمقابل في اوروبا البنك المركزي الاوروبي تبنى سياسة التيسير النقدي بتامين قروض بسهولة وقد اصبحت هذه الاموال التسهيلية موازية ل4500 مليار دولار.

من اجل اختصار الصورة نفيد استنادًا لاحصاءات الكتاب ان التسهيلات المالية من البنوك المركزية بلغت الارقام التالية: الولايات المتحدة ما يعادل 120% من الدخل القومي؛ فرنسا 110% من الدخل القومي؛ اليابان خامس اكبر اقتصاد عالمي التسهيلات من المصرف المركزي بلغت 200%.

الصين اذا احتسبنا ديون المؤسسات في المجال العقاري وفرت ما يعادل 200% من دخلها القومي، ولا شك ان هذه المبادرات انقذت الاقتصاد العالمي سنة 2007 و2008 من الانهيار كليًا.

وحسب ارقام الاستحقاقات للبنوك المركزية التي تزايدت مع الخوف من انتشار البطالة وانخفاض الدخل القومي منذ 18 سنة لا يمكن احتوائها على مستوياتها الحالية، واي اقتصادي ملم بعلم الاقتصاد يعلم ان البلدان الصناعية تشكل معظم الدخل العالمي وان نمو هذه البلدان يفترض ان يوازي 6-7% حاليًا والواقع ان نسبة النمو هذه لم تتحقق سوى في الهند في حين معدل نمو الاقتصاد الصيني بلغ 5-6%. وبالتالي نحن امام ازمة كبيرة يمكن ان ينهار معها النظام المالي العالمي.

عالميًا اليوم الاقتصاد السعودي حقق معدلات نمو على المستوى المطلوب وبالتأكيد مع الاتفاقات المعقودة مع الصين، كوريا، وروسيا، واليابان يمكن ان تتمتع في حال السير بمشاريع تهددها هجمات الحوثيين في البحر الاحمر الامر المضر بالسعودية في مشروع نيوم، ومشروع مجمع صناعي ضخم مع الصين في الطرف الغربي للمملكة الواقع على البحر الاحمر، وكي تحقق كل من مصر، والسعودية، والاردن منافع هذه المجمع لا بد من تامين حل امني لا يمكن تأمينه الا من ايران.

مروان اسكندر

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.