تنظيم المصانع غير المرخصة وتحفيز الاستثمار والتصدير في لبنان

18

بقلم نزيه حمد

عضو المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى

يواجه قطاع التصنيع في لبنان مشكلة خطيرة تتمثل في وجود عدد كبير من المصانع غير المرخصة التي تنتج مواد غذائية، كيميائية، دوائية، وغيرها من المنتجات دون الالتزام بالمعايير الصحية أو متطلبات الجودة. هذا الوضع يشكل تهديدًا مباشرًا للصحة العامة، ويؤثر سلبًا على سمعة المنتجات اللبنانية، كما يعوق عمليات التصدير إلى الأسواق الخارجية.

لذلك، لا بد من وضع خطة متكاملة تشمل حصر المصانع غير المرخصة، وتطوير إجراءات الترخيص، وتشديد الرقابة، وتحفيز الإنتاج والتصدير عبر تقديم مكافآت وحوافز للمصانع الملتزمة بالمعايير.

  1. ضرورة إجراء إحصائيات شاملة لحصر المصانع غير المرخصة

قبل اتخاذ أي إجراءات تنظيمية، لا بد من معرفة الحجم الحقيقي لهذه الظاهرة من خلال:

  • إطلاق مسح وطني شامل: يجب أن تتعاون الجهات الرسمية مثل وزارة الصناعة، وزارة الصحة، وزارة الاقتصاد، والبلديات لجمع بيانات دقيقة عن عدد المصانع غير المرخصة، مواقعها، وأنواع المنتجات التي تصنعها.
  • إلزام المصانع غير المرخصة بالتسجيل المؤقت: يمكن إنشاء قاعدة بيانات وطنية تُسجل فيها هذه المصانع مؤقتًا لحين تصحيح أوضاعها القانونية.
  • تفعيل دور البلديات والغرف الصناعية: يمكن أن تلعب البلديات والغرف التجارية والصناعية دورًا رئيسيًا في تحديد المصانع غير المرخصة في كل منطقة.
  • إجراء حملات تفتيش دورية: يجب تفعيل الرقابة المستمرة للتأكد من أن المصانع تلتزم بالمعايير الصحية والقانونية المطلوبة.
  1. تطوير وتسهيل إجراءات ترخيص المصانع

حاليًا، تواجه المصانع اللبنانية صعوبات كبيرة في الحصول على التراخيص بسبب تعقيد الإجراءات والبيروقراطية، مما يدفع بعض المستثمرين إلى تشغيل مصانعهم دون ترخيص رسمي. لذلك، لا بد من:

  • إدخال التكنولوجيا في عملية الترخيص: يجب اعتماد منصات إلكترونية تتيح تقديم طلبات الترخيص وفحص الأوراق المطلوبة إلكترونيًا لتسريع العملية.
  • تقليص مدة استخراج الترخيص: في بعض الدول، لا تستغرق عملية ترخيص المصانع سوى أسابيع قليلة، بينما في لبنان قد تمتد لأشهر أو حتى سنوات بسبب التعقيدات الإدارية. الحل هو تحديد سقف زمني أقصى للبت في طلبات التراخيص.
  • تطبيق نظام “الترخيص المبدئي”: يمكن السماح للمصانع بالعمل بشكل مؤقت بعد استيفاء الحد الأدنى من الشروط، على أن يتم منح الترخيص النهائي بعد اجتياز الفحوصات المطلوبة.
  • إلغاء الأوراق غير الضرورية: يجب إعادة النظر في قائمة المتطلبات، والتركيز فقط على الجوانب الأساسية مثل معايير السلامة، الشروط الصحية، والتوافق مع القوانين البيئية.
  • توفير مراكز دعم للمستثمرين: يمكن إنشاء مكاتب متخصصة لمساعدة أصحاب المصانع على استكمال متطلبات الترخيص وتقديم الاستشارات القانونية والإدارية لهم.
  1. تشديد الرقابة وضمان جودة المنتجات

إلى جانب تسهيل الترخيص، يجب التأكد من أن جميع المصانع، سواء الجديدة أو القائمة، تلتزم بالمعايير الصحية والجودة المطلوبة. لذلك، يجب:

  • فرض رقابة صارمة على المصانع غير المرخصة: على الدولة اتخاذ إجراءات حازمة ضد المصانع المخالفة التي تنتج منتجات غير مطابقة للمواصفات، خاصة في قطاعات الأغذية والأدوية والمواد الكيميائية.
  • إجراء فحوصات دورية للمنتجات: لضمان جودتها والتأكد من مطابقتها للمعايير الصحية المعتمدة.
  • تفعيل العقوبات ضد المخالفين: يجب أن تكون هناك عقوبات مشددة على المصانع التي تعرض الصحة العامة للخطر، مثل الغرامات المرتفعة أو حتى الإغلاق في الحالات الخطرة.
  • إنشاء هيئة مستقلة لمراقبة جودة المنتجات: يمكن إنشاء مؤسسة وطنية مستقلة تكون مسؤولة عن منح شهادات الجودة والرقابة على المصانع، مما يعزز ثقة المستهلكين في المنتجات المحلية.
  1. تحفيز الاستثمار والتصدير

إلى جانب ضبط القطاع الصناعي، لا بد من تشجيع المصانع الملتزمة بالمعايير على التوسع في الإنتاج والتصدير، وذلك من خلال تقديم حوافز ومكافآت للمصانع التي تحقق نجاحًا في الأسواق العالمية. ومن بين الأفكار التي يمكن تبنيها:

  • تقديم إعفاءات ضريبية للصناعات التصديرية: يمكن منح تخفيضات ضريبية أو إعفاءات جمركية للمصانع التي تحقق نسبًا عالية من الصادرات، بهدف دعمها في المنافسة الخارجية.
  • منح مكافآت للمصانع الناجحة: على غرار بعض التجارب الناجحة في دول الجوار، يمكن تقديم مكافآت مثل جواز سفر دبلوماسية لمديري او اصحاب المصانع التي تحقق عوائد تصديرية تفوق 2 مليون دولار سنويًا لمدة 3 سنوات متتالية.
  • إطلاق برامج دعم الصادرات: يمكن إنشاء صندوق لدعم الصادرات، بحيث يحصل المصدرون على تسهيلات مالية لمساعدتهم على دخول أسواق جديدة.
  • تعزيز الشراكات مع الأسواق العالمية: يجب أن تعمل الدولة على توقيع اتفاقيات تجارية مع الدول الأخرى لتسهيل تصدير المنتجات اللبنانية، بالإضافة إلى دعم المشاركة في المعارض الدولية.

إن وجود مصانع غير مرخصة تعمل دون معايير جودة يشكل تهديدًا مزدوجًا: فهو من جهة يعرض صحة المواطنين للخطر، ومن جهة أخرى يضعف سمعة المنتجات اللبنانية ويحدّ من القدرة على التصدير ويشكل مضاربة غير مشروعة للمصانع المرخصة . لذلك، من الضروري:

  1. إجراء إحصاء شامل لحصر المصانع غير المرخصة وتنظيمها ضمن قاعدة بيانات وطنية.
  2. تطوير إجراءات الترخيص بحيث تصبح أسرع وأسهل عبر تقليل البيروقراطية والاستفادة من التكنولوجيا.
  3. تشديد الرقابة على جودة المنتجات لضمان سلامة المستهلكين والحفاظ على سمعة الصناعة اللبنانية.
  4. تقديم حوافز للمصانع الملتزمة من خلال الإعفاءات الضريبية، دعم التصدير، ومنح مكافآت للمصدرين الناجحين.

بهذه الإجراءات، يمكن للبنان تحويل تحدياته الصناعية إلى فرصة للنمو والتنمية، وتحقيق نهضة صناعية تعزز الاقتصاد المحلي وترفع من قدرة المنتجات اللبنانية على المنافسة في الأسواق العالمية.

نزيه حمد

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.